آخر تحديث :الجمعة 13 سبتمبر 2024 - الساعة:02:05:42
آخر الأخبار
المجتمع الجنوبي ليس حاضنا للعنصريّة والتمييز بين المواطنين
د. محمد علي السقاف

الجمعة 00 سبتمبر 0000 - الساعة:00:00:00


لا تزال الحملة المسعورة ضد قرار ترحيل الإخوة الشماليين من عدن الذين لا يحملون بطاقات شخصية علي أشدها ، بل تزداد وتيرتها كل يوم بهدف إظهار الجنوبيين أنهم مجتمع عنصري ، بينما الحقيقة الشماليون هم العنصريون ويغلب مجتمعهم غياب المساواة بين المواطنين.
قبل سنوات قليلة الجميع يتذكر تصريحات القيادي في حزب الإصلاح الشيخ / حميد الأحمر في مقابلته الصحفية مع رئيس تحرير صحيفة ( الوسط ) اليمنية حين وصف  أبناء عدن أن غالبيتهم أصولهم هنديّة وصوماليّة ؟ ليعتذر لاحقاً عن ذلك.
وفي نقاشٍ حادٍ جرى بيني وبين الأخ السفير عبد الله الصايدي في برنامج "ساعة حرة" في الفضائية الأمريكية ( الحرة ) حين انتقد موقفي المطالب بفك الارتباط مع اليمن بقوله : "هل نسيت يا دكتور السقاف أن نصف إن لم يكن ثلاثة أرباع سكان عدن أصولهم من تعز ، كيف ستتعاملون معهم عند فك الارتباط ؟؟" وكان ردّي عليه حينها "أن عدن ليست الجنوب كله بغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما قلته ، عدن هي  صحيح عاصمة الجنوب ولكنها ليست هي الجنوب كله".
والآن أمام الحملة الشمالية التي تريد إظهار عدن والجنوب أنهم مجتمع عنصري تذكرت أقوال السفير الصايدي الذي أصبح بعد ذلك وزير خارجية حكومة بحاح الأولى ، إن الحملة الأمنية بالتدقيق في بطاقات المواطنين إذا كان دافعها عنصري سيعني ذلك إفراغ نصف أو ثلاثة أرباع عدن من سكانها على أساس أن أصولهم من تعز !! وهو أمر غير معقول ويظهر بوضوح الطابع السياسي الرخيص في الحملة الإعلامية ضدّ الجنوب التي لا علاقة لها بالعنصرية اطلاقاً.
هل يمكن للأخوة في اليمن أن يعطونا مثالاً واحداً لجنوبي تولى قبل الرئيس هادي قمّة السلطة التنفيذية في اليمن كما حدث في الجنوب بتولي عبد الفتاح إسماعيل في آن واحد ، وللمرة الأولى في الجنوب رئاسة الدولة ورئاسة الحزب الاشتراكي الحاكم وتولى معه محمد سعيد عبد الله الملقب ب( محسن ) وزيراً لأمن الدولة في عام ١٩٧٨ ولم يتولَّ  مثلهما جنوبي في أي مناصب قيادية ذات حساسية بالغة في فترة الجمهورية العربية اليمنية!
وحتى الى وقت قريب بوجود الرئيس هادي ونائبه خالد بحاح قبل أن يُستبدل بنائب الرئيس علي محسن الأحمر نظرياً كانت مفاصل الدولة في رئاسة الدولة والحكومة تقع تحت إمرتهما ولكن عملياً لم تكن تحت أيديهما وتحت سلطتهما قبل وبعد استيلاء الدوائر الحكومية وأسلحة الجيش من قبل الحوثيين بالتعاون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
إن سياسة التفرقة والتمييز بين المواطنين في اليمن جزءاً لا يتجزّأ من النظام السياسي والاجتماعي في اليمن من عهد الإمامة حتى  ما بعد قيام الجمهورية في التراتيبية الاجتماعية في التمييز بين السادة الهاشميين والقضاة في قمة السلّم وفي أسفله ما يسمى بالمزينيين ( الحلاقين ) وأصحاب المهن الحرة وذات البشرة السمراء في تهامة على وجه الخصوص.
أليس أيدولوجية حكم نظام الإمامة الذي استمر حتى فترة حكم الرئيس صالح أكثر من ألف عام هو نظام يقوم علي التمييز بين المواطنين؟! ،  بحصر حكم اليمن على المنتمين الى المذهب الزيدي حصرياً وما دون ذلك لا يحتلون قمّة السلطة حتى في إطار النظام الديمقراطي الذي صاحب قيام دولة الوحدة ولم يؤخذ منه غير واجهته الديمقراطية دون تغيير فعلي في عقلية النخب الحاكمة سواءاً السياسية أو القبلية أو الدينية. 
إن ما قامت به سلطات عدن وبعض المحافظات الجنوبية من إجراءات نحو الخلايا الشمالية النائمة في الجنوب لا ينبع من نظرة عنصرية إطلاقا وإنما من منطلق أمني احترازي ذات طابع مؤقت يزول مع زوال الأوضاع الأمنية في البلاد وعودة الأمن إليها ، ومثل هذه الإجراءات الاستثنائية لجأت إليها كثير من الديموقراطيات العريقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية بعزل الأمريكيين من أصول يابانية ، وبعد حادثة ١١ سبتمبر ٢٠٠١ نحو الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية ، وكذلك على مستوى فرنسا مؤخراً بعد أحداث نوفمبر ٢٠١٥ على إثر تفجيرات باريس الدامية في تعاملها مع مواطنيها ذات الأصول العربية والإسلامية ،  فهل تريدون من الجنوب أن يكون أكثر ديمقراطية من تلك الديمقراطية العريقة ، أم أنكم بكل بساطة تحت غطاء الدفاع عن الشماليين تريدون الاستمرار في زعزعة الأمن في عدن والجنوب ؟؟
في الخُلاصة
عاش الجنوب لمدة ١٢٩ عاماً في فترة الاستعمار البريطاني في إطار دولة مدنية و٢٣ عاماً في إطار دولة عِلمانيّة عاش فيها الجنوبيون مع اليمنيين في تآخي وانسجام كاملين دون تمييز ، لا يبحث أحد في أصول المواطنين والمقيمين خاصة في نطاق عدن،  ولم تظهر هذه الظاهرة بشكل صارخ ومتناقض إلا بعد الوحدة الفاشلة ، وبسبب السياسة الخبيثة التي انتهجها صالح في الجنوب بعمليات توطين مكثّف ، وبهجرات جماعية من الشمال إلى الجنوب في محاولة جعل الجنوب أقليّة سكانية في مناطقهم الجنوبية ، مما خلق بطبيعة الحال حساسيات بين الطرفين لم تكن موجودة في السابق قبل الوحدة.
ومما عمّق هذه الظاهرة وكشفها بشكل صارخ احتلال الحوثيين لعدن والجنوب في ٢٠١٥ ووقوف المهاجرين الجدد للجنوب مع قوى الاحتلال الجديدة ، في حين أن أبناء عدن من نزحوا إليها من تعز وغيرها من المناطق وقفوا مع الجنوبيين الآخرين في الدفاع عن عدن والجنوب وبذلك أكدوا انتمائهم الى المدينة المفتوحة التي اندمجوا فيها منذ عقود  وما تمثله من نموذج للتعايش بين المجتمعات ذات الأصول المختلفة.
على الأخوة في اليمن وبعض عناصر الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي الاستشعار بأهمية فرض الأمن والاستقرار في عدن والجنوب ، لأن باستقرارهما سيتحقق استقرار أمن اليمن والجزيرة العربية ، والاجراءات المتخذة في الترحيل وغير ذلك هي إجراءات مؤقته فرضتها الظروف الحاليّة  ، ستزول بزوال الظروف التي أدت الى اتخاذها .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص