آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:14:31:34
العبور إلى المستقبل لا يتم بعصير "فخفخينة"!
سامي الكاف

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

تملك اليأس، وسيطر على عدد كبير من الشرائح المجتمعية المختلفة في عموم اليمن؛ بسبب الإجراء الأخير المتعلق برفع دعم المشتقات النفطية.. ولقد زاد من ذلك عدم اتخاذ إجراءات مرافقة فورية كـ (معادل) لذلك الإجراء، يعطي أملاً في عدم السير باتجاه تآكل الطبقات الوسطى والدنيا، في ظل تقارير مخيفة تفيد بازدياد حالات الفقر على نحو مفزع، فضلاً عن ارتفاع مخيف في عدد العاطلين عن العمل، إلى جانب ازدياد حالات الانفلات الأمني في معظم المحافظات، وهو ما جعل المتشددين يظهرون من جديد على نحو لافت، ويقتلون باسم الله، وباسم الإسلام!!

وإزاء ذلك، إلى جانب عدم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، المفترض بها وضع اللبنات الأساسية لبناء الدولة المدنية الحديثة، بدا واضحاً أن اليأس راح يقود كثيرين إلى البحث عن طريق جديد يعطيهم (الأمل) بالانتقال صوب المستقبل - الوجهة التي تعيد لهم وإليهم معنى الحياة بمعزل عن واقع لم يعد ممكناً التعامل معه أو العيش فيه. ولقد كان كتاب "الطريق الثالث - تجديد الديمقراطية الاجتماعية" لأنتونى جيدنز خير معين كفكرة تعطي كثيرين ذلك الأمل للعبور إلى المستقبل المنشود.. غير أن عدم وضوح الهدف، ومرجعيته سرعان ما جعل كثيرين يختلفون من البداية حول ماهية هذا الكيان للسير به صوب المستقبل.

من الواضح أن اليأس قاد كثيرين إلى رد فعل حماسي، متحفز على نحو جلي، بحيث جعلهم يتغاضون عن (تحديد الفكرة بوضوح)، والهرولة بسرعة كبيرة نحو تكوين حزب من طراز جديد، وهو ما أدى إلى نشوب جدل حول (مرجعيته وأهدافه وتقاطعاته) مع الأحزاب الموجودة في الساحة على كثرتها.. وبالتالي؛ التساؤل المنطقي عن رؤيته لدستور الدولة المنشودة.

ثمة من راح يعتقد أن الطريق الثالث الذي يؤدي ببساطة إلى استخلاص المستقبل ينطلق من أن "الدولة الحديثة هي تلك الدولة التي تنبع سلطاتها من الشعب.. هذا التعريف الحاسم يجعل الجدل على طريقة: علمانية، إسلامية... إلخ، جدلاً معتقاً ـ غارقاً في الضلال والسطحية".

بدا واضحاً من هكذا اعتقاد أن عدم وضوح الرؤية غير مهم بالنسبة إلى من يريد تكوين هذا الحزب؛ فالسرعة في تكوينه الآن هو الهدف المراد تحقيقه، حتى ولو أدى ذلك إلى وضع (عدة مفاهيم متناقضة) في سلة واحدة.

إنّ وضع مفاهيم تحمل مدلولات مختلفة في سلة واحدة مثل: ديمقراطية وإسلامية وعلمانية، واعتبارها جدلاً معتقاً ـ غارقاً في الضلال والسطحية يشبه وضع عدد من الفواكه المختلفة المذاق والطعم واللون والرائحة في خلاط واحد، بحيث يعتقد صانعه بأنه سيجدي نفعاً، مع أنه لا يحدث إلا في حالة واحدة - ولو مجازاً - بحيث يكون الناتج: عصير فخفخينة!

من البداهة في الوضوح القول إن الإسلام ديانة، ويماثلها المسيحية واليهودية، في حين العلمانية ليست كذلك، أي ليست ديانة، فالعَلمانية تعني اصطلاحاً فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية، وتعني أيضاً عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين، أو تقليد معين.

إنّ الدولة التي تنبع سلطاتها من الشعب يتم تعريفها بالدولة الديمقراطية، وكما هو متداول؛ فإن الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين.. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تمكّن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي.

إنّ الاعتقاد بأن (أي جدل خارج الديمقراطية هو جدل ينتمي، بالضرورة، إلى العصور الوسطى، وأن الجدل "الإسلامي العلماني" هو جدل مستورد، ليس مستورداً من أوروبا، بل من حقب ما قبل اختراع آلة الطباعة)، كما يذهب الساعون إلى تكوين الحزب المشار إليه بعاليه، إنما يعطي انطباعاً بأن الديمقراطية تنتمي إلى العصر الحديث، وهذا اعتساف للحقيقة وتسويق دعائي لعصير "الفخفخينة"، ذلك أن مصطلح ديمقراطية مشتق من المصطلح اليوناني δημοκρατ?α (باللاتينية: d?mokratía)، ويعني "حكم الشعب" لنفسه، وهو مصطلح قد تمت صياغته من شقين δ?μος (ديموس) "الشعب" وκρ?τος (كراتوس) "السلطة"، أو "الحكم" في القرن الخامس قبل الميلاد، للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية، وخاصة أثينا؛ في حين يعتقد إسلاميون متشددون أن الديمقراطية (نظام طاغوت).

يقول الشيخ الإسلامي عبدالمنعم مصطفى حلية: "وردت فتوى لبعض أهل العلم المعاصرين في الديمقراطية، جاء فيها قولهم: الديمقراطية عند واضعيها ومعتنقيها: حكم الشعب نفسه بنفسه، وأن الشعب مصدر السلطات جميعاً، وهي بهذا الاعتبار مناقضة للشريعة الإسلامية والعقيدة"، ولذلك - طبقاً للشيخ حلية - فـ"الديمقراطية والإسلام نقيضان لا يجتمعان أبداً، إما الإيمان بالله والحكم بما أنزل الله، وإما الإيمان بالطاغوت والحكم به، وكل ما خالف شرع الله فهو من الطاغوت".  

إنّ وضع الخارجين من أحزابهم الإصلاحي والاشتراكي والناصري والمؤتمري والحوثي والرابطي... الخ في سلة الحزب الواحد الجديد، دون أن يقدموا استقالاتهم من أحزابهم، عمل عبثي لا طائل منه، لسبب جوهري يعود إلى اختلاف مرجعية كل واحد منهم، بغض النظر عن القول بأنه "سيتبنى خطاباً وطنياً وجودياً حول الدولة والديمقراطية والعدالة"، طبعاً إذا ما تركنا جانباً رافعي راية شعار دولة الإسلام هي الحل.!!

لذلك اعتبار العلمانية غرقاً في الضلال والسطحية، مؤشر خطير في كون أن الساعين الى تكوين حزب الطريق الثالث لا يعون بالضرورة ماهية أهدافهم، ولا كيف سيحققونها، إذ لا يستقيم تكوين حزب ما بدون مرجعية واضحة، فضلاً عن كون العلمانية لا تعارض أي دين، بل تتولى الدفاع عن كافة الأديان وتضمن ممارستها. إنّ العلمانية ببساطة تعني فصل الدين عن السياسة وتتكفل بضمان حقوق جميع القوى، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية والطائفية والعرقية، وألوانهم وأجناسهم.

العبور إلى المستقبل يحتاج إلى وضوح في كل خطوة يمكن خطوها من العابرين، لكن قطعاً لن يتم الأمر كما ينبغي بعصير "فخفخينة"!!

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص