
عندما ننظر الى توزيع ثروات الجنوب الباطنة والضاهرة بين محافاظاته، فأن نصيب الضالع من تلك الثروات هو مخزون الرجولة والعزة والكرامة، فليس فيها نفط ولا ذهب ولا جزر ولا موانئ، لا اقول هذا الكلام من باب المناطقية، لكن هذا ما اثبتته وتثبته الحرب القائمة، التي تقدم فيها الضالع خيرة ابنائها في معركة الوطن، حيث ابت وعلى مر العصور تابى الضالع ان تكون بوابة عبور لكل انواع الاستعمار والغزو العرقي والديني والفكري مرورا بالعثمانيين، والبريطانيين والائمة السابقين واللاحقين ومن سيلحقهم الى يوم الدين، فكانت الضالع كما هي الان الجدار الفولاذي، الذي تتحطم عليه امال كل من يسعى لاحتلال الجنوب.
الكرامة والعزة في الضالع، تاتي متائمة مع كل طفل يولد على ارض الضالع الجنوبية، يستسقيها مع حليب امه، يستنشقها بين هوائها، ينهلها من ينابيعها. في الضالع فقط اصبح الموت من اجل الوطن منصب يسعى اليه الاطفال قبل الكبار، فقد رأينا في مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي لطفل لم يكمل عامه الخامس وهو يبكي بعد ان منعه والده عندما اراد الذهاب الى الجبهة وهو يقول له: سيقتلونك هناك. فيرد عليه : اريد ان اكون شهيدا! يا الهي!. وطفل اخر صنع من العابه جعبة وذخيرة وسلاح، في صورة يحاكي فيها واقع الضالع.
ما جعلني اكتب اليوم فخرا وليس مناطقية او انتماءا لها، فقد راى الجميع كيف ان الضالع تقاتل باسم الجنوب وعندما تحرز نصرا لا تنسبه لنفسها، بل للجيش والقوات الجنوبية. ماجعلني اكتب اليوم هو موقف حصل مع طفلي الذي بلغ للتو عامه الثالث، عندما كان يلهو بالعابه في ركن الغرفة بطمأنينة تامة، بينما كانت تاتي اصوات اطلاق اعيرة نارية من مكان بعيد، وقد سمع جدته تتسائل: يا ترى من اين تاتي هذه الاصوات؟؟؟! حيث رد عليها بكل ثقة وهو منهمكا باللعب: هولا صحابنا يا جده!! اي اطمئني فهناك من وهبوا انفسهم دفاعا عنا وعن الدين والارض والعرض. فقد غرست الضالع هذا الانطباع وهذا الثقة ليس فقط لدى ابنائها، لكن لدى كل ابناء الجنوب، حيث وصلنا الى قناعة تامة انه لن ياتي من هناك الا النصر، حتى انه لم يعد هناك اهتمام او قلق لما يجري في الضالع.
عندما نتحدث عن الضالع، فاننا نتحدث عن عزة وكرامة شعب اختزلت في اهل الضالع، يقاتلون فقط من اجلها، ليس في قاموسهم الاسترزاق ولم ينتظروا او يستجدوا الدعم من احد. فعلى مدى 20 عاما قاتلوا وقارعوا قوات نظمام عفاش باسلحتهم، التي قاتلوا بها من سبقه ومن لحقه، رايناهم يشترون الذخيرة من حر اموالهم، حتى كانت تتوفر معهم من مخزن او مخزنين رصاص يذهبون فيغيرون بها على موقع او نقطة ويعودون الى بيوتهم واعمالهم في المدينة والارياف. اهل الضالع لا يعرفهم الكثير ، وهم لا يعرفون ولا يسمعون الا نداء الواجب، يلبونه ثم يعودون الى مواقعهم، وهم دائما على استعداد للذهاب الى ابعد نقطة كي يلبونه. هنا احب ان الفت الانتباه الى التجاوزات، التي تصدر عن بعض من ابناء الضالع في عدن وغيرعدن، كالبسط على الاراضي مثلا، فذلك يدخل في باب الفساد، الذي ينخر في العالم كله ويتواجد في اعلى هرم لارقى الانظمة الاوروبية و الغربية، التي مر على خروجها من عصور الظلام قرون. نعم فلا احد يدعي الكمال فهو من صفات الله سبحانه وتعالى وحده.
قد يختلف الناس في الضالع في مابينهم على ساقية ارض، لكن هذه الخلافات سرعان ما تنصهر وتذوب عندما يشعرون بالخطر يهدد وطنهم، فهنا هم لا يختلفون ولا يساومون، وستجدهم كتف الى كتف في مترس واحد كل منهم يحمي ظهر الاخر. حتى الحزبية تتلاشى، فقد خرج اعضاء الاحزب من ابناء الضالع لقتال رفاقهم القادمون للغزو من الشمال. هذه هي الضالع.