آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:16:18:59
صديقي دانتي وسيفُ العرب
احمد محمود السلامي

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

في نهاية سبعينيات القرن الماضي التحقت بالدراسة في جامعة الصداقة بمدينة موسكو وكانت هذه الجامعة تتبع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وطلابها من مختلف دول العالم من إفريقيا والهند الصينية أمريكا اللاتينية والدول العربية ، طلاب من دول كنا نسمع بها لأول مرة مثل سيراليون وتوجو و الإكوادور و الهندوراس ، خليط من مختلف أجناس المعمورة ، كانت جامعة الصداقة تختلف عن سواها من الجامعات الروسية وبلدان الاتحاد السوفيتي من كل النواحي ، فمثلاً كان يسمح لاثنين طلاب من بلد واحد أو يتحدثون لغة واحدة السكن في غرفة واحدة ولابد أن يكون في كل غرفة طالب روسي هو المسئول عن الغرفة , كان حظي في السكن في سنة أولى جامعة مع طالب يكبرنا في السن من بيلاروسيا وكان يأتي إلى الغرفة احياناً نتيجة لانشغالاته الحزبية ، اما الثاني فكان "دانتي"  بيروفي  من أمريكا اللاتينية شاب لطيف ومجتهد ، كانت علاقتنا رسمية جداً في البداية .. كنت إلا حظه في المساء يأتي متأخراً وينام بكل هدوء وعندما كنت اصحي في الليل وأقوم لشرب الماء كان يستيقظ  وفي الصباح يستيقظ قبلي ويغادر إلى الكلية وهكذا مرت الأيام إلى أن جاء شتاء موسكو القارس وانخفضت درجة الحرارة إلى دون الصفر وحلت بنا كآبة الشتاء .. أصيب دانتي بنزلة برد الزمته الفراش .. ذات يوم رجعت من الكلية إلى غرفتي ووجدته مريضاً ومحموماً ومرعوباً  سألته ماذا بك ؟

أشار لي إلى حنجرته .. طيب! هل أكلت حاجة من الصبح  ؟ قال مش ضروري .. أحضرت له حليب ساخن وتوددت إليه إلى أن شربه وبعدها أحضرت له شاي بالليمون . في العصر أخذته إلى العيادة وكان يرتعد من الخوف وكأنني أسوقه إلى ساحة الإعدام .. عدت به إلى الغرفة بعد أن اخذ حقنة خافضة للحرارة والأدوية الأزمة ورحت ابحث عن أصدقاءه لأخبرهم بمرضه .. ثلاث أيام مرت وأنا أرعاه أقدم له الأكل واجلب له ما يحتاج من السوق . شفي دانتي .. تغير! بدأ يبتسم لي .. وصار لطيفاً جداً تغيرت مواعيد  مجيئه وأسلوب تعامله معي وأصبحنا نتحدث في كل المواضيع  .. وصارحني بأنه عندما عرف بأنني عربي  ذهب فوراً إلى المسئول على السكن وطلب كتابياً نقله إلى غرفة أخرى  ولم يستجاب لطلبة حينها.

وسألته عن سبب طلبه فقال لي : "إن الذي نعرفه عن العرب أنهم يعيشون في الصحراء ويقتلون بعضهم بعضاً بالسيف ولا يتوانون عن قتل أي شخص أو ذبحه ولهذا كنت خائف منك وخاصة عندما أصريت على ان تأخذني إلى العيادة " وواصل مقهقهاً : كنت أقول أكيد بياخذني  إلى الغابة المجاورة ويذبحني هناك " . اندهشت كثيراً من هذه الصورة المطبوعة في أذهان الكثير من الأجانب في ذلك الوقت وتناقشت معه كثيراً لأغير مفهومه حول العرب   .. 

ألان تغيرت الصورة !! من الصحراء والسيف إلى الرشاش والحزام الناسف .. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م  الصقوا بنا كلنا تهمة الإرهاب .. وأصبح العربي والمسلم في كل بلدان الله تحت الشبهات والمراقبة .

بل أن هذه التهمة أصبحت تؤرق مضاجعنا وتعكر صفوف راحتنا وأمننا . بدون شك بعض العرب هم إسهام واضح لتشويه صورتنا أمام العالم ، زمان حصروا الشخصية العربية في البدوي الذي يعيش هو وسيفه وناقته في الفيافي الرحاب من خلال قصص روجت على أساس إنها تراث يُفتخر به  . أما اليوم فالعربي هو الإرهابي الذي يُقتِل بلا رحمة ولا شفقة دون أي وازع يذكر . متى سيُحسِن العرب صورتهم وسمعتهم العالمية ويكون لهم شأن مهم بين الدول العالم كونهم يمتلكون ثلثي إنتاج العالم من النفط، واحتياطي من البترول يكفي العالم 1500 سنة قادمة . ترى ماذا سيفعل العرب خلال هذه السنوات الطويلة القادمة هل ؟!! 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص