آخر تحديث :الاثنين 14 اكتوبر 2024 - الساعة:22:25:14
سياسة إفقار الجار الجنوبي
عياش علي محمد

الاثنين 00 اكتوبر 0000 - الساعة:00:00:00

عندما توصلت كوريا الشمالية إلى تكنولوجيا السلاح النووي، وقامت بتجارب عدة في إطلاق الصواريخ قريبة وبعيدة المدى، أثار هذا التصرف تحفظ الولايات المتحدة!.. فقرر (البنتاجون) ضرب المفاعلات النووية لكوريا الشمالية، ولما علم الكوريون الجنوبيون بخطة أمريكا لضرب السلاح النووي لجارتها الشمالية، نظموا حملة استنكارات واسعة تندد بهذه المحاولات الإجرامية، وكتبوا شعارات تساند جارتهم الشمالية وتمجد السلاح النووي لكوريا الديمقراطية على أساس أنه منتج كوري، أبدعه العقل الكوري ـ سواء أكان شمالياً أم جنوبياً ـ يكفي أنه سلاح الهوية الكورية، ورفضوا أن يمس هذا المنتج الكوري، رغم ما دار بين الكوريتين من حروب ومن خلافات ايديولوجية بينهما!!

أما اليمن؛ وبعد الحرب الضروس على الجنوب في صيف 94، تم هدم المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية والخدماتية في الجنوب، ومارست تلك الحرب إفقاراً شديد الوطأة على الجنوب حتى يتحول الجنوب إلى صحراء خالية من الموارد الإنسانية والاقتصادية والمالية!!

والمواطنون في الشمال اليمني ليسوا كمواطني كوريا الجنوبية، الذين رفضوا أن تتحطم أسلحة النظام الكوري الشمالي.. بل ظلوا صامتين صمت القبور، ولم يحركوا ساكناً إزاء سياسة إفقار الجنوب وضرب مؤسساتهم الاقتصادية والخدماتية والمالية، ولم يرفعوا أصواتهم، ولم يقيموا الاحتجاجات ضد سياسات الإفقار المنظم للجنوب!!

لقد حقدت الحرب على الجنوب لأنه تحققت في الجنوب ثورة تعليمية أنتجت كوادر علمية وفنية واقتصادية، مستغنية عن أية خبرات أجنبية في معظم المجالات التي تطلبها النمو الاقتصادي في الجنوب.. وانتشرت في الجنوب النشاطات: الفكرية، الثقافية والفنية، وتوسعت مداركها وشاركت في المهرجانات الدولية، ونالت حظاً وافراً من الشهرة وإثبات القدرات الذاتية في تلك المجالات.

أما في المجال العسكري؛ فحدث ولا حرج، فقد تخرجت في هذه المدرسة العسكرية معظم القيادات الميدانية والاستراتيجية في مختلف القطاعات العسكرية، وأصبحت خبراتها تطاول العديد من الدول، لأن المدرسة العسكرية الجنوبية استفادت من العلوم العسكرية التي كانت تدرس في الأكاديميات العسكرية في معظم بلدان شرق أوروبا، وكذلك من الدول العربية المتقدمة عسكرياً، وفادت واستفادت منها.

واليوم؛ الجنوب فقير في موارده البشرية بعد أن سرح العديد من الخبرات، وأصبحوا رهن الشوارع والبيوت.

إن سياسة إفقار الجار سياسة غير إنسانية تهدف إلى شتات الجار، وإفقاره، وتخطط لإنهاكه وتشديد الخناق عليه, ليس فقط في المجالات التي ذكرتها آنفاً، بل في مجالات أخرى، فالضرائب التي تجنى من الجنوب تكون مرساها الأخير في الشمال، ولا تدور هذه الضرائب على شكل (وفورات) للجنوب للقيام بأعمال تساعد على تشغيل الشباب العاطل عن العمل، ولا تعمل تراكمات لبناء اقتصاديات تحتاج إليها المدينة (عدن والجنوب).

وكل شيء يفيد الجنوب، لا يبقى في الجنوب، بل يصدر إلى خارجه، فطيران (اليمدا) ـ المملوك للدولة 100% في الجنوب ـ تم مصادرته والقضاء على مؤسسة طيران مهمة، ومشهود لها بالنجاح، التي كانت ستخدم الاقتصاد اليمني برمته ـ بحكم الأرباح التي حققتها من سفراتها على الخطوط الدولية .. وسياسة الإفقار جعلت من شركة الطيران اليمنية التي لا تملك إلا أقل من نصف حصتها فيها، تكون هي السائدة، بينما طيران (اليمدا) تنتهي من الوجود، وتنتهي معه ورشات إصلاح الطائرات ومكاتب (اليمدا) في معظم دول العالم، حتى مطابخ (اليمدا) بمطار عدن الدولي ـ التي تعد الوجبات للمسافرين ـ انتهت مع انتهاء (اليمدا)، ولا تجد اليوم في عدن سماء مفتوحة للطيران، ولا توجد طائرات رابضة في مطار عدن، ولا حتى سلالم الطائرات .. هل هذه سياسة تساعد على بناء الثقة بين الشمال والجنوب؟!

ونالت السفارات الجنوبية في الخارج المصير نفسه لمكاتب (اليمدا) في الخارج؛ فتم بيعها، واستعيض عنها بسفارات مؤجرة في سياسة للإفقار.

واليوم؛ بواخر مصافي عدن مهددة بالبيع لتحل محلها بواخر مستأجرة، فتباع الأصول المتعلقة بالدولة وتحل محلها بواخر بالإيجار .. هذه السياسة قصيرة النظر، وخاطئة من الأول وعلى طول الخط!!

الأصول المملوكة للدولة تكون رافداً قوياً في تغطية (العجوزات) في ميزان الدولة العام، وتعمل على تعديل في ميزان المدفوعات بالنقد الأجنبي، وتساعد على سد العجز المستديم للاقتصاد اليمني.

هي سياسة الإفقار التي لا تزال جارية على الكادر الجنوبي، وموارده وأصوله, لهذا؛ اليمن لا تزال تعيش عجزاً مستديماً.. والسبب هو سياسة الإفقار للجار الجنوبي، ابتداءً من البحر (الأسطول السمكي) الذي انتهى من الوجود، ومروراً بالجو (أصول طيران اليمن الجنوبي)، وانتهاء بالميناء الذي قدم لموانئ دبي كرشوة، لإبقائه متخلفاً عن الموانئ الأخرى، رغم أن الموانئ هي القوة الربحية التي تدفع باقتصاد الدولة نحو الازدهار.. فالصين بدأت نهضتها الاقتصادية عن طريق الاهتمام بالموانئ.

متى ينتهي الإفقار الموجه لموارد الجنوب؟ ومتى يعاد النظر في سياسة الدولة تجاه الجنوب بالحفاظ على موارده وكوادره وأصوله؟.. إن سياسة الإفقار لن تنتج أية فائدة للشمال على الزمن الطويل، ونعتقد؛ إذا ظلت السياسة المتبعة نحو الجنوب تقوم على الإفقار للجار، فسوف تنتهي هذه السياسات إلى جعل (الشمال) عالة على اقتصاد الجنوب، وستكتفي (صنعاء) بإرسال الحكام والمدراء القادرين على تنفيذ سياسة الكسب غير المشروع!!

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص