آخر تحديث :الثلاثاء 15 اكتوبر 2024 - الساعة:01:03:05
ياسين .. فارس الوداع الاخير
عبدالقوي الأشول

الاثنين 00 اكتوبر 0000 - الساعة:00:00:00

لا يختلف الكثيرون حول شخصية الدكتور ياسين نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي, حتى من يختلفون مع وجهة نظره السياسية يكنون له ودا وتقديرا لنزاهته ناهيك عما لديه من "كاريزما"، تجعله قريبا من قلوب الناس وهكذا عرف طيلة مشوار عمله السياسي.

 

عقلاني غير نزق ليس له أطماع في السلطة والنفوذ كما لم يستقطع لنفسه قط من الأموال والأملاك أو يحتكر الوظيفة العامة للمقربين منه.

شخص على هذا المستوى من العفة والنزاهة لابد أن يبدو مخالفا للمألوف في سلوك معظم الشخصيات القيادية.

 

انسحاب الرجل المباغت والمفاجئ من مسرح الحياة والعمل السياسي ربما أحزن الكثير ممن عرفوه وإن اقترنت استقالته من الأمانة العامة للحزب بمبرر التفرغ للعلاج كما أشار إلا أن الواقع مغاير لذلك تماما ويشير بجلاء لانسداد الأفق السياسي بعد هيمنة أطراف على المشهد وتفصيله كما تشتهي. لقد بذل الرجل جهودا مضاعفة وتمتع نفسه بطول صبر على أمل أن لا تصل الأمور إلى خط اللاعودة ولكن دون جدوى..فكما أسلفت إذا اختلفنا مع وجهات نظره السياسية إلا أنه في نهاية الأمر رجل بنيات صادقة وبحكنة سياسية مشهود لها ما يعني أن انسحابه قد ترك فراغا وتأثيرا كبيرا ناهيك عن تداعياته المستقبلية.

 

الثابت أن نهجه العقلاني المتوازن ليس له مكان في محيط لا يؤمن ولا يحترم مثل هذه الوسطية والعقلانية والنزاهة والمصداقية, لهذا بدا فكره وطرحه متناقضا تماما مع نهج أطراف النفوذ التي تفرض سطوتها وسيطرتها ووجهات نظرها على من سواها وبالتالي فقد تناقضت أفكاره مع هؤلاء, الحال الذي بات يهدد حياته خصوصا وقد تعرض لأكثر من محاولة اغتيال.. وتهديد ممارسات ظل يواجهها بطول نفس وصبر .

 

إذن لماذا لم يكن فكره مقبولا رغم وسطيته؟.. ما قد يجهله العامة أن الدكتور ياسين بدا في طرحه ورؤيته مختلفا إلى حد بعيد عن مراكز النفوذ لأنه ببساطة يؤمن بدولة عصرية حديثة حضارية عادلة متخلصة من السيطرة القائمة لهذه الأطراف التي تمنع تماما التغيير ولا تؤمن بالحلول التي في طيها فكرة التغيير.

 

لأن الصراع أساسا يجري على هذا الأساس أي منع إجراء التغيير وبناء الدولة العصرية الحديثة وهذا ما تكشف عند التفكير بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية، حيث منع البت في الأساسيات المتعلقة بالتغيير وجوهر العملية السياسية برمتها منها هيكلة القوات المسلحة.. والخاصة والأمن مفصلية غاية في الأهمية جرى تجاوزها للأسف.

 

 عند هذه النقطة بدا جليا عدم إمكانية المضي أو السير باتجاه الحلول الممكنة.. إذن نقطة الخلاف مع الدكتور ياسين سعيد نعمان يكمن جوهرها في بناء الدولة العصرية وعدم تقسيم الجنوب وفي ظل توفر هذا الشرط الذي هو تعجيزي عند مراكز النفوذ ويمس مصالحها مباشرة أعني الدولة الحديثة عندئذ يمكن أن تكون الدولة اتحادية من إقليمين حسب رؤية الحزب وأمينه العام.

 

لهذا بدا مشروعه على النقيض مع ما يعتمل أصلا وما تم التخطيط له سلفا – لماذا؟ لأن لا أحد من تلك الأطراف يقبل بفكرة الدولة العصرية مطلقا..كل ما لديهم هو عدم الحل وإبقاء الأمور على النحو القائم: ثروات يتم تقاسمها، وممارسة القمع مع من يناهضون أو يرفضون البقاء تحت هذه السلطة العبثية الجائرة المتخلفة.. من هنا بدا الأمر في اللحظات الأخيرة لما قيل أنه حوار في حين أنه يستثني شروط نجاحه منذ البداية .

 

بدا الحال مقترنا بحضور أطراف النفوذ بكثافة معلنة شروطها واشتراطاتها وبعد أن أمنت كافة القوى المتنفذة التغيير ها هي تعود وبقوة إلى الواجهة فارضة رؤيتها مستخدمة أساليبها المعروفة في تصفية الخصوم خصوصا من رموز الحزب الاشتراكي الذي واجه منذ العام 1990م مسلسل تصفيات طالت أهم قياداته والدكتور ياسين كان من بين الشخصيات المستهدفة فحين كان يرأس مجلس النواب تعرض لمحاولة اغتيال استهدفت منزله بقذيفة آر.بي.جي.. وما تكرار أمر التصفية إلا امتداد لنسق الماضي عند القوى النافذة في صنعاء التي تتماهى مع الثروات النفطية الجنوبية ونحوها.. وترفض أي حلول بشأن القضية الجنوبية ترخي قبضتها على تلك الثروات التي يتم تقاسمها حاليا.

 

ما يعني أن الإبقاء على الوضع غير المستقر في الجنوب هو خيارها الراهن وهي التي تعيش وتستمد البقاء منذ زمن على إشعال بؤر المواجهات وتغذية الصراعات .

 

نعم لقد غادر الدكتور ياسين وهو آخر فرسان ..غادر صنعاء بعد أن تحمل الكثير وصبر وجاهد في سبيل أن لا تصل الأمور إلى خط اللاعودة ولكن في نهاية المطاف تبين له العدمية المطلقة في التعاطي مع واقع تم العجز عن تغييره منذ عقود في مجاهيل اليمن..فهل تشكل مغادرة الرجل لحظة فاصلة بين القوى العقلانية وأطراف النفوذ التي لا تسمع إلا صوتها ولا ترى إلا صورتها.. ذلك ما يشير إليه الكثير من المتابعين للشأن اليمني.. والأيام القادمة ستكشف المزيد من تداعيات المشهد المبني على احتمالات كارثية دون ريب.

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص