آخر تحديث :الاربعاء 26 يونيو 2024 - الساعة:10:46:48
ترددات الرجة الحفترية في اليمن
منصور هائل

الاربعاء 00 يونيو 0000 - الساعة:00:00:00

الاقتصاد المنهار والأرض المستباحة، واستعار دعوات تقسيم البلاد، وتصاعد دور الجماعات الاسلامية المتطرفة والمليشيات القبلية المسلحة التي استحوذ المتطرفون على قيادتها، ورجحان كفة هذه الجماعات والمليشيات في الخارطة السياسية للبلاد، وتناحرها على مواقع الثروة ومنافذ تهريب السلاح والممنوعات، واجتذاب الجهاديين العائدين من سوريا وغيرها، وارتفاع مستوى عمليات اغتيال الخصوم واختطافهم وخاصة في الجهازين العسكري والامني، وتعطيل وظيفة المدرسة ووظيفة الاعلام والثقافة والمعرفة، وغير ذلك من العوامل والظواهر والمظاهر التي رفعت ستارة المسرح القيامي وافسحت المجال لرقصة اشباح الماضي ودحرجة الرؤوس المقطوعة بصورة مشهدية فاجعة.

كل تلك العوامل المخصبة والمغذية لحالة الاحتقان والغليان الشعبي، فتحت الباب أمام اللواء خليفة حفتر، وليس ثمة من يشبه حفتر في اليمن او ما يستدعيه الى اليمن لأنها في وضع واهن للغاية ولا يحتمل أي رجة حفترية.

اللواء خليفة حفتر كان من زملاء العقيد معمر القذافي، المشاركين في انقلاب الفاتح من سبتمبر 1969، ثم شارك في الخيبة والهزيمة العسكرية امام تشاد في ثمانينيات القرن الماضي، وكان كبش فدائها، وبعدها صار منفيا بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك شكل جبهة معارضة رفعت شعار "اسقاط نظام القذافي"، وعند اندلاع انتفاضة 17 فبراير 2011 عاد الى ليبيا، ليشارك في خوض غمار المواجهة العسكرية ضد كتائب القذافي، وبعد ان قتل القذافي في نوفمبر 2011 توارى حفتر عن الأنظار، وفي فبراير هذا العام عاد الى المسرح داعيا الى انقاذ ليبيا، واعلنت السلطات الليبية ممثلة بالمؤتمر الوطني ورئيسه (أبوسهمين) عن ملاحقته، مؤكدة أن مسألة إلقاء القبض عليه مسألة وقت فقط.

قبل أيام استغل حفتر حالة الاحتقان والغضب الشعبي، وانطلق من نقطة الصفر في عملية عسكرية اطلق عليها اسم "الكرامة" معلنا تطهير ليبيا من الإخوان المسلمين والتكفيريين، وشنت قواته عمليات جريئة ضد معسكرات لكتائب إسلامية في بنغازي وطرابلس وغيرهما.

محلل سياسي ليبي يعرفه جيدا قال إن حفتر ليس مجرد شخص، وليس مجرد ضابط، وإنما هو "تراجيديا إنسانية ليبية حقيقية".

المحلل محمد عمر بعيو أضاف: لو كان لي انا الذي اعرفه جيدا، ان استلهم روح الروائي الكبير غابريل غارثيا ماركيز لكتبت في سيرته الطويلة والمعقدة والصعبة رواية بعنوان "جنرال لا يعرف الخريف".

ويضيف: هو مجموع إنسان لا يمكن ان تحكم له ولا ان تحكم عليه دون ان تعبر أسوار الحياة الطبيعية غير المتكلفة التي يحيط نفسه بها الى دواخل ذاته المركبة من العناصر الرئيسية الثلاثة للشخصية الليبية "القدرية والعناد واللامبالاة بالخطر".

مع أنني شخصيا لست مع أي عمل عسكري لا يقترن برؤية سياسية واضحة، من واقع قناعتي بأن مآله لن يكون سوى الانجرار الى جولة جديدة من العنف، إلا أنني تحيرت كثيرا من الموقف المؤيد لحفتر من قبل قيادات وأجنحة عسكرية وازنة ونافذة في ليبيا، وجال في خاطري ان مرد ذلك هو الاستهداف الممنهج لقيادات عسكرية وأمنية ليبية بارزة ومعارضة لتغول المليشيات الإسلاموية التكفيرية بعمليات الاغتيال والاختطافات والإقصاء والتهميش، وصولا الى فرض سلطة امر واقع لجيوش موازية وبديلة – اغتيال 260 ضابطا من الجيش والامن والشرطة خلال 2013 فقط!!

بالرغم من ذلك؛ كان ما حيرني اكثر ولفت انتباهي بقوة هو تأييد زعامات علمانية وليبرالية وحداثية ليبية مرموقة لحركة حفتر: محمود جبريل، عبدالرحمن شلقم، محمود شمام، وغيرهم.

تبعا لذلك؛ استغرقت الكثير من الوقت في متابعة المواقع والكتابات والتقارير الليبية وما يكتب عن ليبيا، وتفاعلات دول الجوار الاقليمي لدولة مترامية الأطراف، تنهار على رؤوس الأشهاد- السودان، مصر، تشاد، النيجر والجزائر وتونس.

في حين كنت أقرأ وجدتني انهمك في تقليب الصفحات الشعثاء للراهن اليمني، وفي استجلاء الترددات التي تصل من ليبيا، وعقد المقاربات والمقارنات بما يمكن إيجازه بالتالي:

جاءت حركة حفتر "كرامة ليبيا" على خلفية اخفاق اجهزة ادارة العملية الانتقالية وفسادها وفقدانها الكثير من مقومات الشرعية، سواء بالتمديد للولاية المنتهية للمؤتمر الوطني او غيره من الهيئات.

التصفيات المتصاعدة للمنتسبين الى المؤسستين العسكرية والأمنية والخصوم المعترضين على سلطة التشكيلات المليشاوية المتطرفة.

استهداف مقار السفارات والشركات الأجنبية وتصاعد عمليات الاختطاف والاغتيال للأجانب والسيطرة على حقول وآبار النفط ومنصات تصديره.

تحول ليبيا الى قاعدة خلفية للإرهاب والإرهابيين وتكاثر المعسكرات الخارجة عن سيطرة الدولة وإيواء عشرات المقاتلين العرب والأجانب الفارين من المحرقة السورية، وارتباط ذلك بما تسرب من أخبار عن استضافة ليبيا لعدد من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المرحلين من قطر.

ارتفاع منسوب الخطر الذي صارت تشكله ليبيا على دول الجوار وتحولها إلى خطر أمن قومي على مصر والجزائر وتونس وغيرها، وبالتالي إلى خطر أمن دولي.

كل هذه التراكمات والوقائع التي شهدتها ليبيا - وتشهدها اليمن اليوم- أعطت الضوء الأخضر للواء خليفة حفتر، وفتحت لديه شهية المغامرة على إحداث رجة ستأخذ مداها البعيد في ليبيا، ولا يستبعد ان تشكل انعطافة يصعب التكهن بمجاهيلها!!

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل