آخر تحديث :الجمعة 22 نوفمبر 2024 - الساعة:15:30:50
منصة الجنوب .. والخطاب المطلوب
د. عبيد البري

الجمعة 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

 

من الصعب أن يقال بأن هذا القيادي في الحراك جاء عبر الميدان وذاك جاء عبر المنصة ، لأن لكل ميدان منصة ، ومن يحضر الميدان يستطيع أيضاً صعود المنصة ومسك الميكرفون . والملاحظ أيضاً أنه من الصعب أن يتضمن أي خطاب أكثر من العبارات المكررة التالية:

المبادرة الخليجية لا تعنينا .. الرفض القاطع لمخرجات الحوار .. النضال السلمي .. الاحتلال المتخلف .. التحرير والاستقلال واستعادة الدولة .. وحدة الصف الجنوبي .. الهوية الجنوبية .. التصالح والتسامح .. العصيان المدني الشامل .. رفض التخوين والإقصاء .. نبذ الخلافات الهامشية .. التحية لصمود الأبطال في الساحات .. إدانة جرائم الاحتلال .. المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم الأسير المرقشي.

لقد استوعبت الجماهير كل تلك العبارات ولم تعد تستسيغ تكرارها . ولكن ، هل هذا هو السبب الذي جعل الجماهير تفضّل أن تمتنع القيادات من اعتلاء المنصة لإلقاء خُطب في مناسبات وطنية ؟! .. كلا ، ليس هذا فقط ، بل لقد أصبح الشعب الجنوبي حذراً جداً من استخدام المنصة لإثارة أي نوع من أسباب التناقض أو الانشقاق في قيادات الحراك ، التي باتت ظاهرة لا تستند إلى خلفية فكرية واضحة .. حيث أن الفكر الثوري لم يتضح بعد – لدى البعض منها - على شكل ممارسة عملية أو في أدبياتها ، الأمر الذي جعل الجماهير لا ترى في أي مكون ما يستحق الاهتمام أو الركون عليه.

ولا غرابة في أن نلاحظ تأثير الخطاب السياسي وتأثره في ما يعتمل في ميادين النشاط للحراك السلمي الجنوبي . فمثلما كان للخطاب الموحد في الحراك  تأثير إيجابي على الجماهير في السنوات الماضية  أصبحت اللغة تمثل مرآة عاكسة للتباعد والاختلاف بين قيادات الحراك خلال المرحلة الأخيرة من الثورة الجنوبية وتعبر بصورة أخرى عن إساءة للذات . والخطاب السياسي لا ينحصر في اللغة المستخدمة في الخُطب الملقاة والشعارات واللافتات والهتافات والأناشيد فقط ، بل يُعبَّر عنه أيضاً بالصور المرفوعة أو المنشورة ، وبالرايات والموسيقى والملبوسات في أثناء التجمعات والتظاهرات والمهرجانات.

وبصرف النظر عن استخدام اللغة كـ "نيران صديقة" في ميادين الحراك ، فقد اتخذت بعض التيارات والفعاليات لنفسها أسماءً في محاولة لمصادرة حقوق ووجود الآخرين في الثورة الجنوبية ، فمثلاً : يوحي اسم "المجلس الأعلى للثورة السلمية" بأن هذا المجلس هو القيادة الوحيدة أو أن هناك مجالس أدنى للثورة . وكذلك يوحي اسم "المجلس الوطني الأعلى للحراك السلمي" بأن هناك مجالس بترتيب أدنى في الحراك . أما اسم "مؤتمر شعب الجنوب" فيوحي أنه المؤتمر الوحيد الذي يمثـل كل الشعب الجنوبي داخلياً وخارجياً . وفي عدن هناك أيضاً حركة للشباب أسمت نفسها بـ "ثورة 16 فبراير" توحي بأن للجنوب ثورتين في آن واحد.

وعلى الجانب الآخر تستغل سلطات الاحتلال بعضا من الصفات المستخدمة في الخطاب السياسي الجنوبي لمقارنتها في الواقع ، فتشير مثلاً إلى : أن "الرئيس الشرعي" ليس - في الواقع - إلا رئيساً لتيار مستحدث في الحراك تابعاً له .. وأن "الزعيم" ليس إلا زعيماً لأحد التيارات المعروفة . وتستغل السلطة أيضاً وصف قضية الجنوب بأنها ليست إلا "قضية جنوبية" مثلها في ذلك مثل القضية التهامية أو صعدة أو مأرب أو غيرها من القضايا المصطنعة لخلط الأوراق . كما تستغل السلطة رفع صورة أحد القادة بحجم أكبر وعدد أكثر للإيحاء بأن أحدهم أكثر شعبية من الآخر.

ومن أجل خطاب عقلاني موضوعي وهادف فإن الحراك الثوري الشعبي الجنوبي بحاجة ملحِّة إلى حاضن موحد سياسياً وتنظيمياً  يترجم الفكر الثوري بالاستناد إلى رؤية سياسية جنوبية تعكس الواقع وتحدد كيفية الانتقال إلى المستقبل الذي يتطلع إليه هذا الشعب الثائر وما الذي يريده في مستقبله ؛ وهذا ما يجب أن يتضمنه خطاب مكونات الحراك  في الدعوة إلى حوارات إيجابية بغرض التهيئة لوحدة قيادة الثورة والرؤية السياسية من خلال المؤتمر الجنوبي الجامع لقوى الثورة السلمية الجنوبية الذي بدأت اللجنة التحضيرية بالإعداد له منذ أول اجتماعات المكلا في 21 سبتمبر الماضي.

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص