آخر تحديث :الاثنين 20 مايو 2024 - الساعة:10:54:17
أبطَال الأراضي
نبيل سبيع

الاثنين 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

في معظم بلدان العالم، يتدرج القادة العسكريون والأمنيون في الرتب والمواقع داخل مؤسستي الجيش والأمن، ويتم تكريمهم بالنياشين والأوسمة بحسب مؤهلاتهم ومهاراتهم القيادية وأدوارهم البطولية في حروب الدفاع عن أوطانهم أمام الأعداء الخارجيين وإرساء سيادة دولة القانون داخل بلدانهم. لكن سلم التدرج والتكريم العسكري والأمني في اليمن يبدو مقلوباً رأساً على عقب.

فالقادة العسكريون والأمنيون اليمنيون يتدرجون في الرتب والمواقع، ويتم تكريمهم بالنياشين والأوسمة كما يبدو بحسب مؤهلاتهم ومهاراتهم وأدوارهم البطولية في بيع أراضي وسيادة اليمن لدول الجوار، ونهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة لصالحهم الخاص، وانتهاك سيادة دولة القانون، وهذا ما تؤكده بعض تفاصيل تقرير النهب المثير للجدل الذي كشف الدكتور صالح باصرة عن بعض تفاصيله، أمس الأول. التقرير، الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق الرئاسية في الجنوب بعد انطلاق الاحتجاجات الجنوبية قبل عدة أعوام، وظل طي الكتمان حتى كشف باصرة أخيرا عن بعض تفاصيله، يسلط الضوء على مجموعة من الأبطال العسكريين والأمنيين والمدنيين الاستثائيين الذين رزقت بهم اليمن، بقدر ما يسلط الضوء على الأسباب التي استحقوا عليها ألقابهم ومكاناتهم الرفيعة على قمة هرم الدولة الوطنية اليمنية.

كلما كنت أرى النياشين تغطي صدر الرئيس السابق علي عبدالله صالح الأحمر، وصدر صنوه التاريخي اللواء علي محسن الأحمر مثلا، كنت أتساءل: ما الذي فعله هذان القائدان لليمن حتى بلغا هذه الرتبة، وحازا هذه النياشين. إنهما لا يتمتعان بالمؤهلات التعليمية والعسكرية التي تؤهلهما للمواقع التي احتلاها أو ما زالا يحتلانها، ولم يخوضا حربا وطنية للدفاع عن سيادة وأرض اليمن، ولا بنيا دولة محترمة تتمتع بجيش وطني قوي ومؤسسات حقيقية. فما هي إنجازاتهما الوطنية التي قدماها لهذا البلد، واستحقا عليها التحول في عيون أنصارهما إلى رموز وطنية يا ترى؟

حاولوا أن تجدوا نقطة واحدة مشرفة في السجل الوطني لعلي صالح أو علي محسن، ومن على شاكلتهما من أبطال العقود الـ4 الأخيرة من تاريخ اليمن، أو حتى ذرة بطولة وطنية واحدة يستحقان عليه الحصول على رتبة ملازم ثانٍ، ناهيكم عما بلغاه. فعلى العكس تماما، لم يمتلك هذان الأميان أي تعليم أو مؤهلات، وليت الأمر اقتصر على هذا، حيث تركزت أدوارهما "البطولية" على شن الحروب الأهلية ضد اليمن وأبنائه، وتمزيق هذا البلد وتدمير هويته، وإجهاض كل مشاريعه الوطنية التاريخية، ومرغا أنفه وأنوف أبنائه في الإهانة والوحل. فهل يشكل هذا النوع الحقير من "الإنجازات" اللاوطنية معيار استحقاقهم الرمزي والعملي كأبطال "وطنيين" يمنيين؟

الوطنية في اليمن مقلوبة رأساً على عقب، لذا تجد أن أبرز رموز العمالة والخيانة الوطنية في التاريخ السياسي اليمني، بل وفي التاريخ السياسي العالمي برمته، يتحدثون بوصفهم رموزا وطنية لا يشق لهم غبار، ويتهمون سواهم بالعمالة. هل سمعتم يوما عن رئيس دولة مستقلة يتقاضى راتبا شهريا من دولة أجنبية، كما يفعل صالح منذ أكثر من 35 عاما؟! هل سمعتم بقائد عسكري كبير مثل علي محسن الذي كان يعد الرجل الثاني في نظام صالح، وأحيانا يلعب دور الرجل الأول -كما اعترف بلسانه- يتقاضى راتبا شهريا من وزارة دفاع دولة أجنبية؟! هل سمعتم برئيس برلمان يتقاضى راتبا شهريا من دولة أجنبية، كما كان يفعل الشيخ الراحل عبدالله حسين الأحمر "رحمه الله"؟!

حين أنظر إلى رتبة ونياشين علي صالح وعلي محسن، وغيرهما من قادة اليمن العسكريين وغير العسكريين كالشيخ الأحمر، أتذكر أكثر من 400 ألف كيلومتر مربع من الأرض اليمنية التاريخية التي باعوها للسعودية، فضلا عن الأراضي التي باعوها لسلطنة عُمان. إنهم أبطال الأراضي التاريخيون في اليمن، الذين استحقوا صفتهم هذه من الاتجار بالخريطة والسيادة الوطنية، لكنهم استحقوها أيضا من السطو على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة داخل البلد.

ومثل الوطنية، يبدو سلم التدرج العسكري والأمني داخل مؤسستي الجيش والأمن اليمنيتين مقلوبا رأساً على عقب أيضاً. وأنا ألقي نظرة على قائمة أسماء ناهبي الأراضي المنشورة في تقرير باصرة، بدا لي كما لو أن مؤسستي الجيش والأمن تعتمدان في منح الرتب والأوسمة لمنتسبيها معايير على غرار التالي:

لكي ترتقي مثلا من رتبة رقيب أول إلى مساعد ثانٍ فمساعد أول، عليك أن تساعد ضابطا في نهب أرضية. ولكي ترتقي من مساعد أول إلى ملازم ثانٍ، عليك أن تنهب أرضية بحيث تصبح النجمة رمزاً لأرضية منهوبة، ويتزايد عددها على كتفك بحسب عدد الأراضي أو البيوت التي قمت بنهبها. ويأتي الانتقال من رتبة النقيب (3 نجمات) إلى رتبة الرائد (الطير) بناء على انتقال نوعي في المساحات ونوع العقارات المنهوبة؛ كأن تنهب قطعة أرض بمساحة 50 لبنة، أو جبلاً كاملاً. أما حين تسطو على منتزه ومبانٍ حكومية وعدد من الأراضي، كما فعل مدير أمن عدن الأسبق محمد صالح طريق، الذي نهب منتزه رامبو، ومبنى هيئة النفط، فضلا عن عدد من الأراضي، فإنك حينها تستحق رتبة عميد ركن.

رتبة الأركان طبعا لها معايير صارمة؛ حيث تمنح بحسب مواقع الأراضي والعقارات المنهوبة: على أركان الشوارع مثلا. وليس العميد الركن محمد طريق بطل الأراضي الوحيد الذي نال رتبته هذه عن جدارة، بل هناك الكثير الذين أثبتوا استحقاقهم وجدارتهم بالرتب والنياشين التي تزين أكتافهم وصدورهم. غير أن طريق بدا لي بطلا يستحق الإعجاب، إنه شجاع ومقدام للغاية. والشجاعة والإقدام في التقييم العسكري تعبر عن نفسها من خلال مساحة وطبيعة العقار المنهوب. خذوا مثلا خالد طريق الذي أقدم على نهب ملعب الشيخ الدويل (الشيخ عثمان القديم)، ملعب كرة قدم بحاله! ألا يعتبر الرجل مقداما؟!

رئيس جهاز الأمن السياسي غالب القمش، هو الآخر، قدم لنا مثالا قويا على الشجاعة والإقدام والبطولة الأمنية الوطنية: لقد أقدم على نهب نادي الشرطة، ومقر جمعية الصداقة اليمنية السوفيتية، وربما عقارات أخرى لم تذكر، مثبتا بهذا ليس جدارته الأمنية، وإنما الدبلوماسية. ولا يضاهي القمش في جدارته الدبلوماسية، سوى قائد المنطقة الشرقية محمد علي محسن، الذي كان مبنى السفارة السعودية سابقا بين ما أقدم على نهبه. بطل الأراضي والمباني هذا لا يضاهيه في صولاته وجولاته في نهب الأراضي والعقارات، سوى قائد المنطقة الجنوبية السابق مهدي مقولة، الذي يعد من ألمع نجوم النهب في البلاد والمنطقة والعالم، والذي لا يبزه في شهرته هذه سوى اللواء الركن علي محسن الأحمر.

على الجانب الأيمن من صدر اللواء الأحمر، تقرؤون على لوحة معدنية: "Yemen Army". لا أدري كلما جئت أقرأ هذه العبارة، وجدتني أقرأها خطأ: بدلا من "يمن آرمي"، أقرأها كل مرة "يمن أراضي"، فهل هذا خطأ غير مقصود في نطق العبارة الإنجليزية، أم أن قراءتي لها صحيحة ودقيقة، وأن الخطأ نفسه يكمن في بطل الأراضي العظيم، هذا الذي يأتي على رأس قائمة قادة النهب المخضرمين؟

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل