آخر تحديث :السبت 20 ابريل 2024 - الساعة:12:06:34
الخاسر الوحيد هو المواطن البسيط
عبدالله ناصر العولقي

السبت 31 ابريل 2021 - الساعة:17:46:09

لقد تراخت الهمم وتكاد أن تتوقف المحاولات المستمرة لتحرير بقية المناطق والمحافظات المحتلة من قِبل المليشيات الانقلابية الحوثية، لذا يرجح غالبية الناس بأن أمر حسم هذه الحرب العبثية لم يكن ذو بال ولا يمثل الغاية والهدف لتلك الأطراف المؤثرة في ساحة الحرب، وهم السلطة الشرعية وقيادة تحالف دعم الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهذا الحال ليس من اليوم بل قد مضت عليه سنوات عديدة من سنين الحرب. 

وكما يبدو أن كل الأطراف تسعى لبقاء جذوة هذه الحرب مشتعلة لسنوات أخرى عديدة، فالتحرير الكامل في الوقت الراهن ليس من مصلحة الجميع وكل طرف يقيس مصلحته في بقاء واستمرار هذه الحرب بمنظوره الخاص وحسب ميوله ومصالحه، وقد تختلف ثمار بقاء الحرب بالنسبة لكل طرف، ولكن من الواضح أن الكل مستفيد بطريقته الخاصة، والخاسر الوحيد هو المواطن البسيط. 

لذا جميع الأطراف مسلمة ومتفقة على بقاء الدوران البطيء لرحى هذه الحرب، وعلى استمرار تعاقب كرها وفرها، كما يتعاقب الليل والنهار، فنسمع اليوم عن تحرير هذه المنطقة، وبالغد نعلم إنها قد عادت إلى حضن العدو، وكذلك قد نسعد في هذا الأسبوع بمعرفة سقوط ذلك الموقع الهام بيد الجيش الوطني، ثم نصدم في الأسبوع التالي بخبر استعادة أو تسليم نفس الموقع للمليشيات الحوثية، فلا ريب أن المبررات سهلة وعديدة وجاهزة، فالحرب بينهما سجال، وطالما أن المصالح كبيرة، وثابته ثبوت الرواسي العالية، ولا يوجد خاسر بهذه المعارك أو الصفقات، سوى المواطن البسيط، فهو  الأسير وهو المعاق أو الجريح وهو الشهيد والخاسر الوحيد.

ولا شك أن تبعات هذه الحرب قاسية وآثارها السلبية موجعة، وتصب كلها على كاهل المواطن الذي يبدو أنه قد ألف على العيش تحت ظلالها القاتمة، وربما يكون لأهوالها المخيفة ومحنها الصعبة وصدماتها القاسية دور هام في اكتسابه مهارات جديدة في فن الصبر وفي صقل قدرات احتماله للمشاق وربما أيضا منحته قابلية التكيف مع الصدمات والانحسارات، كما أنها صنعت منه جندي يكافح وهو بعيد كل البعد عن مناطق التماس وساحات الحرب، ومع ذلك فكفاحه مستمر ويومي، لا تتخلله استراحة محارب ولا راحة جمود وترقب لشهور أو لسنين في ساحات وهمية للقتال، فهو يكافح بشكل مستمر في معركة البقاء من خلال تصديه ومقاومته لنار الغلاء، الذي تزداد حدّتها كل يوم بلا رحمة ولا خوف من رب السماء. 

ولم يقتصر كفاح المواطن فقط في الصبر على عذاب الغلاء، ولكن كفاحه يشمل جبهات أخرى عديدة، فهو يكافح بصبره على ضعف وتهالك الخدمات الضرورية، وعلى الأزمات المتواصلة في المشتقات النفطية وغيرها، ويكافح بلسانه أو ربما بقلبه وهو أضعف الايمان، في قضية تهاون السلطة المزدوجة بشأن تعطيل عمل القضاء وغلق المحاكم، فمع هذا الإغلاق تضيع كثير من الحقوق وتتوقف العديد من المصالح، ويضطرب أمن المجتمع وتتسع رقعة الفساد. 

كما يستقبل المواطن بنفسه الضيق سهام السلطة الحارقة الموجههة على بعض رواتبه، حين توقف صرفها، مع علمها بأن ذلك الراتب لا يُحسب راتب، بعد أن هبطت قيمته الفعلية إلى الهاوية، فهو يكتسي بحجم مزيف لقيمته السابقة، وهو مفرغ من الداخل، فذلك الحجم ليس حجمه الحقيقي فهو مجرد حجم هلامي لا يساوي إلا جزء بسيط من قيمته وحجمه السابق، وهو اليوم لا يسد حاجة المواطن المعيشية لمدة أسبوع واحد، بعد الانهيار المستمر والكارثي لقيمة العملة المحلية. 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص