آخر تحديث :السبت 30 نوفمبر 2024 - الساعة:12:18:31
عـــدن .. وأيام حرب الزماميط
بلال غلام حسين

السبت 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

في هذا الوقت العصيب الذي تمر به عدن نجد دوماً وفي كل المراحل بأن هناك من الدخلاء من يعيث بها وينخر في جسمها من هواة النهب والفيد من الصعاليك ومن وراءهم, هذه المدينة التي طالما أوت وأعطت الأمان لكل من دخلها حتى وإن كان في قلبه ما يخفيه ولكنها لم تفرق بين أحد منهم, إلا أن المتربصين بها من هنا وهناك ينتظرون ساعة الصفر لينشروا فيها الرعب وينهبوا خيراتها.

هذه المدينة الباسمة الحالمة نُزعت منها البسمة وتعيش واقع مرير بكل معنى الكلمة, ولكننا في هذه اللحظات التي تعيشها عدن وهي ليست بغريبة عنها لأنها طالما كانت هي الفيصل والحل والعقد على جميع المراحل السياسية,  نستذكر دوماً من الماضي القريب إجراءات احترازية حاسمة كانت تتخذها حكومة عدن ورجالها الشرفاء وأعيانها الذين أخلصوا لها دوما في الأوقات العصيبة لحمايتها وفرض القوانين الصارمة حتى في ظروف الطوارئ الاستثنائية. 

ومن هذا التاريخ نستلهم الدروس والعبر وليكون عبرة للأجيال الجديدة التي لم تعش تلك الفترة.  ومن هذه الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة عدن أبان ما سُميت (بحرب الطليان) وعرفها أبناء عدن بأيام (حرب الزماميط) هي:

 

  • في 19 أغسطس عام 1940م, عندما كانت الطائرات الحربية الإيطالية تقصف عدن، قامت جمعية الصليب الأحمر بإشراف الدكتور الهندي (جاولكر) بجمع إعانات من أعيان المدينة للمساهمة في أوضاع عدن الطبية, وتطوع عدد كبير من أبناء عدن في فرقة الإسعاف الأولي وفرق المحافظين في حالة الغارات الجوية، وصرفت الكمامات للسكان من قبل الحكومة وقدمت لهم أكياس الرمل لتوضع أمام بيوتهم..

 

  • صدر القانون رقم 22 في 15 يوليو 1940م وهو يخول مراقب التموينات المدنية أن يضبط الأسعار ويقررها بين حين وآخر إذا رآها مائلة نحو الصعود والارتفاع. 

 

  • نشرت حكومة عدن إفادة رسمية رقم (91) وفيها أعلنت أن أي إنسان ينير سراجاً يمتد ضوؤه بحيث يشاهد من ارتفاع 2000 قدم أو من بعد ميل واحد من البحر، فإن عمله هذا سوف يعد جريمة إذا أصر عليه بعد التنبيه من ضابط الغارات الجوية أو المحافظ العام أو ضابط بوليس أعلى من درجة مدير بوليس أو من ضابط البوليس الخاص. 

 

  • في تلك الفترة العصيبة على عدن, اجتمع في دار الشيخ علي بن محمد بازرعة عدد كبير من أعيان عدن، حيث عقدت جلسة حضرها المستر بلات السكرتير الرئيسي للدولة بالنيابة، وقرأ على المجتمعين نداءً موجها من والي عدن السيد هاتورن هول بشر فيه الأهالي أن حكومة عدن قد تبرعت بمبلغ 100 ألف روبية كمنحة لشراء ثلاث طائرات سعرها 220000 ألف روبية من نوع العاصفة المقاتلة وقد حملت اسم عدن، وكان أهل عدن قد تبرعوا بمبلغ 22550 ألف روبية في سبيل هذا الغرض.

 

  • في خضم الأحداث التي شهدتها عدن, عقدت غرفة عدن التجارية جلسة أصدرت فيها قراراً أرسلته إلى والي عدن السير ريجنالد شامبيون.  وقالت الغرفة التجارية العدنية في ذلك القرار: " إن الاضطرابات الطائفية الأخيرة قد عرقلت التجارة وتسهيلات الميناء، وأضعفت معنوية جميع الجاليات التي تنتظر حماية لأرواحهم وأملاكهم، وتطلب أن تعين الحكومة قاضي محكمة عليا مع ثلاثة مرشدين يؤلفون هيئة محلفين عليا لتجري تحقيقا كاملا في أسباب الاضطرابات التي يجب أن تتناولها سلطات مسئولة مفوضة أن تدلي باقتراحات تتعلق بالأمن في المستقبل.  ثم ينشر هذا التقرير بأوسع ما يمكن كإجراء يحتمل أن يعيد احترام قوات القانون والنظام في المستعمرة والإيمان بها ".  وأضافت الغرفة التجارية قائلةً: "  ونحن إذ نكتب هذا التعليق نتوجه إلى الأمة العدنية العربية والإسلامية أن تبرهن على مدينتها بأن يسعى أفرادها في التعاون الكامل على المحافظة على الأمن التام واحترام القانون حتى يشعر كل إنسان؛أجنبياً كان أم وطنياً أنه يعيش في بلاد يأمن فيها على نفسه وماله وكل عزيز لديه ".

 

  • وفي رسالة لوالي عدن السير هاتورن لأبناء عدن في تلك الفترة قال: "أنني أؤكد لأبناء عدن أنه يمكنكم أن تتأكدوا بأنني وجميع ضباط الحكومة سنثابر على العمل لسعادتكم وسلامتكم, وإن عدن اليوم عرضة لأخطار الحرب ولكنني على ثقة بأنها ستتخطى هذا الوقت بنجاح من دون أن يمسها أذى  لأن دفاعها لقويٌ، وإن روح الأمة فيها لروح كريمة،لقد تعاونت جميع الطوائف والطبقات مع الحكومة ومع بعضها البعض لاتخاذ التدابير الضرورية في هذه الظروف، وأنا على يقين بأنها ستستمر تعمل كذلك وأنني واثق وكلي أمل بأن عدن ستظل قوية سالمة، وستنعم بالسلم قريباً.

 

 

وأبان تلك الفترة عملت المحاكم على مدار الساعة وكانت تصدر أحكام صارمة ضد كل من يخالف القانون ويقلق السكينة العامة في المدينة, وإحدى تلك الأحكام الصارمة التي أصدرتها محاكم عدن هي: "صدور حكم بالسجن ثلاثة أشهر ضد شخص من أبناء عدن لأنه قام بسرقة اثنين أكواب شاهي من مقهى كُشر."  ومن المُفارقات العجيبة أنه وفي تلك الفترة التاريخية العصيبة التي مرت بها عدن عملت حكومة عدن وأعيانها على توفير كل سُبل الراحة والأمن والأمان لأبنائها, لكننا لا نرى اليوم أي وجود للحكومة أو أعيانها يعملون في سبيل الحفاظ عليها ويقومون على شؤونها بأي إجراءات ضرورية للحفاظ على السلم الاجتماعي, ترى اليوم لا وجود للمحاكم ولا الأمن العام.   اليوم تم نشر السلاح بشكل كبير بين الناس وترى العصابات المسلحة تعيث بعدن الفساد بالسماح لهم بالسلب والنهب, وانتشرت الفوضى بين عامة الناس ويسود في المدينة قانون الغاب. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص