آخر تحديث :الاحد 06 اكتوبر 2024 - الساعة:15:49:08
صحافة الحرب والحاجة إلى السلام
يوسف الحجري

الاحد 00 اكتوبر 0000 - الساعة:00:00:00

قال الشاعر :

أرى خلل الرماد وميض نار ...

ويوشك أن يكون له ضرام ...

فإن النار بالعودين تذكى ...

وإن الحرب أولها كلام ...

وإن لم يطفها عقلاء قوم ...

يكون وقودها جثث وهام ...

إنها الحرب التي تحرق الأخضر واليابس ، وصدق الأقدمون حين أسموها " الكريهة " لمأساوية ما تخلفه الحرب من حصد للأرواح ودمار في البنى التحتية ، والقضاء على كل ما له علاقة بالحياة والإنسانية والقيم الفضلى والسامية ، وذلك ليس اليوم بل منذ نشوء الحياة الإنسانية على هذه الأرض .

 

صدق الأولون حين قالوا إن الحرب أولها شكوى وأوسطها نجوى وآخرها بلوى .. وما أحوجنا اليوم إلى أن نغير من استراتيجياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإرشادية لنتعامل مع الإحداث المتسارعة التي يعج بها كوكبنا " الأرض " وفي كل شبر منه بوعي وتفكير عميقين ، لا سيما وأن الحرب والعنف والفوضى قد انتشرت في معظم بقاع العالم كما تنتشر النار في الهشيم ،وبلادنا اليمن جزء لا يتجزأ من هذا العالم ، وكان للحرب الأخيرة التي أشتعل فتيلها في اليمن من أقصاه إلى أقصاه وتحديدا في شهر مارس من العام 2015م والتي عطلت كافة مناحي الحياة ،وألقت بظلالها السلبية على كل آفاق السلام وسبل الحلول الممكنة لتجاوز الآثار الكارثية التي أفرزتها هذه الحرب .

 ولكي لا أطيل الحديث في هذه العجالة يحضرني الآن تفكير عميق نتج عن تأمل زاوية معتمة لعلها تكون واحدة من أبرز الأسباب التي تؤجج اشتعال سعير الحرب الا وهي صحافة الحرب ووسائل الإعلام المختلفة من صحف وقنوات فضائية ومواقع إخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي والتي ملأت الدنيا ضجيجا وصخبا يسهم في إشعال فتيل الحرب وسعيرها الذي أتى على الأخضر واليابس وقضى على كل ما له صلة بالإنسانية والحياة الكريمة والعيش بأمن وأمان واستقرار وسلام لا سيما في ظل واقعنا المعاش الذي أصبحنا فيه متلقين سلبيين لكل ما تنفثه وسائل الإعلام المختلفة في ظل السيل الجارف لسموم تكنولوجيا العصر التي استخدمناها بأخذ الجوانب السلبية منها لا سيما وان العقل العربي ما زال مغيبا بل غائبا عن التعامل الإيجابي مع تكنولوجيا العصر .

 

نحن معشر الصحافيين اليمنيين ما زلنا في حاجة ماسة بل وضرورية للتدريب وأخذ جرعات شهرية وسنوية كي نستطيع أن نتغلب على ذواتنا المتقلبة وغير المستقرة في تعاملنا مع ما يدور من أحداث لأسوأ حرب تشهدنا بلادنا اليمن السعيدة قديما وحديثا .

 

كم نحن بحاجة إلى التشبع بمفاهيم ومعارف نظرية وتطبيقية لصحافة الحرب وحسن التعامل معها واكتساب خبرات مهنية لمواجهة جوانبها المظلمة وسلبياتها التي زادت من إشعال فتيلها وسعير أوارها الذي لم يترك سوى كثير من المآسي والويلات والآلام .

 

نحن بحاجة إلى الوقوف بقوة في وجه كل ما يؤجج إثارة الفتن وجحيم الصراعات وكوارث البارود وحمم قذائف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي تفتك بنا وبوطننا ومقدراته وبناه التحتية .

 

نحن معشر الصحفيين كم نحن في حاجة لنرتقي بخطابنا الإعلامي في زمن الحرب والدمار والقتل وتعطيل كل مناحي الحياة من لغة التعصب لأي طرف من أطراف الصراع ، ولنقف في وجه صحافة الحرب التي تصنع الإحداث وتزيد من سعير الحرب بالاتجاه نحو خطاب عقلاني ومتزن يتسم بالوسطية لا للتطرف وليكن معيارنا الذي نقيس عليه مواقفنا الإيجابية هذه هو الجانب الإنساني .

 

هذا الجانب الذي لم يلق الأضواء في صحافة الحرب التي تشهدها بلادنا حاليآ ومنذ نشوبها قبل اكثر من عامين ونصف العام .

والوسائل الاعلامية بدورها ونتيجة لأقصاء الطرف النشط في الازمة آنذاك للآخر قام بتدمير مقار العديد من القنوات المحلية والخارجية وسيطر مسلحوه المدنيون على مقرات صحف محلية , واعتقل كثير من الصحفيين وأدرج البعض منهم في سجون سرية لا احد يعلم عنهم حتى الآن فيما احيل بعضهم للمحاكمة.

وفي الايام التي تليها غيبت الكثير من الآراء والأصوات الحرة وسكتت الكثير من الأقلام خوفا من أي عبث قادم قد يصيبهم , وانقسم السياسيون الى طرفين متضادين وكانت الصحافة حاضرة بقوة وسلاح يشارك في الحرب , ليضرب كل طرف بالآخر , تعالت اصوات الحرب التي اضرت بكل فرد داخل هذا الوطن لم يسلم منها احد حتى الحيوان تضرر بفعل هذه الحرب العمياء .

 

طغت لغة الدمار وغابت الاصوات المنددة بالحرب المدمرة , وظهر صحفيون نافخون في الابواق لا يعرفون عن الصحافة شي سوى دق طبول الحرب والدمار ونشر اخبار الانتصارات المزعومة.

 

لا احد مستفيد مما تنفثه سموم صحافة الحرب ،ولا احد سيعود من هذه الحرب بخير سوى تجار الاسلحة واصحابها المستفيدين من الأموال المدنسة التي أزهقت الأرواح وقضت على الحرث والنسل وكل سبل التطلع للحياة الكريمة وللعدالة والحرية والمساواة والعيش في سلام . .

لا شك ان طرفي الازمة اليمنية كلا عمل له جهاز اعلامي حربي لنشر الانتصارات العظيمة المزعومة التي يقدمها هذا الاعلام الغائب عن آداب المهنة وسمو رسالتها الإنسانية .. هذا الإعلام الزائف والتابع لهذا الطرف أو ذاك والذي أهمل القيم الإنسانية النبيلة باعتبار ان الإنسان هو أغلى رأسمال .. وتبا للإعلام المبتذل الذي يشعل أوار الحرب ويقف سلبيا في تعامله مع السلم والسلام , لتحضر معه لغة الدمار والفناء والخراب .

 

بالفعل ما يحدث في واقعنا يندى له الجبين فكل إعلامي لا يجرؤ أن يتكلم او ينتقد الأخطاء التي يرتكبها الطرف الذي ينتمي اليه وربما يغض نظره عنها ولا يبالي بأخلاقيات العمل الصحفي , وهذا النوع كان الأبرز والسائد في سياق مواقف الإعلام من ما أفرزته الحرب السياسية التي تشهدنا بلادنا حاليا والتي مزجت بنوع من الطائفية والمناطقية .

كل الأطراف في الصراع اليمني ارتكبت جرائم إنسانية بحق المواطنين المدنيين والعزل من السلاح  , وبعضها قتل وبعضها نهب وشرد , لا خوف لا رحمة لا نظرة اعتبارية للجوانب الإنسانية في أبجديات هذا  الإعلام الزائف والمهترئ .

 

ومن الأشياء الكارثية في الأزمة ان الطرفين استخدما أطفالا واشخاصا يعانون من العوز المالي  كوقود للحرب واستغلال حاجتهم للمال في ظل أزمة أحرمت الناس من أعمالهم.

 

وكذلك الشحن الطائفي والمناطقي الذي عملت على تغذيته صحافة الحرب قد لعب دورا سلبيا في أزمة طويلة المدى وقودها الضعفاء من الناس .

 

نحن بحاجة ماسة الى وضع لغة التقارب بين الفرقاء من اجل لملمة ما تبقى من جسد بلادنا الذي انهكته الحروب العبثية والتي كنا بغنا عنها , لا شيء يلملم جروحها سوى الكلمة المعقولة الطيبة والنظر بعين المسؤولية من اجل السلام لبلادنا , كوننا –الأعلاميين- مسؤولون امام الله وامام الشعب وامام الاجيال التي تلينا , لا بد ان نصنع محتوى اعلامي معتدل يناسب الازمة  ناقلا القضايا الانسانية التي خلفها الحرب , ومن اجل السلام الذي تنشده بلادنا نحن, جزء من هذه الازمة وعلينا ان نتعامل بمسؤولية كبيرة.

 

ونحن بصدد تكوين شبكة يمنية لصحافة السلام , لعمل شيء مغاير لما يتناوله إعلام اليوم , ولا شيء مستحيل وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة....

والله من وراء القصد .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص