آخر تحديث :الاثنين 06 مايو 2024 - الساعة:16:36:32
عدن اقتصادية
بدر عبده شيباني

الاثنين 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

اعتمدت عدن الباسلة على مينائها في ازدهارها، ولكونها محورا أساسيا للتجارة البحرية الدولية، وكانت دولة اقتصادية على مر العصور، وجعلت منها امبراطوريات وممالك عظيمة عاصمة لها، وشيد ملوكها وسلاطينها أفخم القصور فيها ولم يبحثوا عنها وأخبرونا، قبل أن يدمروها وينهبوا كل شيء فيها، وبهدلوا بها بهدال الله يبهدل بهم بهدال وشمتوا بها الله يشمت بهم، واليوم يتباكون عليها ولم يدافعوا يوما عنها، وكانوا ساكتين صامتين ومتفرجين على تدمير معالمها التاريخية ومرتكزاتها الاقتصادية الأساسية ولا يهمهم غير (خراجها) ونصيبهم منها، واغتنوا منها وأصبحوا من أصحاب الملايين قبل أن يحلفوا اليمين بأنهم مناضلون وغيورون وظل أهل عدن جوعانين وهم يمتلكون موارد ضخمة توفر 70 مليارا وتصل إلى 400 مليار.

تلك هي عدن التي ظل أبناؤها وأهلها على مر السنين يرددون عن أهمية ومعنى عدن لكل الوطن، كما كانت دوما دولة اقتصادية وميناء حرا عالميا ولتجارة الترانزيت قبل أن تقطع أوصاله وتباع مجالات نشاطه والمرتبطة بها، وتقليص مسؤوليات سلطاته وتصفية كوارده وإسقاط إدارته وكانت مخزنا للوقود والمؤن قبل أن تباع (توانكها) وأرضها ولم تنشأ المصافي لتهمل وتدمر إلى جانب مطار ازدهر في تجارة الترانزيت الدولية وكان مركزا لإدارة تنظيم حركة الطيران في المنطقة قبل أن ينحر ويقتل وتصفى كوادره المؤهلة والمتخصصة بعد أن كانت تدير أرقى مكاتب إدارية ومالية وفنية بموجب نظم وقوانين لا تخترق ومسخت نظم للترقيات والتعيينات لكافة مستويات الوظائف، وفي عهدهم لم تسقط مؤسسة من مؤسسات عدن في الحضيض بالشكل الذي بلغته اليوم من تفشي الفساد فيها حتى في زمن الثورة والإضرابات العمالية المستمرة للحركة العمالية منذ العام 56م وأثناء إغلاق قناة السويس عامي 67 و73م، بل وارتقت قياداتها في مجالاتها ونشاطها حتى أصبحت كما هي عليه حالها اليوم وهم ساكتون ومتفرجون.

اليوم كلنا فرحين ومبتهجين بأن عدن ستكون مدينة اقتصادية اتحادية، وسيقدم لها كل الدعم لتقوم بدور اقتصادي حقيقي للدولة الاتحادية بالإضافة إلى خمس مناطق أخرى، بدلا من دورها الراهن كعاصمة تجارية واقتصادية في ظل الوحدة التي تم في عهدها تدمير مرتكزاتها الاقتصادية الأساسية كلها (الميناء والمصافي والمطار والسياحة وتصفية مؤسساتها ومصانعها وتسريح كوادرها) التي شكلت عوامل ازدهارها ومصادر يرتكز عليها الاقتصاد الوطني طول عمرها، لذلك أصر الانجليز وبنوا كل فكرتهم في تأسيس الجنوب العربي على ضمها ضمن الاتحاد الفيدرالي كشرط لمنحها الاستقلال كدولة ضمن الاتحاد ومحتفظة بحكومتها ومجلسها التشريعي ودستورها (وكانت اسمياً عضوا في الاتحاد وبقيت مستعمرة بريطانية تتبع السيادة البريطانية حتى الاستقلال) همفري تريفيليان, الشرق الأوسط في ثورة – ترجمة حامد جامع. ولم تجعلها كل التسميات التي أطلقت عليها من عاصمة سياسية للجمهورية إلى عاصمة تجارية واقتصادية وحدوية أن تقوم بدورها الاقتصادي المطلوب ما يعني أن القضية الجوهرية في إخفاقها لا تعود إلى تسميتها بقدر ما تعود إلى (النهج السياسي للاقتصاد) الذي ستتعامل به الدولة الاتحادية في بناء اقتصادها الوطني الذي كان سببا في تفجير الثورات, أو المرتكزات الاقتصادية التي ستجعل عدن تعتمد عليها بدلا عن التي ضاعت منها مع أنظمتها وقوانينها وكوادرها لتكون مدينة اقتصادية اتحادية, وإيجاد الأدوات الجديدة القادرة على تشغيل مؤسساتها وقيادة عملية التنمية الاقتصادية برمتها، والأولويات العشر المجمدة في الديش من عشر سنين لمشاريع من دون تخطيط شاملة كاملة كما يفعل الناس.

عدن الباسلة مثل نظيراتها تحتاج إلى أبنائها وأهلها الذين يتحملون الاضطهاد والإقصاء لأنهم ينتمون إليها ويدافعون عن إرثها، والتفكير بطريقة مدنية لتكون (دولة اقتصادية) كما كانت وليس كما يراد لها أن تكون عندما سموها عاصمة اقتصادية بدون مرتكزات وتكرار صرف المليارات والمليارات من الريالات والدولارات من ضرائبنا على إصلاحات وطلاء وتجميل لبنيتها عملناها ألف مرة ولم نستفد منها مرة، وفرت أشغالا دائمة لأبنائنا غير التسكع في الشوارع او سواقي  سيارات تخربط المرور، ولا أعادت للمسرحين مبكرا وقسرا وظيفة من وظائفهم ولا بنت مسكنا من مساكنهم ولا حسنت معيشتهم، ولا حماية من محمارة التجارة شطارة, ولا قدرت على تحديث قطعة واحدة أو مجال من نشاط الميناء أو المصافي ولا المطار أو السياحة ولا في تأهيل وتطوير العاملين بقدر ما جلبت الحفر لأرصفتنا وطرقاتنا وبرك للمجاري والأمطار تسبح فيها الضفادع وأغلقت مستشفياتنا ولم توفر لنا سيارة إسعاف واحدة، ولا أعادت لنا الماء وجعلتنا نشرب من القصبة صافي وبالكلور كما كنا، ولا أعادت لنا الكهرباء بلا شموع أو مولدات، ولا أصلحت ميادين مدارسنا ووفرت المدربين واللوازم ليلعب بها طلابنا لحمايتهم من آفات عصرنا، ولم تحسن من اقتصادنا بل زادته سوءا وتدهورا وزادت أهلنا فقرا وتدميرا لمعالم مدينتنا التاريخية وتلك حقائق واقعنا، نسير فيه سنوات مرغمين بلا تخطيط أو خطط نتوافق على تنفيذها ليشعر الناس بأنها لنا والجميع معنيون بها.

ومشكلتنا الحقيقية بعد ما قلنا كيف يجب أن ننظر إلى معالجة القضية الاقتصادية بعقلية جديدة ومرتكزات حقيقية لتعود عدن اقتصادية, وهي  التي شهدت خلال كل مرحلة حياة مختلفة عاشتها مع أهلها مع كل تسمية أطلقوها عليها.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص