آخر تحديث :السبت 10 اغسطس 2024 - الساعة:02:15:56
انتصاراً للتاريخ والجغرافيا
صلاح السقلدي

السبت 00 اغسطس 0000 - الساعة:00:00:00

    مثلما نعرف أن مواد الأرشيف الضخمة(ورقية- تسجيلات- صور- وما إلى ذلك),التي تحتويها مكتبات الإذاعة والتلفزيون في عدن قد تعرضت خلال السنوات الماضية  للنهب والعبث والمصادرة ,والمتاجرة أيضاً من قبل لصوص التاريخ والأوطان إما بغرض التكسب والارتزاق وإمّـا بغرض طمس هوية الجنوب وتاريخه واتلاف ذاكرتيه القديمة والحديثة. كان هذا العبث قد أخذ له طرق شتى منها رسمية وغير رسمية, وان كان الأول قد اخذ نصيب الاسد النمر والدب, من خلال الوزارات المتعاقبة المختصة والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بنقل جزء ضخم من المحتويات الى صنعاء بذرائع غريبة مثل نسخها في صنعاء, حين تم نقل عدة حاويات محملة بالوثائق الى هناك منذ غداة غزوة 1994م الوحدوية!, والى اليوم لم تعد الى عدن بالرغم ان ثمة مصادر إعلامية وسياسية مناوئة للرئيس اليمني المنصرف علي عبدالله صالح قد تحدثت عام 2011م عن اكتشافها لحاوية واحدة -على الأقل- تحمل وثائق خاصة بتلفزيون عدن متجهة -حسب تلك المصادر -الى جنوب صنعاء.! ومن حينها وفي تلك -المنطقة المفترضة - ضاعت تلك الحاوية وصمتت تلك المصادر !!. هذا فضلا عن الأضرار الأخرى التي طاولت تلك المواد مثل التلف وعدم الصيانة الدورية وغيرها من طرق الإهمال المتعمدة والغير متعمدة كواحدة من أسوأ الطرق التي استهدفت تاريخه- أي الجنوب- المعاصر والقديم ,الطارف والتليد ,وطمس هويته الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية, وتغييب الفلكلور الجنوبي كذاكرة تاريخية مودعة في المكتبات والمخازن والمتاحف والأماكن الأثرية كمواد وتسجيلات وآثار  مختلفة كانت هي نتاج ومحصلة تاريخية للنشاط الخلاق للإنسان العدني والجنوبي المرتبط منذ قرون ببيئته ومحيطه وبالثقافة الإنسانية ككل. وحصل الشيء ذاته لمحتويات المتاحف والعسكرية والوطنية والأثرية في عدن وباقي المناطق, كما حصل ويحصل بقدر أكثر حقداً وقبحا للمناطق الاثرية من مبانٍ وقلاع ودور عبادة وغيرها.

     فلا أظن ان إحراق كنسية القديس يوسف بعدن القديمة سيكون آخر ذلك الاستهداف, ولا بيع  معبد (جين) في ذات المدينة سيكون آخر ضحايا سماسرة التاريخ والآثار والهوية الجنوبية, ولا تدمير مسجد سفيان التاريخي بلحج ومسجد الأحمدية بمديرية الشيخ عثمان  وقبلهم بسنوات إحراق مسجد العيدروس بكريتر, واضعافا مضاعفة حصلت لكثير من تراث وآثار حضرموت.! فخطورة هذه الاشياء لا تنحصر فقط بالخسارة المادية والتاريخية كقيمة انسانية وكجزء من التراث الانساني العالمي  بل ان مثل هكذا سلكوك يهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع ويمزق خيوطه الوحد تلو الواحد ويشعل بالتالي قداحة الفتنة في قش الخلافات الفكرية والطائفية .فمعظم النار من مستصغر الشرر.!

   

     قبل أيام قليلة اقتحمت عناصر فوضوية متطرفة ذات المبنى -الإذاعة والتلفزيون بالعاصمة عدن- مما اثر لدى الحريصين على تراث الجنوب وعدن الخوف من أن تقوم تلك الجماعات بإتلاف أو حرق أو متاجرة, أو ما شابه ذلك من اشكال التصرف مما تبقى من وثائق ومواد قيّمة لا تزال بالمكتبة. وهنا نوجه كقولٌ مرغوب وفعلٌ مطلوب الدعوة لكل الخيرين ولكل مَـن يعِـز عليه  ماضي عدن وحاضرها مستقبلها أن يستشعروا خطورة مثل هكذا تصرفات ويستنفرون كل الجهود قولاً وفعلاً والتحرك للحفاظ على ما بقي في مخزون هذه المكتبات من ذاكرة تاريخية عريقة لا تقدر بثمن يتم تصفيتها منذ سنوات وحتى اليوم بأيادٍ عابثة , ولا تزال تقوم  بهذا الدور جهات ومجموعات حمقاء باقتحامات وابتزاز كثير من مرافق ومؤسسات عدن من جامعات موانئ وبنوك ومؤسسات خدمية مختلفة, في ظل صمت وتخاذل مهين ومخزي من الجميع تقريبا.! جماعات تتصرف وكأنها نسخة مكررة من عقلية سلطة محاكم التفتيش المتوحشة التي سادت وبادت في أوروبا بالقرون الماضية على انقاض دولة الأندلس. جماعات تنتحل زوراً وخبثا وتضليلاً اسم المقاومة الجنوبية الحقيقية, تستهدف الطُّمُّ والرّم ,ونصّبت نفسها كسلطة حاكمة بقانون المكارثية الإقصائية والمنهجية العنيفة, لها في القتل فلسلفة ,وفي الفوضى وشِـرعة غريبة جرياً على  مذهب تمجيد الموت وتحقير الحياة, ويغريها صمت العامة (المبلسون) ,وتحاول سرقة نصر تاريخي غالٍ حققه شعب الجنوب بالدم والتضحيات, وتستمد هذه الجماعات أخذها العزة بعجرفتها من تخاذل العوام من الناس في وطن منكوب بالصامتين من أهله قبل ان ينكب بالخصوم والأعداء .!

   وبرغم كل هذا التوحش سنظل نقول لهؤلاء العابثين الذين نعتقد تبعيتهم -أو بالأصح جزءاً منهم- لقوى يمنية تتربص بالجنوب، (فالبعرة تدل على البعير). نقول لهم جميعا أن للجنوب جنودٌ من رجال وليس فقط من عسل. فمثلما انتصروا له قبل اشهر قليلة بالبندقية ممن حاولوا انتزاعه من (خارطة الجغرافيا), سينتصرون له اليوم ممن يحاولون انتزاعه من (خارطة التاريخ) بالبندقية وبغير البندقية. ولله عاقبة الأمور.

قفلة  شعرية من ديوان  العرب:

(إذا لم تكن لي والزمان شرم برم × فلا خير فيك والزمان ترللي).

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص