- أسعار الذهب اليوم السبت 23-11-2024 في اليمن
- درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت في الجنوب واليمن
- تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الجمعة بالعاصمة عدن
- د . عبدالجليل شايف: مشروع الوحدة اليمنية انتهى والجنوب ليس قضيته استعادة الدولة الجنوبية فقط
- استمرار الأعمال الإنشائية لمدرسة النقوب في نصاب بتمويل إماراتي
- الرئيس الزُبيدي يُعزَّي في وفاة المناضل حداد باسباع
- قيادة اللواء الثاني دعم واسناد تنفي اشاعات انسحاب اللواء من وادي عومران
- أبرز اللقاءات والتحركات الدبلوماسية للرئيس القائد عيدروس الزٌبيدي مع سفراء دول العالم
- وزير الدفاع يترأس اجتماعاً موسعاً بساحل حضرموت ويشيد بالإنجازات العسكرية
- وفد الوزارة يتفقد عدد من المشاريع المدارسية في مديرية خنفر بمحافظة أبين
السبت 19 نوفمبر 2020 - الساعة:20:03:08
ماذا يريد هؤلاء الكهول ذوي الوجوه الغبراء والشعر الأبيض من اعتصامهم المتواصل أمام مقر قوات التحالف العربي؟؟ سألني صديقي الإصلاحي الذي لا يعرف من تاريخ الجنوب إلا ما بعد 1994م، وكان يعني بالكهول الضباط والجنود العسكريين والأمنيين الجنوبيين الذين أكملوا ما يقارب خمسين يوماً على بدء اعتصامهم للمطالبة بحقوقهم المصادرة من قبل شرعيات ما بعد 1994م وما بعد 2015م.
قلت له هل سمعت بمطالبهم التي عرضوها على الملا منذ بدء اعتصامهم؟ وهل تابعت المؤتمر الصحفي الذي عرضوا فيه تلك المطالب وعبروا فيه عن تمسكهم بها وعدم استعدادهم للتخلي عنها؟ وهل سمعتهم وهم يكررون أنهم متمسكون بالوسائل السلمية للنضال من أجل تحقيق تلك المطالب؟
يعتبر الكثيرون أن مشكلة العسكريين الجنوبيين جزءً من مشكلة الموظفين الحكوميين الجنوبيين الذين لم يتقاضوا مرتباتهم لشهور متواصلة وإنها جزء من حرب التجويع وحرب الخدمات التي تخوضها السلطات (الشرعية) ضد الشعب الجنوبي عقابا له على تمسكه برفض وحدة 1994م والمطالبة باستعادة دولة الجنوب بحدود ما قبل 21 مايو 1990م.
الحقيقة أن جزءً من هذا الكلام لا يخلو من الصحة، فالمطالبة بالمستحقات الشهرية للموظفين الحكوميين مدنيين كانوا أو عسكريين هي حق مشروع بعد أن أصبح صرف المرتبات بعد عدة أشهر خبراً عاجلا تتناقله الوسائل الإعلامية والمواقع الصحفية والإلكترونية والقنوات التلفيزيونية مثل أي حدث استثنائي لا يحصل إلا كل بضعة سنوات.
غير إن ما يميز مطالب المستبعدين العسكريين والأمنيين هو أن عقابهم يمتد لقرابة ثلاثة عقود خلت بعد أن جرى اجتياح الجنوب وتدمير كياناته وجعل دولته وكل مؤسساتها جزء من التاريخ المغشوش والمزيف الذي صاغه المنتصرون سيئو النوايا والطوايا والكفاءات في الحرب الغاشمة على الجنوب العام 1994م.
ففي إطار عملية التدمير التي تعرض لها الكيان الجنوبي، كان جهازا الجيش والأمن أول وأهم الضحايا، حيث شُرِّد الآلاف ونُفِي الآلاف واعتقل المئات، ومن تبقى استبعد إجبارياً من الخدمة وعومل كل هؤلاء معاملة الأعداء، وتعرض للتضييق والملاحقة والتجويع عشرات الآلاف من الكوادر العسكرية والأمنية الجنوبية، مثلهم مثل كل كوادر الدولة الجنوبية (المهزومة) وأمثالهم الآلاف الذين لم يجدوا ما يطعمون به أبنائهم ويصرفون به على أسرهم. ومن أسعفه الحظ وخدمته الصدفة من الطيارين والمدفعيين والخبراء عاليي الكفاءة والجنود والضباط الآخرين من تحولوا إلى حمَّالين أو بائعي أقمشة أو خرسانة مسلحة في بلدان الجوار.
ومن نافلة القول أن الآلاف من هؤلاء يحملون الشهادات الأكاديمية العليا بما فيها الدكتوراه في التخصصات النادرة وبعضهم لم يكن حينها قد أمضى خمس أو ست سنوات في الخدمة، لكن كل هؤلاء (مغبرّي الوجوه ذوي الشعر الأبيض) كانوا ذات يوم يشكلون واحداً من أقوى الجيوش العربية وأكثرها انضباطا ووطنيةً وكفاءة ونقاءً وتحررا من الفساد والعبث والمحسوبية والاستعلاء.
نعم إن قضية هؤلاء هي جزء من قضية الموظفين الحكوميين المحرومين من مستحقاتهم المادية منذ أشهر وبعضهم منذ سنوات، وحتى أولائك ليست قضيتهم ببعيدة عن نتائج حرب اجتياح الجنوب، لكن قضية "مغبري الوجوه" تتصل اتصالا مباشرا بتدمير دولة الجنوب والقضاء على مؤسساتها، وحل قضية هؤلاء ذو بعدين:
البعد الأول آني وعاجل ويتمثل بتلبية طلباتهم القانونية المستحقة وصرف مرتباتهم وبقية المستحقات، بموجب القانون اليمني الذي طبقه المنتصرون في بلادهم وجيروه وتلاعبوا به عند التعامل مع ضحايا الحرب الجنوبيين.
والبعد الثاني استراتيجي ويرتبط بإزالة نتائج حربي 1994م و 2015م على الجنوب، وأول خطوة في عملية الإزالة هذه هي الإقرار بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم، وإعداد خطة عملية للجلوس على طاولة الحوار الثنائي الجنوبي-الشمالي لبحث عملية استعادة الدولتين، الجنوبية والشمالية والشروع في رسم أفق جديد للعلاقة بين الدولتين والشعبين الشقيقين الجارين بما يحفظ الأمن والسلام وعلاقات حسن الجوار ومحاربة الإرهاب وبناء الشراكات المتكافئة والنافعة للبلدين والشعبين الشقيقين.
أما إذا كان هناك من يراهن على اندثار جيل "مغبري الوجوه وذوي الاشعر الأبيض" فإنه يراهن على المحال، لأن بعد هؤلاء الآلاف الملايين من الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات الذين تلقنوا من آبائهم وأجدادهم أن للجنوب دولة كاملة السيادة كان لها صولاتها وجولاتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وجرى تدميرها عن طريق الغزو والاجتياح والاستباحة، وسيتعلم هؤلاء الأبناء والأحفاد (وقد تعلموا) أنهم شركاء في النضال من أجل استعادة دولة الأباء والأجداد، وأن ما لم يتحقق على أيدي جيل الآباء سيتحقق على أيدي الأبناء والأحفاد عاجلاً أو آجلاً.
وأخيرا:
سيعاني الأشقاء في دول التحالف العربي الكثير من المتاعب إذا ما ظلوا يراهنون على ما يقوله لهم تجار الحروب ومحترفو الهزائم وصانعو الخيبات، عن أن شعب الجنوب سينسى دولته ويفقد ذاكرته التي يختزن فيها تاريخ هذه الدولة وأمجاد الأجداد والآباء، وأقصر الطرق لتخفيف تلك المعاناة هو الذهاب باتجاه حل القضية عن طريق العودة إلى نظام الدولتين بلا حروب ولا نزاعات ولا ضغائن ولا مكائد ولا وصايات ولا إملاءات من أحدٍ على أحد.
ولله عاقبة الأمور