آخر تحديث :الخميس 08 اغسطس 2024 - الساعة:00:16:25
وشم وعقوبة !!
جيهان ماجد

الاربعاء 00 اغسطس 0000 - الساعة:00:00:00

في خضم ما يشهده عالمنا العربي من أحداث ومجريات، استرعت انتباهي حادثة جرت في إحدى ثكنات الجيش اللبناني، في مدينة بعلبك القريبة من بلدة عرسال، حيث خاض الجيش اللبناني معارك ضارية حفاظا على وحدة لبنان، معارك سطر فيها الجندي اللبناني - في ظل قيادة حكيمة - بطولة يستحق عليها كل التهنئة والتعزيز والتكريم، والثناء والثواب، وليس العقاب!

القصة وما فيها؛ أنه بالتزامن مع أحداث عرسال، وبسبب وشم على كتف أحد الجنود، سطر ضابط لا يريد إلا تطبيق القانون، اقتراح عقوبة لهذا الجندي في ظرف غير مناسب، فالقانون قانون.. والوشم غير المصرح عنه يستوجب العقاب!.. الغريب أن الوشم قريب من إصابة أصيب بها هذا الجندي اثناء مشاركته في معارك نهر البارد، ربما كانت الإصابة لإزالة الوشم، لكن الرصاصة أخطأت الهدف، والترقية التي وعد بها جراء إصابته هذه قد أخطأت، وتأخرت سنة، دون اي سبب وجيه!

أما ما جعلني أسرد هذه الواقعة البسيطة؛ هو تزامنها من حيث الوشم والعقاب مع أحداث العراق، حيث وشمت ابنية------ المسيحيين بحرف النون، والشيعة بحرف الراء، والسنة المخالفين بحرف الميم، وقد أنزلت فيهم العقوبات الخاصة بكل فئة، وفقا لقانون دولة إسلامية جديدة.

إن ما أذهلني هو التطابق في طريقة الاختيار.. فلماذا اختير هذا الجندي دون غيره؟ ولماذا اقترحت عقوبته؟ ماذا فعل ليستحق هذا الإجراء؟.. إن سلوك هذا الجندي جيد جداً، وهو محبوب من زملائه، وينال رضا قائد الثكنة، أما الضابط؛ فقد كان سلوكه ممتازاً، ويحافظ محافظة تامة على مناقب الضابط النظيف.. لماذا إذاً اقتراح العقوبة؟.. هل لسبب شخصي؟ أم لسبب مذهبي، أو طائفي؟.. هل كان يلعب لعبة الأرقام، ووقع السهم على رقم هذا الجندي - بالذات؟ هل هو يطبق القانون دون التطلع لظرف ما، وحالة ما؟ هل عوقب دون سبب من أحد رؤسائه؛ فأخذ يطبق اللعبة على من ليس له سند من عناصره؟ هل يخيف عناصره بهذه الطريقة، ويرعبهم ويرهبهم، فيطيعونه؟.. وهل يتسلى بعقاب الآخرين؟!

أسئلة كثيرة وكثيرة، هي نفسها التي جالت في خاطري عند رؤية من وقع عليهم العقاب، من مسيحيين وايزيديين ومسلمين، شيعة وسنة، وهم يتساءلون: ماذا فعلنا لهم؟.. مع أنهم في أغلبهم يجمعهم قاسم مشترك، وهو توسط الحال والفقر، فإن المقتدر منهم دفع ثمن حياته "رشوة او جزية"، ليخرج من أتون هذه التجربة، وطبق القانون فقط على من ليس له سند، وخاصة على من استند إلى تدينه!!

إن ما أقلقني من كل هذا التساؤل؛ هو: هل تصرف أفراد وعناصر الدولة الإسلامية كأنهم قد عوقبوا بالإسلام، فعاقبوا على طريقة النازيين والصهاينة - وبالقانون انتقائياً - بعض من خالفهم؟ من أين جاؤوا بهذا القانون؟ أهي سنة النبي؟ أهي سيرة الخلفاء الراشدين؟ أهي آيات الجهاد في القرآن الكريم؟ أهي آيات العقاب؟!

إن من ردات الفعل المحتملة دخول الوشم والعقاب كل دار، كل نفس، كل مجتمع، كل تدين في هذا العالم، وأضر نتائج هذا الامر هو وشم الإسلام - بالذات - من قبل مجتمعات غربية، بأنه دين الإرهاب والقتل، ووشم المسلمين بأنهم يتبعون ديناً لا يناسب التطور والزمن!. إن ما سنجنيه من هذا الوشم والعقوبة، إضافة الى الفرز والتطهير العرقي، حروباً بين كل مكونات أمتنا تقضي على كل طاقة أمل بالوحدة والعزة والحضارة، التي تعمل أياد سامة، مسممة على طمسها، لنعيش في ظلمات لا تقوم لنا قائمة لمئات قادمة من السنين، ونحن غافلون!.. ما همنا إلا تطبيق النصوص دون التطلع الى روحانية متحركة تزهر في ثناياها، هذه النصوص - بالذات - تجعلنا أمة التسامح والتعايش والحضارة والتطور، وليس أمة الجهل والإرهاب والتكفير، والقضاء على الحضارات!!

وبكلمة شافية، ومن هدي نبينا الأعظم، إن من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، واجر من عمل بها.. كان الأحرى بهم العودة الى سنة أفضل الانبياء، وسيرة خير الخلفاء، وألا ينهجوا نهج الدولة النازية مع اليهود، والدولة الصهيونية مع العرب؛ لينشروا الأجر والثواب، وليس الوشم والعقاب، ولا جهاد النكاح، وغيره مما استحسنوه!!

والعين - اليوم - على الجنوب، الذي يعيش حالة ترقب وحذر لما سيحدث في صنعاء، وما قد يتأتى عليه جراء ذلك! وهو يستغرب استغاثة قيادتها بالعالم ليجنبها إرهاباً واعتداءً أذاقته لإخوة في الجنوب لمدة عشرين عاما، دون الاستماع الى صوت الأخوة والواجب الوطني، ودون ان يتطلعوا الى ما اقترفت أيديهم في عدن والضالع وأبين وغيرها من المناطق الجنوبية!!

إن نظرة المحاسبة، التي ظهرت من الضابط عند اقتراح العقوبة للجندي، الذي ليس له سند، وبالقانون، على أمر فعله قبل دخول الجيش، هي النظرة نفسها التي أنزلتها الدولة الاسلامية الجديدة بالأبرياء، الذين ليس لهم سند، ومن طوائف عديدة، عقوبة تختلف - حسب الانتماء - وهي تطبق قانونها!.. والخوف ان يقوم الحوثيون - اليوم - بردة فعل عنوانها الانتقام، وإنزال العقوبة بالأبرياء في الشمال، وفي الجنوب، تطبيقاً لقانونهم، وهو قانوننا عامة!.. فتحت هذه القوانين سلطات حكمت بلادنا، وللأسف أمعنت ظلما وجورا وإفسادا بين العباد، ولا نقرأ عن تاريخها الا تمجيدا وتعظيما وتفخيما!.. فهل ما كان مسموحاً به في زمانهم؛ غير مسموح به في زماننا؟!

إن المجتمع الكردي، الذي عانى لعقود طويلة، يقدم - اليوم - المثال الافضل، والقدوة التي يجب ان تتمثل بها المجتمعات الاسلامية والعربية، بتغليبها النزعة الانسانية مكان الانتقام، استنادا الى سنة خير الأنام، فتحتضن كل بريء ومظلوم، ظلمته سلطة او حكومة جائرة.. والأمل، كل الامل، أن يحذو الحوثيون حذوهم في رفع الظلم عن أنفسهم، وفي مساعدتهم اخوانهم بالوطن، وألا يكون اختيارهم الانتقام والوشم والعقوبة والعقاب، خاصة بعد رفع السند الخارجي عن حكومة (صنعاء)!!

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص