آخر تحديث :الخميس 12 سبتمبر 2024 - الساعة:16:55:23
الإبداع و المفاضلة والفساد !!
احمد محمود السلامي

الخميس 00 سبتمبر 0000 - الساعة:00:00:00

كنت دائماً اسأل الذين أدركتهم من الجيل الأول والثاني في تلفزيون عدن عن سبب التحاقهم بالعمل في التلفزيون ! ولا ادري انه سيأتي يوم واكتب هذه الجزئية في الصحف نظراً لأهميتها  .

كانت إجاباتهم تقريباً موحدة ، تخرجوا من الثانوية وخاصة كلية عدن واتجهوا للبحث على وظيفة .. تقدموا   للإذاعة والتلفزيون والتي كانت بحاجة إلى كوادر متعلمة للعمل في الوظائف الإبداعية .. تقدم للوظائف عشرات من الشباب وخضعوا لامتحان مفاضلة ومقابلة شخصية .. تم قبول عدد قليل منهم لا يتجاوز أصابع اليد (بدون واسطة طبعاً) ! ودون تبرم واصل الآخرون مسيرة البحث في مرافق أخرى وهكذا .

مسألة المفاضلة مهمة جداً في التوظيف إذا كانت منصفة ، باعتبار أن لكل وظيفة مهام ومقاييس مهنية معينة تميزها عن الوظائف الأخرى ، بعد الاستقلال تراجعت كثيراً تلك المقاييس المهنية وبشكل تدريجي خاصة في المرافق السيادية مثل الإعلام والخارجية والأمن وحلت محلها  شروط تتعلق بالوطنية والانتماء الحزبي والولاء ، وغالباً تكون الوساطة هي الفيصل .. ام الشرط المهني  تقهقر أو تراجع و انعدم في معظم الأحوال .. اجتهد بعض الموظفين في تطوير أنفسهم فيما ظل آخرون قابعين في أماكنهم محلك سر!! والبعض القليل سلك طرق أخرى للصعود والتسلق  .

بعد (الوحدة) طارت مقاييس المهنة وشروطها وأصبح الإبداع مسألة شخصية ، ومثلما يقال :" أنت وضميرك " !! دخل الفساد إلى مفاصل المرافق الحكومية واستشرى فيها باسم القانون الذي لم يطبق إلا على الناس الضعفاء والفقراء الذين لم يستطيعوا توفير لقمة العيش لأبنائهم ما بالك بالمبلغ الكبير الذي لازم يدفعه لأجل توظيف ابنه هروباً من الامتثال للقانون والذي يعني في الأخير ( الله يفتح عليك مافيش وظائف) ويشرحوا لك الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلد والعجز في ميزان المدفوعات ويدللوا ذلك بأرقام لا يفهم المواطن منها شئ وخطط مستقبلية تحفظ في الأدراج .

في تلفزيون عدن والمرافق الإبداعية والإعلامية الأخرى اختلت الموازين فيها بسبب القوانين الإدارية والمالية الجديدة التي تتيح للفاسدين الاستيلاء على المال العام والاستحواذ عليه عن طريق التحايل والتزوير مما أدى إلى حرمان المبدع الحقيقي من مستحقاته المشروعة ، ولهذا ظل الإعلامي والصحفي الحقيقي والكفء يعاني من عدة أمور : أهمها تحوّل إدارات الشؤون المالية والإدارية من إدارات المفروض أنها تخدم الإبداع إلى إدارات لشفط المال العام والمخصص لإنتاج الأعمال الإبداعية وترمي للمبدع الحد الأدنى من حقه   .

الأمر الأخر يتعلق بالإقبال الشديد على العمل في التلفزيون  بعد ما ترامى إلى مسامع الشباب أن التلفزيون يدفع (زلط) فهبوا إليه دون تردد أو خشية من الفشل في العمل الإعلامي !!  وكان عندهم حق فهم (كلهم)  بحاجة إلى وظائف يعيشوا منها خلال مسيرة حياتهم المستقبلية .. أتمنى على هؤلاء الشباب أن لا يقفوا عن حد الوظيفة والمال فقط بل يعملوا ليل نهار على تطوير معارفهم وتنمية مهاراتهم المطلوبة لخلق تراكم مهني يساعدهم على التميُز والإبداع في المستقبل وهو السلاح الحقيقي لتحقيق النجاح .

هبوط مستوى الإبداع في تلفزيون وإذاعة عدن والمرافق الإبداعية الأخرى سببه تراكم الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها الأنظمة السياسية الفاشلة في حق هذه المرافق بالذات وكل المرافق الحكومية التي تئن تحت وطأة الفساد الإداري والمالي الفاحش . فوجود مرفق خالٍ من الفساد أمرٌ مستحيل في إطار هذه المنظومة المتكاملة من الفساد التي تترابط أركانها وفروعها وتدور عجلتها بشكل رهيب يعجز على أي شخص بمفرده أو ضمن جماعة إيقافها أو الانتصار عليها في ظل غياب دولة مدنية حقيقية تناط بها هذه المهمة الكبيرة ، قطعاً بدون وجود تلك الدولة فان كل من سيحاول وقف العجلة سيلقى مصير دون كيشوت الذي اعتبر نفسه بطلاً حقيقياً بعد سنوات من القهر فقرر محاربة طواحين الهواء التي اعتقد أن أذرعتها الهائلة مصدرُ الشر في الدنيا فرفعته تلك الأذرع في الهواء ودارت به ورمته أرضاً بعد أن مزقت لحمه وهشمت عظامه فمات دون كيشوت  دون أن يحقق هدفه !!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص