آخر تحديث :الجمعة 19 ابريل 2024 - الساعة:14:27:11
الأشجار تموت واقفة
جلال عبده محسن

الجمعة 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

في عالم الطبيعة الحيوانية فأن الوحوش الكاسرة لا تقدم هذه الأنواع على القتل إلا للضرورة، إما للدفاع عن النفس أو الجماعة أو صغارها أو عن مكان الإقامة وان كانت من أكلة اللحوم، فإنها لا تقتل إلا لإشباع حاجتها من الطعام فحسب وليس أكثر من الحاجة الضرورية، بينما في العالم الإنساني والذي ميزه الخالق بعقله عن الحيوان، هناك من يتمتع بسمات الوحوش الكاسرة وقوانينها وتقوم بالتكشير عن انيابها لمجرد اختلاف في الرأي أو بسبب الاراء والمواقف او الاتجاهات السياسية، بينما شريعتنا الاسلامية ومنذ اكثر من 14 قرنا قائمة على تكريم الإنسان وتوفير أسباب العزة والكرامة والشرف له في قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" . والله جل جلاله هو الذي شرف الإنسان واختاره خليفة له في الأرض واسجد له الملائكة "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" "

 

 ولم يشهد التأريخ الإنساني من احترام للإنسان وعلو شأنه مثلما كان عليه الحال في تلك الحقبة من تأريخ الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان بعد ذلك.

 

 إلا إن الثورات العربية التي انتعشت مؤخرا في بعض الاقطار العربية قد كشفت لنا ذلك الوجه القبيح لبعض أنظمتها اثناء الثورة وقد كانت انظمتها قبلها توهم شعوبها بأنها تدافع عن حقوق الانسان وتحفظ دمائهم وأعراضهم،  ورأيناها ولازلنا كيف يتم استباحت قتل الأنفس وإراقة الدماء وان ذلك ووفق منهجهم كافيا لتبرير أفعالها الهوجاء أمام الرأي العام الخارجي قبل الداخلي لا لشيء سوى للحفاظ على كرسي السلطة والاستماتة في ذلك حتى الرمق الأخير.

 

وكون اليمن احدى هذه الدول الا ان مسلسل الاغتيالات كان منذ وقت مبكر وتحديدا من بعد الوحدة مباشرة وقد بدى المشهد ضعيفا ومفككا، حيث بدأت قوى الشر حربها القذرة لمسلسل الاغتيالات والتصفيات لبعض الشخصيات والكوادر المدنية والعسكرية لاعضاء الحزب الاشتراكي وكوادره وقياداته والتي اودت بحياة ما يقرب من مائة وخمسين شهيدا، وعلى الرغم من تعالي الاصوات المنددة بذلك وحالة الشجب والاستنكار لتلك الجرائم الا ان تعامل السلطة حينها ازاء ذلك كان مخيبا للامال والذي لا يتعدى حدود الألفاظ التي تتلفظ بها ولم تقم وزنا لقيم الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية التي طالما تحدثوا عنها في ظل تسويف ومماطلة ازاء تلك الارواح والدماء ولم تستطع ان تضبط لنا ولو حالة واحدة لاحالتها الى القضاء.

 

واليوم ومع اختلاط الحابل بالنابل وفي ظل حالة الانفلات الامني والتي عجزت عن مواجهة ذلك العنف والارهاب،  وهي مسئولة الحكومة والسلطة في الاول والاخير في توفير الامن والاستقرار وحماية ارواح الناس وممتلكاتهم، لا يزال مسلسل الاغتيالات جاري حتى اللحظة دون خجل أو خوف من الله سبحانه وتعالى مستغلة في ذلك ضعف الدولة وقبضتها الامنية المتراخية، والحادثة الاليمة والمروعة والتي جرى تنفيدها جهارا نهارا لضابط الامن السياسي مروان المقبلي هي  اولى حلقات المسلسل في العام الميلادي الجديد2014م، والتي هزت مشاعر الكثيرين من ابناء الحي ولكل من عرف ذلك الرجل وقد شهدت له تلك الحشود الغفيرة في تشييع جنازته .

 

 والضعفاء والفاشلون والمحبطون والجبناء ممن يشعرون بخيبة الامل والاحباط هم من تضيق صدورهم بالاخرين وللتخلص من حالة النقص التي لديهم فأنهم يدأبون بالتربص بالاخرين وينصبون لهم الكمائن ويستبيحون دمائهم وبطريقة بربرية ووحشية، ولانهم كذلك فأنهم يلوذون بالفرار، اما من يقع عليهم القتل هم لاشك الاقوياء وقد ابوا ان يكونوا الا كالاشجار تموت واقفة ضاربة بجذورها في اعماق الارض، وعزائنا هنا لابنه محمد واهمس في اذنيه واقول له ما قاله الشاعر: ( للثعابين جحور، للعصافير فنن اه للميت كفن ولكل الناس في الارض وطن) .

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص