آخر تحديث :الخميس 11 يوليو 2024 - الساعة:21:14:46
(واطمبشي عاده عشي) ....يا (زهرة)
علي صالح محمد

الخميس 00 يوليو 0000 - الساعة:00:00:00

قبل أيام شاهدت صورة لمحافظ إحدى المدن الأمريكية وتسمى (شيكاغوا) وهو يجلس في حافلة نقل عام، وبجانبه جلست امرأة كانت تجري محادثة هاتفية تشكو فيها حالها ومرادها للحصول على وظيفة،  فأخذ منها الهاتف وأعطى التوجيهات لحل مشكلتها، وحين عرف الركاب الآخرون بأنه الحاكم سألوه عن سر ركوبه إلحافلة مع العامة، فأجاب : هكذا أستطيع أن أتعرف على مشاكل الناس، أما إذا كنت في سيارة مغلقة ومعتمة فلن أرى مشاكل الناس على حقيقتها، وعندها لن أتمكن من أداء مهام عملي كما ينبغي .

 وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد  صادف قبل أيام أنني كنت متوجها  بسيارتي نحو مدينة المعلا، مستخدما مساري بكل هدوء وطمأنينة، ولولا لطف الله لكنت وغيري ضحايا حادث بسبب عدد من الآليات العسكرية (الأطقم) المليئة بالجند المجهز و المدجج بأنواع السلاح الخفيف والمتوسط  حتى  الدوشكا، كانت تسير خلفي بسرعة جنونية و تطالبني  عبر استخدام (الهون) المزعج، وليس  (الونان)  لكي أخرج عن خط سيري إلى الخط الآخر الذي كان حينها مشغولا بعربات أخرى، وبعد أن أفسحت لها المجال -معتقدا أنها أطقم متجهة لتنفيذ مهمة قتالية عاجلة   - اكتشفت  - بعد تجاوزها - أنها أطقم حماية لموكب السيد المحافظ   الراكب حينها سيارة بيضاء معتمة، و كان وقتها متجها لمبنى إدارته ،  والتي كادت أن تتسبب بحادث آخر أمامي بسبب فوضى الازدحام  المروري، لينتفض الجنود المرافقون من فوق الآليات لفتح الطريق   بحركة انتشار قتالية باهرة لفتت الانتباه وأدهشت كل من كان في الموقع، حد التندر حين فقد أحد الجنود وهو يجري لاسترجاع البطة العسكرية التي سقطت من على خصره النحيل ، في منظر دراماتيكي محزن يلخص حال وصور البؤس والعنجهية  في آن.  

 عندها زارتني بسرعة مشاعر الإشفاق على السيد المحافظ  من واقع معرفتي،  بوصفه مهندسا اتسم  بالمدنية كمهندس خريج ألمانيا، وأصبح منذ توليه منصب المحافظ يعيش بين أسوار الرعب والخوف التي  صنعوها بأفعالهم وممارساتهم ، وهنا حضرتني مقولة خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز (63 - 101هـ) حين  كتب إليه أحد عماله (ولاته) يطلب منه أن يُقطعه مالا (أي يحدد له ميزانية) لترميم المدينة التي يتولي أمرها, ويبني حولها سورا يحصّنها به. فكتب إليه الخليفة عمر بن عبدالعزيز ردّا يقول فيه «...بل حصّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم..».

وفي الوقت ذاته (قفزت) إلى ذهني صوره محافظ شيكاغو السيد (كام ايمانويل) ، وإلى جانبها صورة لرئيس وزراء بريطانيا المستر (براون) وهو يستخدم الميترو ويقرأ جريدة، وهو الذي زارت ملكته مدينة عدن في عام ???? لتقضي شهر العسل فيها وإذا بها تقضي شهرين، وايضا لصورة رئيس  وزراء هولندا مع بعض وزرائه وهم يركبون (السياكل) متوجهين الى موقع العمل، أخذت  أقارن بين تصرف صاحبنا، و تصرف  حاكم الولاية التي يبلغ اقتصادها مجموع اقتصاد بلاد العرب مجتمعة، وتصرف زعماء كل من بريطانيا وهولندا.. (لا وجه للمقارنة طبعا) وإلى هنا كانت المقالة.

ولم ينقض أسبوع  حتى تعيش عدن ومدينة التواهي الميناء التاريخية  ، يوما أسود جديد ، ملطخا بالدم و البارود، ودوي قاذفات الدبابات وأزيز الرصاصات بأنواعها، مليئ بالقتلى والجرحى مدنيين وعسكريين حتى الابرياء لم يسلموا من الأذى،  ليعم الفزع في النفوس، والدمار للأمكنة، والانتهاك  والترويع لحرمة وسكينة السكان القريبين من الحدث أولئك الآمنين في منازلهم،  إثر اقتحام بضعة مسلحين مقر القيادة العسكرية  للمنطقة الجنوبية بكلها!

ولم تكد تهدأ نفوس سكان المدينة حتى تفجع وتفزع في اليوم التالي على صوت  انفجار وصراخ زهرة بشرية ترددت اصداؤها في جنبات الصخر والبحر واستنكرتها مسامع البشر، لأنه تم استهداف امرأ اسمها زهراء صالح حين تعمد معدومو الضمير والانسانية قتلها وهي تركب حافلة نقل عامة برمي قنبلة، لتصيبها ومن كان بجانبها بإصابات خطيرة. والأنكى   من هذا العار أن يدعي أحدهم أن الزهرة هي من حملت القنبلة لتفجر نفسها!

أمام هذه الصور المتلاحقة  المتسارعة المتزاحمة المحزنة المزعجة القاتمة، المتناقضة، وهذا الانحدار الأخلاقي والأمني ، المريع،  يبرز السؤال عن سر الجاهزية الامنية العاجزة أمام ما يسمونهم (القاعدة) والجاهزة  لقتل (زهرة) أزعجتهم بل وأعجزتهم .

وأنا في هذه الحال  من التأمل والحيرة اذا بصوت آت من بعيد يحمل الأسى ويردد  على مسمعي (واطمبشي عاده عشي والصبي ما رقد شي)، واذا بالصوت الآخر يرد (يا قافلة عاد المراحل طوال وعاد وجه الليل عابس)  وإذا بزامل شهير يردد هو الآخر  : 

خرجــــنا من نكد وانه تلقانا نكــد = وان النكد من حيث ما جينا يلاقينا

لكن الخالدي قام ليقول :

الخالدي قال شائف من ذل شل الفساله

والعافية من بغاها ما باتجي بالسهاله

وحق بعده مطالب ذي بايواصل نضاله

ما يعتبر حق ضائع غطت عليه الجواله

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص