آخر تحديث :الاربعاء 29 يناير 2025 - الساعة:00:59:40
أبواق مكسورة
ماهر العبادي

الثلاثاء 12 يناير 2020 - الساعة:19:45:42

كم هي قاتلة بل ومدمرة للمجتمعات تلك الأبواق التي تعمل تحت تأثير المنشطات ولذلك أكتب كي لا نصاب في مقتل! البوق يا أعزائي كما تعرفون أداة مجوفة ينفخ فيها فتصدر صوتا وهي في وظيفتها تشبه المزامير لكنها تطورت في عصرنا الحديث وصارت لها أشكال وأصوات ونغمات مختلفة.

لكنكم لا تعلمون أن هناك أبواقاً بشرية تستطيع شرائها في أي مكان، وبأسعار مختلفة حسب نوعية المعدن الذي تشكلت منه. سبحان الله وفي الحقيقة توجد أبواق عالية الجودة وغالية الثمن لأنها قديمة ولها إسمها وثقلها في الأسواق كلما كانت قديمة ومستخدمة كلما علا ثمنها وغلا  وهناك أبواق قديمة لكنها متوسطة القيمة وتوجد كذلك أبواق مصنعة حديثا وملمعة لمعاناً براقاً بواسطة إعلانات ضخمة في الواتس والفيس وكلها في مجملها أبواق للبيع والشراء وأحياناً للإيجار حسب الحاجة، شعارها الدائم: (من يبايعني بفكري وكرامتي؟ أنا بياع).

بعض منها صار إسمها ملئ السمع والبصر وبعضها يقف في منتصف الطريق والبعض الآخر لا يزال في بداياته بالكاد خطى خطواته الأولى ونفخ معزوفاته المبتدئة نحو بريق المال الجذاب ولا عجب فالقرش يلعب بحمران العيون.

وكل ما ذكرته عن البوق ينطبق على القلم ولون الحبر الذي يجري في شرايينه ونوعيته.

لكن السؤال الكبير الذي أطرحه هنا لكل هذه الأبواق والأقلام: أتراكم تعرفون ما معنى الخز?ي والعار والكذب والغيبة والبهتان والنميمة وأكل السحت؟ يا ترى هل تظنون الناس غير قادرة على التمييز بينكم من ناحية القوة والجودة والقيمة؟ أم أن الناس برأيكم من الغباء بحيث لا يستطيعون التمييز بين الغث والسمين؟

وهناك سؤال كبير اخر أضعه عليك أيها القارئ الفطن: ما ظنك بكل هؤلاء الأبواق والأقلام؟ وكيف تنظر إليها؟؟ وهل هم محقون حين يستهونك بما يقدمون من معسوفات فنية وما يكتبون من مسرحيات هزلية؟!

الأبواق الموسيقية تؤدي معزوفات منسجمة متكاملة تجعل من الأذن أداة موسيقية تستعذب اللحن الجميل والمقطوعة العبقرية الرائعة فينتشي صاحب هذه الأذن ويطرب وتنداح أساريره بالسعادة والارتياح.

بينما الأبواق البشرية تجعل المستمع أو القارئ  يتضجر بل قد يتقيأ من نشاز أصواتها المزعجة، وكلماتها السمجة وسطحيتها الساذجة بينما الاقلام المتلونة تقدح خربشات وترسم لوحات ملطخة بغير ذات فكرة ولا نسق بين الألوان كيف لا وهي أبواق (ذات شرف مكسور) وأدوات ذات قلم مأجور فهل تنتظر منها ما يبعث في قلبك السرور أو يرفعك إلى سقف الحقيقة لتشاهد الأشياء على طبيعتها ومن غير رتوش؟!

كثيرة هي تلك الأبواق والأقلام مكسورة الشرف بل ما أكثرها عديمة الضمير والإنسانية تزين الباطل وترفع أهله وتناصب الحق العداء وتسفه أصحابه ترفع المكسور وتفتح المضموم وتكسر المنصوب وتسكِّن الحقيقة وتخرسها.

لا أدري أي حس يملكون، وأي شعور ينتابهم حين يشوهون الحقائق وودت لو أعلم أي نشوة تعتريهم حين يرون آثار الضوضاء التي أصدرتها أبواقهم والخراب الذي لحق بأوطانهم جراء قلبهم للحقائق بجريرة أقلامهم وكتاباتهم! ليتني أعرف نوعية الخمرة التي تسكرهم والحبة أو البودرة التي تحلق بهم فوق سحاب عقولهم المثقلة بالخزي والعار.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص