آخر تحديث :الاربعاء 07 اغسطس 2024 - الساعة:15:01:51
التخوين .. والصراع على السلطة !!
احمد محمود السلامي

الاربعاء 00 اغسطس 0000 - الساعة:00:00:00

أثناء ثورات الشعوب وحتى بعد انتصارها تسود أخلاق القطيعة (الرفض القيمي ) وتتعمق أكثر فأكثر على أساس أنها رد فعل طبيعي ( للظلم ) الناجم عن النظام البائد ، وهنا تتحطم بل تُحرق أنماط القيم الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية التي تكونت ونسجت بشكل تدريجي عبر مراحل طويلة من الزمن حيث كانت نتاج التعاطي الاقتصادي السائد .. وهنا يبدأ تثوير المجتمع والتخوين المتبادل عبر محاولة التأسيس السريع لنمط جديد من العلاقات الاجتماعية الجديدة يتم فرضها مع المتغير الموضوعي وليس ( الذاتي الذي هو العامل الأهم في نجاح أي ثورة ) .. ولهذا السبب نرى أن معظم الثورات لا تحقق الحياة الفاضلة لشعوبها نتيجة لاختلال هذا الميزان ، علينا أن نُسلم بأن القطيعة والتخوين هي حالات تتميز بالعنف اللا واعي ( العشوائي ) الغير مخطط والغير ملبي أساساً لحاجات الإنسان ، بل إنها تهينُ إنسانيته إن جاز لنا القول وتعزله عن العالم !

تتشكل ثقافة القطيعة والعنف أو الثقافة الثورية ـ كما تسمى ـ من مجموعة من المفاهيم والممارسات الخاطئة الدخيلة على المجتمع المسالم ( أقصد هنا الثقافة في مفهومها الانثروبولوجي ) التي تؤدي في الأخير إلى نخر عظام الثورة وإعاقة تنفيذ أهدافها وتقوض مسارها عبر حُزمة من القلاقل  والإجراءات الثورية بأشكال كثيرة يتفنن المنافقون في اختيارها وتنفيذها ، ومع تثوير المجتمع تبدأ الصراعات في كل الاتجاهات وتنشأ التكتلات والمسميات المختلفة  ظاهرها الأهداف الوطنية السامية وباطنها الصراع العنيف على السلطة الذي يطفوا على السطح  وتتناحر ضواري الحكم عندما يبلغ أوجه .. وهنا تنتقل القطيعة إلى مرحلة متقدمة يكون هدفها المعلن هو تجذير وتصحيح مسار الثورة ! ولكنه في واقع الأمر هو صراعٌ على السلطة .. وهكذا تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى من تفاقم الصراع بشخوص جديدة تكون أكثر ضراوة ودموية يذهب ضحيتها الكثير من أبناء الشعب الأبرياء.

الثورات الناجحة هي التي تنقل المجتمعات إلى مستويات اقتصادية واجتماعية وديمقراطية أفضل ، بعد أن وصلت تلك المجالات إلى حالة من التردي والعجز سبب فشل منظومة الحكم في إدارة الدولة .. تستفيد تلك الثورات من  التراكمات الايجابية في المجالات الحيوية الهامة وتحافظ عليها ولا تقاطعها ! بل إنها تعمل على تنميتها وتطويرها باستخدام الخطط والسياسات العصرية التنموية الحديثة كما أنها تحافظ على نسيج العلاقات الاجتماعية الذي ينمو ويتغير بشكل تدريجي مع تطور النمط الاقتصادي والمعيشي للأفراد، وفق ضوابط وقوانين تكفل حقوق العادل للأفراد والجماعات . حتى القطيعة يجب أن تترجم إلى برامج وخطط ضمن سياق التطور العام لمعالجة أسبابها. أما الثورات التي صُدّرت للشعوب من الخارج عن طريق أفكار أو أشخاص أو جماعات  فهي لا تحقق الطفرة الاقتصادية والرفاهية للشعب وبالتالي لا  تحقق أهدافها بسبب القطيعة المفرطة ، فالأنظمة الثورية هي بطبيعتها أنظمة قمعية ترتكز أساساً على القوة العسكرية والإعلام و الدعاية والتحريض والأجهزة السرية الأخرى بما فيها أجهزة الحزب الحاكم .

أما اقتصادها ففي الغالب يكون اقتصاداً متخلفاً يعتمد على القطاع العام المثقل بجيش جرار من الموظفين الذين تنفق عليهم خزانة الدولة  . أما الرفاهية في هذه الأنظمة فتتحقق فقط للمسؤولين مالكي السلطة ، تتدرج الامتيازات من المراتب الأدنى إلى المراتب الأعلى وتشمل كل شيء يخطر على البال !!

في الوقت الذي يئن فيه المواطن من سياسة التقشف والتجويع والقهر والحرمان ..   في اعتقادي أن هذا من الأسباب الرئيسة للصراع على السلطة !! هذا لا يعني أنه لا يوجد في كل المراحل أشخاص وطنيون شرفاء مخلصون لأوطانهم وقضايا شعوبهم المقهورة، لكن للأسف يتم التخلص منهم بطرق عديدة أبرزها تهمة الخيانة.  

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص