آخر تحديث :الاربعاء 27 نوفمبر 2024 - الساعة:00:30:02
الشحاذة بالكلاشنكوف
عياش علي محمد

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

بعض الأكابر الذين بدأ يطحنهم الدهر، يتنازلون لمن هم أقل مرتبة اجتماعية منهم فيطلبوا الفضيلة، ولكن بالطريقة التركية فيقولون لهم (أعطِ سيدك صدقة) وكأنه يؤكد مستواه الاجتماعي العالي لمن يمد له اليد طلبا للصدقة، ولا ضير في ذلك فالحسنة تجوز حتى على راكب الخيل.

ورحم الله الهنود الذين بجّلوا مهنة التسول وأعطوها قدرا من التعظيم حين بنوا لها تمثالا لرجل أشيب يحمل على كفه صفيحة معدنية لتلقي الفضيلة، كجزء من الواجب الإنساني في مساعدة الأخ لأخيه.

أما في بلاد الغرب فإن متلقي الشحاذة فنان، يحمل معه قيثارته، أو جيتاره, فيعزف لك مقطوعات موسيقية ثم يمد يده أو طاقيته لطلب الصدقة منك، دون أن يعطي انطباعا بأنه يستجدي الناس دون وجه حق.

لكن الشحاذة في اليمن فاقت كل التصورات، فالشحاذ يطلب الصدقة وهو يحمل على كتفه بندقية كلاشنكوف يطلب الإحسان وفوهة البندقية موجهة إلى نحرك، وكأنه يمثل السيد التركي الذي يقول (أعطِ سيدك صدقة) ولكن مع الاختلاف بينهما أن الأخير يحصل على الصدقة تحت تهديد السلاح.

كل واحد يحمل بندقية يرى في نفسه أنه الحاكم بأمره، وهو السلطة في ذلك الموقع ودونه مجرد حيوانات بشرية تؤمر لتطيع الأمر، وفي ظل منهج الشحاذة عندما تغيب المفاوضات حول شرعية طلب الصدقة المدججة بالسلاح، سواء أكان طالب الصدقة مواطنا مدنيا أم مواطنا لابسا بزته العسكرية أم قبيليا سد طريق المارة طلبا للإحسان المهدد بالسلاح، وكم ضحايا ذهبوا ضحية هذا النوع من طلب الشحاذة.

وأصبحت الشحاذة مهنة متعددة الجوانب، يزاولها القوي على الضعيف وصاحب العمل على الزبائن، والمفاوضون الحكوميون على الشركات المحلية والأجنبية، كما يزاولها المزيفون الذين يتظاهرون بأنهم رجال أعمال ثم يكتشفون أنهم مجرد شحاذين عندما يسافرون إلى بلدان غنية.

ولماذا نعيب على الشحاتة ودورها السلبي في الحياة، إذا الرجل الرسمي في الدولة يظهر في مفاوضاته مع مفاوض آخر من إحدى الدول المانحة، الرجل الطالب للمنحة المالية يلبس آخر تلقيعة من اللباس الأوروبي بينما الواهب لهذه المنحة لا يلبس سوى بذلته السفاري العادية.

ولماذا نبخس الشحاتة حقها، ومشروعية اللجوء إليها في آخر المطاف، إذا كان معدل دخل الفرد في اليمن لا يتعدى دولارين في اليوم، بالكاد تكفيه لمدة أسبوع، أما بقية الأسابيع فهو يستهلكها في الشحاذة.

 والشحاذة أصبحت مهنة مدرة للمال، وأصبح لها اساطين يتحكمون بسوق التسول، وللشحاذة شروطها وهوياتها والذي يحاول الدخول في هذه المهنة يلتزم بمبادئها التي تجعل الراغب في الدخول فيها، يتبرع بأحد أجزاء جسمه كي يدر العطف وينتزع المال منهم بحجة الإعاقة، والمستفيد هو مدير أعمال الشحاذة.

ولا يستطيع نفي مقولة أن أصحاب الكراسي العليا في الدولة لا يزالون هذه المهنة، فالأشراف في المكاتب التنفيذية والتشريعية والقضائية لا يستطيعون أن يتخلوا عن ملح الحياة (الشحاذة) فالرواتب العالية التي يتقاضونها لم تمنعهم من مزاولتهم لهذه المهنة، فالرواتب العالية لم تنه الفساد ولم تقض على الشحاذة حتى في عدد من دول العالم.

حتى في دولة من شرق افريقيا يتقاضى أعضاء مجلس نوابها كل واحد منهم مبالغ تقدر بـ 13000 دولار للفرد شهريا ورغم ذلك فلا زالت الشحاذة منتشرة فيها والفساد مستفحل فيها.

والشحاذة منتشرة إذاً بشكلها السلمي وغير السلمي فاختاروا أيهما أفضل.. فلا يمنعك القانون من مزاولة هذه المهنة.. وحتى إذا منعك القانون من مزاولة ذلك فالعادة المتبعة والتقاليد ستتغلب على أي موانع قانونية أو دستورية.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل