آخر تحديث :الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 - الساعة:01:04:31
من الوريد إلى الوريد
عبدالقوي الأشول

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

رغم ان المعاناة العربية ذات جذوة واحدة، الا ان المأساة اليمنية تبدو عميقة واشد وانكى.. فحمى الصراعات الدينية والمذهبية والسياسية، وكل ما هو قائم من خلط في اكثر من بلد عربي، يعبر بجلاء عن حالة وهن غير مسبوقة وغير قابلة للشفاء على المدى القريب، الامر الذي اغرى اطرافا كثيرة على تدعيم هذه الصراعات، بحيث يغدو كل جزء في امتنا العربية معني بتدمير ذاته، ومقوماته، بحيث تمتد الآثار والاضرار الى ما هو ابعد، لا بل هي العودة الى القرون الوسطى بكل ما فيها من ظلام!!

لماذا تكشفت كل هذه العداوة الداخلية في شعوبنا؟ ولماذا تداعت الأمور بهذه السرعة المدهشة؟.. أسئلة كثيرة لا نجد إجابة لها!.. إلا ان ما يجرى في الواقع لم يأت بغتة، فالأسباب الظاهرة والمضمرة، والاجندة الخفية وحسابات الصراعات القائمة هي التي تخفي في دهاليزها التفاصيل المدهشة لكل ما هو قائم.. فمنذ عصور بعيدة لم تأخذ الصراعات المذهبية والدينية مثل هذا البعد اللا أخلاقي بمثل ما هو قائم اليوم، عدا ما كانت تتكشف من مآس فيما كانت من حروب مشتعلة في حقب متباعدة.. فهل انهت شعوبنا العربية حالة تعايشها مع نفسها بهذا المستوى من السقوط والحدة والانفلات؟!

ما يجرى - دون ريب - فوق مستوى عقولنا يقتحم كل زوايا العقل والمنطق، التي ما لا يمكن تصديقه.. والمثير الموجع ان الخصوصية اليمنية تعلن في هذه الاثناء حالة حضور مقيتة وبشعة لطرق سفك الدماء بصورة مروعة للغاية، لا يمكن ان يمحوها الدهر من ذاكرة الاجيال على المدى البعيد.

لا ادري ان كان اختيار المحافظات الجنوبية لمسرح مثل هذه البشاعات قد اتى من فراغ، وبمعزل عن حالة الصراعات القائمة، خصوصا وهذه المحافظات كانت حتى وقت قريب بعيدة كل البعد عن هذا النمط الفاضح من الدموية والحقد.

ثم لماذا اختيرت محافظة حضرموت لذلك؟ كل هذا يمكن قراءته ضمن حالة المشهد العام والفوضى المتناهية، التي تعم اليمن بشماله وجنوبه.

فمحافظة حضرموت، التي عرف تاريخها بحالة السلم الاجتماعي، المحافظة ذات اللون الواحد على الصعيد الديني هي مضرب مثل من حيث بعدها التام عن تلك الارواح الشريرة المتحفزة لسفك الدماء.

فإن من الطبيعي ان تظهر وطأة الفعل الفاحش المأساوي في ربوعها افعال تتجاوز في بشاعتها وأهدافها ما هو معلن منها.

فوفق كل المعطيات حضرموت الجنوب هي المستهدفة في هذه الاثناء، باعتبارها المحافظة التي تتمتع بقدر من المقومات والخبرات، ناهيك عن بعدها التام منذ القدم عن الجريمة والبشاعة على هذا النحو.

الحال الذي جعل وليمة الذبح الاخيرة ترتكب على ربوعها، وبتصوير فوتوغرافي غاية في الدقة حتى تعم صورة الجرم كافة الفضائيات، والمواقع الاخبارية.

هكذا إذن هي الصورة التي ينبغي ان تصل العالم من حضرموت الجنوبية، التي كانت قبل حين مضرب مثل في حالة الامان الذي تعيشه، ووداعة سكانها البعيدين عن العنف تماما.

نعم هي ليست المرة الاولى التي تنقل لنا كاميرات "الديجتل" عالية الدقة صورة الذبيح، ورأسه المفصول تماما عن الجسد، لقد شهدنا ذلك في اكثر من بلد عربي.

ربما اننا لم نكن نتوقع ان تكون لدينا مثل هذه النسخة الفاضحة من الجرم، بحيث تصلنا صورة الدماء النازفة والاوتار المذبوحة من الوريد الى الوريد بصورة مباشرة حية من حضرموت الجنوبية!!

يأتي ذلك بعد سلسلة من الاعمال العدوانية والعدائية، التي تم ارتكابها في تلك المحافظة الجنوبية، الغنية بمواردها وتاريخها وتراثها وثقافة اهلها!.. حقا اننا امام حالة خاصة من الانفلات والعبث والفوضى وسفك الدماء، مشهد مأساوي يصعب التكهن بكبح جماحه بحكم ما آلت اليه الامور في اكثر من منطقة، فأوار النار المشتعلة ربما يكشف مشهدا مأساويا عارما طالما بقيت الامور على هذا القدر من غياب السلطة التام، وغياب العقل، بل انفلاته تماما بعد ان استمرأت الكثير من الاطراف امر الفوضى والتدمير والنهب، موظفة كل ما يجرى لصالح ما لديها من حسابات تتصل - دون ريب - بالعودة الى الواجهة، واية واجهة؟.. إنها الحطام بعينه!!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل