آخر تحديث :الاربعاء 24 ابريل 2024 - الساعة:13:14:55
المسرح في عدن !!!
نشوان العثماني

الاربعاء 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

ماذا بقي من المسرح لنتحدث عنه إذا كان لم يبق شيء من كل شيء؟ فلا هو حديث في المسرح ولا ما يمت إليه بصلة إلا في المفارقات الفاجعة, كما أنه ليس حديثًا في التشاؤم يا صاحبي.

 

هي عدن, وهو مسرح مشاهده الأشلاء والدماء والبارود, وفصوله العنف والقتل, تتوالى أجزاؤه قادمها مقلق وحاضرها «كلما تقدمت خطوة رجعوني خطوتين».

 

وإذا كان «المسرح كلمة جامعة لمختلف الفنون من أدب وبلاغة، وعلم بأحوال النفس البشرية وما يعتلج فيها من فضائل وخسائس، وشجاعة ومكر، وبطولة وانهزام، وعدل وتسلط وظلم، وتسلية بالإضحاك وإعطاء العبر» (عمر عوض بامطرف: cutt.us/dsSl), فمسرحنا هنا يخلو من الفنون إلا التفنن في البشاعة والخسة والإيغال في السفك, يخلو من الفضيلة والبطولة والعدل والتسلية إلا ما يتسلى به المجرمون, ويكتظ باستباحة كل شيء على أرض عدن, بشرًا كان أم حجر, دون أي وازع أو رادع. هنا مربع شطرنج وأحجار, والضحية عدن والإنسان.. والقضية التي بحجم الوطن.

 

حاول أن تجرب هذه المفارقة: ابحث في فضاء Google عن «المسرح في عدن»! سيلبيك بسرعة جني سليمان عما كان وكيف كانت. صاحبنا غوغل بريء جدًا!! ثم التفت؛ شزرًا أو تحديقًا, إلى عدن الآن, ثم وثم حاول ألّا تقع. إنه حديث في الألم؛ غير أنه كما قيل: مَن لا يفقد صوابه (في واقع من هذا النوع) فليس لديه صواب. ولكن ماذا أكثر؟

 

اليقظة تبدأ من عدن تلك التي ضُربت في البدء وضُرب مشروعها وإرثها الحضاري, أُنهكت, ولا يزال تدميرها مستمرًا. عدن ليست عدن!! عدن بما تعنيه رمز المكان وأهميته وأيقونة المعرفة تعاني من الكل (حتى من بعض أبنائها بكل أسف) من الإفراط والتفريط كـ«جوهرة بيد فحّام».

 

سألتُ أصدقاء لي: كيف تقرأ المستقبل؟ أجاب جمال: «ما فيش غير الصوملة»! وقال علاء: «إنني كمن يركض بين هل وهل»! وأعجبتني هذه الـ«هل وهل» من موسيقاها وأرجاء التضاد. وغاير عبادي: «ايه عندي أمل».

 

تمضي الصباح مبتسمًا: «يا للسعادة ليت هذا الشتاء يطول.. لا بد والنصف الجنوبي من الكوكب قد أثلج هذه المرة أنَّ أيام السنة ستكون باللطف والإفعام ذاتهما»!!. فجأة, يرن هاتفك ورسالة للتو: مقتل فلان الفلاني في انفجار سيارة/ برصاص مجهول. حريق هنا. مأساة هناك. الأمن يقتل طفلًا. الجيش يدك مجلس عزاء. الطيران الحربي يحلق. الدرونز تتفسح. وماذا أيضًا؟

 

يقول هيجل: «كل ما هو واقعي فهو عقلي وكل ما هو عقلي فهو واقعي», ويعني: «أن كل ما يمكن تصوره عقليًا هو بالتالي قابل لأن ينوجد واقعيًا, وأن كل ما ينوجد واقعيًا، هو بالتأكيد قابل للتفسير العقلي». (أمير خليل علي: cutt.us/H14e).

 

وهذا الواقع ليس إلا نتيجة تراكمات أعطت هذا الناتج, وإذا كانت عناصر المعادلة مختلة في الأساس فالنتيجة من جنس هذا الاختلال, ومع ذلك كله ثمة أمل, ولكن كيف؟

 

في نهاية الطريق لا بد من حل سياسي, مهما كان التعثر. وكم سيطول أمد الصراع/ التداعي/ الانهيار؟ هذا سؤال مهم, والكلفة - ولا بدّ من كلفة -  كبيرة من أجل مسار مختلف مستقبلًا. ولكن لا ننسى ما يجب أن يتزامن والحل السياسي وقبله وبعده.

 

يتحدث الباحث الاقتصادي «كيرك هاملتون» (في دراسة للبنك الدولي عام 2005) إن ثروات العالم الاقتصادية تنقسم إلى نوعين، الأول هو الثروات المحسوسة: بترول, معادن، بنى تحتية.. والثاني هو الرأسمال الإنساني: مهارات الأفراد وتأهيلهم العلمي ومستوى فاعلية النظام التعليمي في إنتاج كوادر وطنية ماهرة. يقول إن 80? من ثروات الدول الأكثر غنى في العالم هي ثروات تتعلق بمهارات الإنسان ومدى علمه وكفاءته وثقافته، وهي رهن فاعلية النظام التعليمي، وعلى العكس، فإن أي اقتصاد تسود فيه ثقافة الفساد ويعاني من تخلف مؤسساته التعليمية لا ينتج إلا الفقر والتخلف، مهما كانت ثرواته الطبيعية كبيرة ومتراكمة. (محمد السعدني: cutt.us/2elN)..

 

ويكفي أن ننظر إلى تعليمنا في المدرسة والجامعة, لنعرف أين يكمن الخلل الأكبر والأفجع. الأمر فيه تكامل وانعكاسات, غير أن التحرك من أجل المعرفة وبناء القدرات ذات أهمية فائقة, وبمقدور كثير من المفكرين والأكاديميين والمثقفين في مجالات الاختصاصات المختلفة أن يلعبوا الدور الذي يجب أن يحضر من أجل أن يتكامل التغيير؛ فالتغيير السياسي وحده لا يكفي ولا يستمر, وتاريخ هذا البلد, وكل بلد, يصرخ بملء فيه بهذه الحقيقة.

 

 

nashwanalothmani@hotmail.com

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص