آخر تحديث :الاحد 20 اكتوبر 2024 - الساعة:00:45:23
وحدة الضيم والإلحاق
بسام فاضل

السبت 00 اكتوبر 0000 - الساعة:00:00:00


أثار استغرابي تصريح اللواء المقدشي عن الوحدة اليمنية ومحاولته تمزيق عُرى حقيقتها وتجييرها خدمة للأغراض التي تحدّثنا عنها ولازلنا نتحدث عنها ,عن حقيقة الترويج للوحدة لاستعباد شعب الجنوب وإظهاره كتابع ذليل للشمال اليمني وقوى النفوذ اليمنية التي تحكمه .
ليس ما أبهرني ولفت نظري حِميته المفرطة في الدفاع عن الوحدة في ظل عجز الشمال عن الخروج من كم القبيلة ودياجير المصلحة ، وعجزهم عن استلهام الدروس والعبر من الماضي الذي فيما يبدو أنه يتوالد توالد عجيب ليكرر سمفونيات الملكية والجمهورية وعصيرهما السام الذي قضى على بصيص الأمل في كيان يمني وطني يشعر العرب بالتآخي معه وصدقه .
وهذا ما قضَّ مضجعي وكشف عن حقيقة الوحدة وطبقة الشمال وعقليتها القبليّة ، إذ أنكر هويته القومية العربية ليظهر البُعد الوحدوي الذي فُصّل على مقاس ضيق حسب التوجه اليمني الذي يصنف الشمال كقطعة أرض تابعة له ليس إلا ,فاصلاً الجسد اليمني عن العروبة ، مبتعداً به عن هدف القومية العربية التي لأجلها فعلاً قامت الوحدة بين الشطرين ، على أساسها لا على أساس القومية اليمنية الغائبة سوى في نطاق ضيق من الشمال .
هذه القومية اليمنية التي يدعيها اللواء المقدشي ما كان لها أن تلتهم الجنوب لولا مبادئ وأهداف ثورة أكتوبر التي ألحقت الجنوب تحت تسمية اليمن الجنوبي وفقاً لمبدأ القومية العربية التي لأجله قامت ثورة أكتوبر بقيادة الجبهة القومية التي أرست أهدافها حركة القوميين العرب وقادت شعلة توهجها الى الانتصار المحقق .

وللعلم فإن حركة القوميين العرب التي قادت الثورة برموزها التي رأت أن مصلحة الشعبيين في وحدة سياسية على أساس القومية العربية وليست قومية يمنية  ترسم ملامحها المستقبلية عقب تتويج الثورة بالانتصار وهي معروفة كحركة عربية أُسس فرعها بالجنوب عام 61م في عدن ، وإن كان تواجدها منذ بداية الخمسينات  وامتد فكرها إلى الشمال بانضمام حركة الأحرار التنويرية اليها والتي لم يقدر لها أن تأسس فرعها للانقلابات المتتالية على نفسها و الناجمة عن  اختراق القوى المناهضة لمشروع ثورة سبتمبر.
وخاضت في الجنوب نزاع سياسي  صرف مع قوى راديكالية وليبرالية لتثبيت رويتها السياسية في حسم أمر الجنوب الحر لصالح الجنوب اليمني وتأجيل مسألة الوحدة الفورية إلى ما بعد الاستقلال لتتضح الرؤية السياسية لشمال الوطن آنذاك وترك الفرصة للأحرار كي يوجدوا التقارب المعبر عن الوحدة .
وقد أدى هذا التأخير إلى خلاف حاد حول مسألة الوحدة الفورية عقب الاستقلال مع جبهة التحرير ، وهو نفس الخلاف الذي أدى إلى تأسيسها ككيان مستقل بعد أن كانت في إطار جبهة واحدة حملت اسم الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل .
وهذه جبهة التحرير ارتبطت بقوة ترابط مع عدد من الضباط الأحرار في اليمن الشمالي ومصر،  والتي كانت ترى في التحام الثورتين والوحدة الفورية كما كان خلاف الجبهة القومية بقيادة حركة القوميين العرب مع القوى التي ترى حسم الأمر لصالح الجنوب العربي   .
وإذا كان العرب بعيدين عن مستقبل اليمن آنذاك ، فلماذا أكّد جمال عبدالناصر هذه المسألة أثناء زيارته إلى تعز وأنذر بريطانيا بالرحيل عن الجنوب إذا لم يكن عربياً قائلاً على بريطانيا" أن تأخذ عصاها وترحل" والجيش العربي الذي وصل قوامه إلى سبعين ألف قتل منهم عشرون ألف في اليمن الشمالي  .
كانت قيادات الجنوب ومثقفوه يدركون أن هذه الوحدة تأتي وتطلعهم لوحدة عربية شاملة مرتكزة والمبادئ التي ناضلوا لأجلها وارتباطهم مع التوجه العربي الذي رعى ثورة أكتوبر ومدّها بمقومات التواصل والاستمرار ويظهر هذا الصدق في توجّه الجنوب في نجاح الثورة كما يظهر سبب وجيه من أسباب تعثر مشروع ثورة سبتمبر الذي سيطرت عليه قوى النفوذ القبلي ونزعته عن وطنتيته وقوميته وهويته وجيرته تجييراً نفعيا مازوماً لاشك أن نتائجه ترتب عليها فناء الوحدة نهائيا وظهور الصراعات القبلية والدينية المذهبية ودكّ بنية الدولة المدنية وقتل وتشريد للمتنورين اليمنيين .
ما كان التوجه الجنوبي ولا الفكري والسياسي والعسكري للجنوب وحركة القوميين العرب يرتبط أدنى ارتباط بالحراك المذهبي والتوجه الطائفي والخلاف الأيديولوجي الديني الذي ظهر بقوة في الشمال , بل كان توجه تحررياً وطنياً خالص العروبة يصبّ في مصلحة الشعبين والأمة العربية والاسلامية .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل