آخر تحديث :الاربعاء 27 نوفمبر 2024 - الساعة:00:30:02
لماذا كره الجنوبيون الوحدة مع الشمال
عياش علي محمد

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

التحولات السياسية الكبرى، تحتاج الى قيادة سياسية مثلها ، تقودها الى المستقبل، واليمن لم يحدث فيها لا تحولات سياسية كبرى، ولا زعامات تقودها نحو المستقبل فقد ظلت البنية السياسية والاقتصادية نفسها لم تغيرها السنون ولا الاحداث الاقليمية والدولية.. وظلت العقلية القبلية هي المتصدرة المشهد، تنتج نفسها بنفسها كما هي العادة التي انتقلت اليها بالتوالي من سنة الى اخرى.

 

ولما كانت الوحدة التي ابرمت بين دولة الجنوب ودولة الشمال في 22مايو1990م، احدى هذه التحولات الا انها عجزت عن احداث نقلة نوعية على مستوى البنية الاقتصادية والسياسية كالتي حدثت في كل من ماليزيا والهند وجنوب افريقيا حيث استطاعت هذه البلدان اللحاق بالدول الاكثر نموا في العالم في بحر عدد من السنين.


وبدلا من ان تخلق الوحدة اليمنية جسرا للتواصل بين اهل الجنوب والشمال راحت تقصم ظهر الجنوبيين بحروب تقليدية متقطعة ومتواصلة ضد كل ما هو حي ينبض بالحياة للجنوب.

 

وتعلم الجنوبيون اول درس من الوحدة وطلعوا باستنتاج عظيم المعرفة بانهم اتحدوا مع وحدويين لا يمتلكون روحا وحدوية.

والتحولات الكبرى تقودها عقول اقتصادية ناضجة وسياسات متزنة وعاقلة، ولم توجد في اليمن تحولات اقتصادية تفضي الى نتائج ملموسة على مستوى معدلات دخل الافراد او زيادة محصلات الناتج المحلي الاجمالي وعلى تطور المعيشة وعكست السياسات الخاطئة على حالة  البؤس التي فرضتها تلك السياسات على الجنوب، لهذا لم تخلق الوحدة اليمنية اقتصادا معتبرا يجمع بين اقتصاد دولتين اتحدتا سياسيا ولم تتحدا اجتماعيا فتعذر على الوحدويين تأسيس منهاج لبناء عقول  منتجة تقود البلاد الى مصاف الدول النامية المتقدمة كماليزيا وهونج كونج او حتى بنجلادش.

 

واكبر كارثة واجهت الجنوبين عقب الوحدة اليمنية انهم احسوا بنوع من الخداع بحيث وصلوا الى قناعة بان هذه الوحدة هي استمرار لسياسات الشمال بالنظر الى الجنوب وكأنه فرع مربوط بالشمال، وان هذه الوحدة ليست الا وحدة ضم والحاق.. وان الشمال لا ينظر إلى الجنوب الا على مستوى ما يستخرج من ارضه من ثروات نفطية ومعدنية وما لحق بها من معادن الفضة والذهب، وما تسبح في بحاره من اسماك وما تمخر في عبابه من اساطيل البحر وفوق السحاب وعندما غزا الشمال الجنوب في حرب صيف 1994م، لم يكن الشمال تاريخيا يحمل ارثا حضاريا اسمى من حضارة البلاد الجنوبية، بل قاد الشمال عمليات حربية غير متكافئة ليس ضد الانسان الجنوبي وحسب بل ايضا شن حربا على قطاعاته الاقتصادية والصحية والمهنية والزراعية الخ، فأبتلع كل حي على ارض الجنوب، لهذا كره الجنوبيون كل ما يخطر في بالهم، اسماء الوحدة الوطنية او الوحدة العربية او وحدة الضم والالحاق.

 

وبعد ان انتهت الحروب العسكرية ضد الجنوب، واصل الشمال حروبه الاجتماعية ضد الجنوبيين والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم، وبهذه الحروب لم يطعم الجنوبيون مذاق السلام والوئام، وعكرت امزجتهم من تكرار التصدي على موروثهم الثقافي والحضاري حتى تحولت تلك المآثر الخالدة الى اطلال قيس بن الملوح.

 

فهل وفرت تلك الحروب مناخا للتآخي او حبا للوحدة؟ حتى رافعي شعار القومية العربية تعصبوا للوحدة المباركة، وساندت القومية فتاوى الحرب على الجنوب ولا زالت تتعامى عن كل قهر واذلال لابناء الجنوب، بينما في حقيقة الامر عجزت القومية العربية عن تحقيق أي مشروع سياسي او اقتصادي يوحد الامة العربية، كما عجزت القومية العربية عن انقاذ الشعب الكويتي من سطوة عساكر صدام حسين حين احتل الكويت في 2اغسطس1990م، ولم تنجح القومية العربية مطلقا في تقريب وجهتي نظر حزبي البعث السوري والعراقي، اللذين هما اساس القومية العربية، كما ان قادة القومية العربية لم يتمكنوا من اعادة اللحمة الوحدوية بين مصر وسوريا بعد انفصالهما عن بعض، ولم تفلح القومية العربية في انقاذ اليمن الجنوبي في الحرب الذي وجهت ضده عام 1994م، ولم تحترم خياراته الوطنية.

 

وبكل اسف يجمع الناقدون للوحدة اليمنية انها لم تساعد على لم الشمل بين الجنوبيين الذين تأثروا بالصراعات الجنوبية لجاؤا إلى الشمال، وبدلا من توحيدهم مع العلم في الجنوب، راحت تحرضهم على اخوانهم في الجنوب حتى حان الوقت المناسب كي يستثمروهم في الحرب ضد الجنوب، وتم ذلك ودخلوا الجنوب منتصرين ونالوا حصتهم من كعكة الجنوب وجيلاتي السلطة.

 

وقصة اندفاع الاخوة في حربهم ضد اخوتهم تجدها واضحة  في قول احد عتاه الحرب العالمية الثانية وهو (أدولف هتلر) الذي قاد حربا شعواء على اوروبا وقلب عاليها سافلها قال ذات مرة في احدى مذكراته حول من شجعوه على حرب بلدانهم.. بأنه يكن شديد الكره للذين شجعوه ودفعوه لاحتلال وتدمير بلدانهم.. فما بالكم بالاخرين اليست لديهم الفكرة نفسها في احتقار من دفعوهم إلى حرب اخوانهم وبلدهم؟!.

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل