آخر تحديث :الخميس 02 مايو 2024 - الساعة:11:59:12
في وداع الدكتور (الحريري)..
عبدالقوي الأشول

الخميس 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

كم هي الحياة قاسية حين تسلب منا الأعزاء، ممن عايشناهم وعرفناهم في محيط حياتنا العملية، والاجتماعية.. تلك الوجوه المألوفة.. يجرى استحضار محاسنها بقوة كلما بلغ مسامعنا رحيل هذا، أو ذاك، في حين ان طبيعة الحياة التي سيجت عقولنا وعطاءنا تجعلنا نبدو على قدر من العدمية في التعبير عن هذا الود، في الاحوال العادية.

ربما هي حالة الرثاء السبيل الممكنة.. ربما هي الدموع الحارة التي نذرفها حين تبلغنا الفاجعة، فاجعة الموت الرحيل، فحين تغيب يد المنون كل هذه الوجوه نصاب بشيء من الحزن العميق، فما تلبث الأيام ان تفقدنا حتى حالة الاحساس الانساني، ربما لأن غابة الحياة الوارفة بكل هذه النباتات الشوكية البائسة تجعلنا نغوص عميقا في حالة من الوعي، واللاوعي!!

يذكرنا كل هذا حين فاجأني العميد بن عسكر الحريري، عبر الهاتف، بخبر رحيل الهامة الصحفية والاكاديمية المعروفة، الأستاذ الدكتور أحمد عبدالله صالح الحريري، أحد الوجوه الاكاديمية المرموقة، وصاحب سيرة العطاء العطرة في ثمانينيات، وتسعينيات القرن الماضي، حين تحمل مسؤولية رئاسة تحرير صحيفة "الثوري"، التي كانت تمثل الصحيفة الأولى في الجنوب، ذات البعد السياسي المرتبط بالأداء الإعلامي في تلك الفترة الزمنية، التي تبوأ فيها الأستاذ الدكتور الراحل أحمد عبدالله صالح مكانة رئيس التحرير، واستطاع ان يدمغ عطاء تلك الصحيفة بنكهة عطائه وقدراته ووسطيته، وما كانت لديه من مقدرة فذة على خلق الإقناع لدى الأطياف كافة بنزاهة عطائه المتوازن، حيث مثلت تلك الفترة عطاءً استثنائياً في مسيرة الصحيفة، التي كانت تضم عددا زاخرا من زملاء الحرف المتمكنين.. أعني فطاحلة العمل الصحفي والإعلام من الأعلام المشهورة حينها.. كل هؤلاء وجدوا في رئاسة تحرير (المرحوم) للصحيفة طريقاً لمزيد من العطاء والثراء والتنوع والرأي، ومساحة أوسع لتقبل الرأي المخالف الحال، الذي جعل تلك الفترة الزمنية لم تغادر هؤلاء ممن لا يزالون يعيشون بيننا، باعتبارها العصر الذهبي لـ "الثوري" بكل ما في الكلمة من معنى!

ولأن الأمور في مثل بلداننا لا تقوم على العطاء الأفضل، والمهنية والقدرات، بل الولاء والمحسوبية.. فمن الطبيعي جدا أن يواجه كل هؤلاء المقتدرون كل ما واجهوا من إقصاء وغياب الحقوق، وكل ما لازمتهم من معاناة على مدى سنوات العقدين الماضيين!.. وهكذا واجه د. أحمد عبدالله صالح الحريري الجحود والنسيان، مثل الكثير من أنداده من القيادات والرموز الجنوبية!!

عاش لسنوات مضت تحت واقع المعاناة، حتى فاجأنا رحيله عن دنيا الفناء بكل ما تعتمل في ساحة غابتها البشعة من هستيريا لا أخلاقية، وصراعات لا إنسانية غير متصلة بتحسين ظروف مجتمعنا، اكثر من استغراقها عند حدود ذاتية مقيتة لا تمت لديننا وقيمنا بشيء.. فهل رحيل اعلامنا النابهة في مثل هذه الاثناء رحمة لها من ان تكون شاهدة على كل هذا الانحدار القيمي والأخلاقي، الذي نغوص في أوصاله؟!

حقاً؛ أستاذي الفاضل.. لقد رحلت بأياد بيضاء، وقلب نقي ونزاهة متناهية، وسلوك قيمي هو محط إنكار وازدراء لدى من يكرسون قيم الرذيلة، والظلم والجبروت!.. إلا ان الأمر الثابت انتصار الحق على الباطل مهما بدا الليل طويلا.. فيكفي انكم عشتم تكرسون قناعاتكم المتصلة بالإنسان والقيم والعدل، ولا نملك إثر رحيلك المباغت إلا ان ندعو الله أن يتغمدك بواسع رحمته، متمنين لأهلك وذويك الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص