مظاهر الانفلات والاختلالات الأمنية.. وما ينجم عنها من أعمال إرهابية متعددة تخلف قتلى وجرحى وثكالى ويتامى، ودمار واسع للبنية التحتية، ولممتلكات الشعب وموارده، ولكل ما تم إنجازه على الصعيد الاقتصادي والتنموي، وهذه الأفعال الهمجية تكشف عن طبيعة هذه الجماعات الإرهابية، وما تحمله من أحقاد شريرة ضد الإنسانية، وعن تدني الثقافة الدينية والاعتراف بالآخر، وكذا عن هشاشة الأجهزة الأمنية ولهذا تكشف لنا الوقائع اليومية عن اتساع العمليات الإرهابية، وانتشار المتفجرات وأدوات الموت، وبصورة مخيفة تجعل الجميع في حالة مستمرة من القلق والخوف والوجل.
فالبعض منها تفجرت وأحدثت رعباً وهلعاً ودماراً واسعاً، وبعضها تم اكتشافها قبل انفجارها، وابطل مفعولها.. وحتى في ظل الحالة الثانية يظل القلق يراود الجميع.
لأن من يصنعون الموت هم ممن ماتت مشاعرهم، وتجردوا من مشاعر الحب والجمال فمن يقتل النفس التي حرمها الله، يستطيع أن يغالي في القتل والدمار، ولا يهمه من تكون الضحية ومكانها سوقاً مكتضاً بالناس، أو مدرسة مليئة بالأطفال أو معسكراً، أو مسجداً.. المهم أن تكون هنالك ضحايا كثيرة، ودماء تسفك لاعتقادهم بأن هذه الأفعال موجهة ضد التدخل الأجنبي، والحقيقة أن هذه الأفعال اللا إنسانية موجهة للمجتمع بصفة عامة.
فمن يقتل، ويضرب خطوط الكهرباء، ويحرم الملايين من نعمة النور أو يفجر أنابيب النفط أو يهدم مدرسة أو مسجداً أو البنية التحتية، يؤذي الناس البسطاء تحديداً، وليس أمريكا أو إسرائيل.. وغالبية هذه المجاميع هم من الشباب والأطفال ما دون الثامنة عشرة وهذا يكفي لمعرفة الخلل.. فالتعبئة الدينية الخاطئة، وتدني رسالة المسجد والمؤسسات الدينية هي السبب الرئيسي بالإضافة إلى الخلل في المناهج الدر اسية وطرق التربية والتعليم ودور المؤسسات الحزبية والتنظيمية، وهذا يتطلب أن يضطلع جميع أفراد المجتمع ومؤسساته الثقافية والدينية والتربوية والسياسية بدورها في التربية والخلق الحسن.
في الأسابيع الماضية تبادل الناس خبر عملية إرهابية تم اكتشافها وإبطالها، كانت ستحدث خراباً ودماراً وقتلاً واسعاً، وهذا ليس هو الجديد في هذه العملية القذرة، وإنما حقارة هذه العملية وغرابتها في أن الشاب الذي أشرف على تنفيذها اختار والدته التي كانت تعاني من ألم في عمودها الفقري، فأهداها حزاماً ناسفاً موهمها بأن هذا الحزام ابتاعه لها لعلاج الأم العمودي.. واعطاها جهازاً مفجراً بشكل وحجم التلفون، وطلب منها أن تذهب إلى أحد مراكز التسويق الكبيرة لشراء حاجتها، وفور الانتهاء تضغط على زر الجهاز الذي ينبغي أن يظل بيدها، لكي يأتي إليها من خارج المركز، ويأخذها إلى البيت. إلا أن أحد العاملين في المركز أشتبه بالتلفون فأبلغ أمن المركز الذي ألقى القبض عليها، وباشروا التحقيق معها، وتخليصها من الحزام.
أي أخلاق لدى هذه الجماعات، وأي انحراف يدفع بشاب أن يضحي بأعز إنسانة وهبته الحب وأرضعته حليبها، وسهرت على تربيته إلى أن أصبح رجلاً قادراً على القتل والدمار.. اختارها لقتل العشرات وربما المئات ..هكذا.. نجد أن كل عملية تنفذ أو يتم إيقافها لا تختلف عن بعضها.. فكل عملية أكثر بشاعة ورذالة من الأخرى وجميعها توحي بالتقزز والاشمئزاز... وجميعها تستهدف المجتمع بكل فئاته وثقافته، والمجتمع بكل مؤسساته مسئولاً عنها ، والدولة أكثر المعنيين بحماية آمن المواطن وسلامته.
ثقافة بربرية منحرفة ومتوحشة تنتمي إلى الطبيعة الحيوانية في الإنسان وإلى الماضي “العفاشي” الذي ما زال حاضراً ومتمسكاً بالحاضر الثوري، وكابحاً للتغيير، فالتغيير الذي أختاره الشعب فرضته الضرورة الاجتماعية والتاريخية لتغيير النظام الذي صنع في الناس ثقافة القتل والإرهاب.. ثقافة الموت والكراهية، والدمار.. لهذا خرج الناس في ثورة شعبية سلمية عارمة هي الأولى في التاريخ، تسابق فيها الناس جميعاً إلى طلب الشهادة من أجل البقاء.
والشعب أقوى أسلحة التغيير، وإسقاط الأنظمة التي طغت في الأرض وعاثت فساداً.. إلا أن مراكز النظام المنهار والقوى الطفيلية التي عاشت على أهدابه، ولا تزال تستفيد من عطاياه استغلت المنفذ السياسي الذي أتاح لها المناورة، للاستمرار في إعاقة الانتقال السلمي للسلطة ومحاولة اكراه الناس على رفض التغيير، والتشبث به خوفاً مما تملكه هذه الجماعات من ملفات تعميم الفوضى، والعنف والإرهاب، وبالتالي إفساد فرحة الناس.
ما حدث في وزارة الداخلية وحدث في وزارة الدفاع وما يحدث من عمليات إرهابية في محاولة لتفجير الأوضاع وجر الشعب إلى حرب أهلية واسعة لا يحمد عقباها.. أمر متوقع طالما و بقايا النظام السابق ما زالوا يمسكون بوسائل التفجير مستفيدين من الحصانة التي منحت لهم مقابل ترك السلطة.. بل الحياة السياسية التي فتحت شهيتهم لاستعادة ما سحب منهم من السلطة. فما حدث في الداخلية تحديداً ليس أمراً طبيعياً، وليس مجرد تمرد محدود. أو فعل شخصي عفوي.. استهدف الحصول على مستحقات مالية أو مكافآت مقابل اشتراكهم في قمع الثورة الشبابية، وقتل الثوار وإنما للعملية بعداً أكثر ارتباطاً بالإرهاب، وبحماية من تم الحفظ عليهم على أثر المداهمات التي جرت لمعاقلهم.. وكذا إحراق المعلومات التي تم الحصول عليها عن هذا التنظيم الإرهابي، وما قدمه لهم النظام السابق من دعم وحماية، باعتباره القوة التي ينبغي أن يستخدمها في الضغط على جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وابتزازهم باسم هذه القوة المدمرة للمصالح الأجنبية المختلفة في هذه المنطقة الحيوية.
والأهم في ذلك أن استخدام هذه الجماعات على هذا النحو سيخلق وعياً مغايراً شعبياً وإقليمياً ودولياً من قضية الثورة، وعدم قدرة النظام الجديد على إيقاف العمليات الإرهابية وتجفيف منابع الإرهاب.
وهذا بالتأكيد سيقدم القيادة السياسية التنفيذية الجديدة على أنها فاشلة وضعيفة وعاجزة على مكافحة الإرهاب وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم ولو كان الأمر بهذه السهولة كما تناولتها الأخبار لكان مرتكبو هذه الأعمال الخارجة عن القانون والمألوف اكتفوا بحصار الوزارة لا تدميرها بالكامل وسرقة محتوياتها من الوثائق والمعلومات التي تؤكد تورط أطراف سياسية متعددة فيها ناهيك عن ما خلفته هذه العملية من رعب وخوف وهلع أمتد إلى أحياء مختلفة عن محيط الوزارة.