
ما ان هممت بوضع القلم بين اصابع يدي وطوعته لصب المداد والكتابة عن ما يجوش بخاطري كانت هناك فكرة تخالجني بل تتبادر وتتوغل بدواخلي وتقتحم مفكرتي ومداركي، هذه الفكرة هي سرد مقال عن الحواشب وتاريخ هذه البلدة العظيمة المباركة من ارض الله الزاخرة جوداً وسخاءاً وعطاءاً للوطن، فلا يمكن ان يمر او يتجاوز هذا المقال محطة الشهداء ومقامهم المهيب، فالمسيمير الحواشب عاصمة شهداء الجنوب بحاجة الى وقفة لإستنهاض تاريخها المدفون والمهمش عن قصد او دونه والذي للأسف اصبح الكثير من دخلاء ولصوص الثورات جاثمين عليه بهدف وئده وطمسه وعدم إظهاره للملاء خوفاً من ان يفقدوا مصالحهم ومكاناتهم الزائفه ومقاماتهم المصطنعه، فعلى قدر الحدث وضخامته ورفعته بمختلف الاصعدة والمستويات يبقى للحواشب اسماً لامعاً وقدماً عليا ومكانة مرموقه في الخارطة النضالية الجنوبية رغم انف الحاقدين، وقد سجل ماضياً ويسجل حالياً وسيسجل التاريخ مستقبلاً مواقف الشرفاء وسوف يزيل تلك الدمى الصوريه والشكليه من على صدر صفحاته عما قريب، الحواشب اثبتوا للعالم اجمع انهم رجالاً اشاوس اذا حن الحنين واذا دنت ساعة النزال، فهم من سخرهم الله لصنع الملأحم وانجاز المستحيلات وهم الوحيدون وقت المحن والشدائد وانقطاع السبل من يقفون في وجه الظلم والظالمين، وهم من فقط من يتصدون بصدور العارية لزحوفات الغزات وتوغلات الطغاة دون خوف او فزع او تقهقر وتزحزح، ابناء الحواشب فقط هم من يحسب لهم الاعداء الآف الحسابات بمضمار المواجهة في ميادين البطولة، وهم وحدهم دون سواهم من قطعوا العهود والمواثيق على انفسهم بان ينصروا الحق ويزهقوا الباطل ويناصبوا العداء لإعداء الله ورسوله وصحابته الأكارم.
اهل الحواشب هم قوماً أهل شجاعة وشهامة ونخوة وإباء يأبون الضيم وينصرون المظلوم ويكرمون وفادة ضيوفهم بحسب معيار الإستضافة، قوماً يجترحون بطولة تلو اخرى وإنجاز عقب آخر في ميادين مثلى لا تطئها الا اقدام الشرفاء والنبلاء الاعزاء الاكارم، قوماً يملكون افئدة فولاذية واكباداً صلبة لاتخاف ولا تهاب مخلوقاً في سبيل الخالق، فقد سجلت الحرب الأخيرة وماتزال تسجل لإبناء حواشب المسيمير بمحافظة لحج انصع مواقف السمو والرفعة، واثبتت تلك المواجهات مع امتلاك الحواشب نضجاً ووعياً ثورياً ونضالياً متوهجاً ومخزوناً فكرياً وثقافياً وسياسياً جعلهم محط انظار الجميع، وبهذا القدر الكبير من الوعي الخلاق والراقي استطاع ابناء الحواشب رسم معادلة نضالية وثورية وسياسية جديدة ومهروا تلك المعادلة بدمائهم وارواحهم وارشفوها في معجم أحرار شعب الجنوب العظيم، ابناء الحواشب برجولتهم وشهامتهم ونخوتهم قادرون وفي اي وقت على احداث تغييراً في معالم وصورة الوجه الثوري والنضالي وحتى السياسي والثقافي للبلد متى ما اتيحت لهم الفرصة لذلك، فقد ظل ابناء الحواشب ومازال على مر العصور ارقاماً صعبه في كل المراحل والمواقف لا يمكن تجاوزهم رغم حالة التهميش والحرمان المفروض قسراً عليهم من قبل بعض الجهات المتلصصه التي تصطاد دوماً في الماء العكر، ظلت الحواشب وما زالت في كل المراحل والمنعطفات التاريخية لها الوجود المؤثر في نضال شعب الجنوب، فهذه البلدة العظيمة قدمت خيرة شبابها فداءً لهذا الوطن وفي طريق رسم ملامح النصر المؤزر الذي يتحقق له على كافة الأصعدة والمستويات، ترجم ابناء الحواشب كل تلك المحطات المضيئة من خلال مواقفهم البطولية وتضحياتهم الجسام فقد كانوا ولا زالوا وقوداً لإشعال الثورات الجنوبية المباركة الرافضه للخنوع والإستكانه، اوقدت دماء الحواشب جذوة الثورة في نفوس جميع ابناء الجنوب وهي من قادت الجنوب ماضياً وحاضراً للجلاء والتحرر والإنعتاق من كل انظمة الطغيان الرجعية الكهنوتية وكان آخرها طرد جحافل الملكية والإمامة اليمنية من ارض الجنوب عندما وقت بشر اعمالها لحظة اجتياحها وغزوها هذه الأرض الطاهرة، فمن تلك الملحمة الوطنية الكبيرة التي اجترحها ابناء حواشب المسيمير تمخضت المعطيات الثورية وتولدت التفاعلات على ارض الوجود الثوري في كافة اصقاع معمورة الجنوب الحبيب، ابناء الحواشب برزوا كظاهرة ثورية فريدة وجهادية نادرة لا يمكن تكرارها في بقية بقاع العالم، وهذه الظاهرة الثورية الفريدة من نوعها تحتاج لمن يتمعن ويبحث في افرازاتها واسبابها، وامام تلك الملاحم الأسطورية التي اصطنعها ابطال هذه المنطقة يقف العالم مبهوراً وفي حالة ذهول وتعجب، فتلك الظاهرة التي تؤكد استبسال وشجاعة وإقدام شعب الحواشب وحبه للتضحية والفداء بحاجة الى ان يستفيد منها العالم وهذه الظاهرة الأعجازية للشجاعة والإقدام يجب ان تدرس لأجيال العالم وان يتم تداولها في اكبر اكاديميات وجامعات العالم حتى تستفيد شعوب العالم قاطبة وتستلهم اعظم الدروس والعبر من صبر وشجاعة وجسارة الحواشب وتقتدي بتضحياتهم وتحذوا حذوهم خصوصاً تلك الشعوب التواقه للحرية والعزة والكرامة، ومن هنا اود ان يشاهد العالم هذا العنفوان الحوشبي المهيب وعشمنا في ذلك كبير في كل اصحاب الفكر وحملة الأقلام ومشاعل التنوير بان يقتفوا أثر هذه البطولات ويعملوا على رصد سيرتها المضيئة ومسيرتها العطرة حتي يواكبوا ما اجترحه ويجترحه صماميم الحواشب تلك النخب المشتعلة ثورة ونضالاً التي انارت واضاءت ساحات الخلود او تلك التي لاتزال توغل في مآثرها الخالدة هنا وهناك وذلك بإن تعمل على إظهارها وإبرازها في حيز الوجود الذي يفترض ان تكون فيه، ورغم اليقين التام بان الساحة اضحت مكشوفة ومرصودة على الاقل لمن يهمه نبش مناقب العظماء او تتبع بصماتهم والبحث عن أسهاماتهم والإستفادة من ما سطروه من دروس وعبر في التضحية والفداء والسير في خط مسارهم ونمط حياتهم وهذا هو ما نتمناه ونرجوه، واليوم الكل يراهن على هذا الزخم الثوري الهادر لأبناء الحواشب القادرون على فرض معادلات الواقع المعاصر والجديد بما يريدوه واحداث المعجزات وفعل المتغيرات ومن خضم تلك الوقائع الحية يجب ان يقف العالم بأسره موقف الإجلال والإكبار لبطولات الأفذاذ من صفوة الرجال والكوكبة المضيئة من الأبطال الحواشب النجباء الاحرار لكون ما تركوه من أرث من الظلم ان لا يخلد او يدرس في اعظم مراكز البحوث واكاديميات العلم، ومن هنا ننادي كل من تفتقت مداركه وتمخضت افكاره من رحم هذه الأوضاع المعاشه بإن لا يصبح منبطحاً بمبادئه يبيع قيمه وثوابته مقابل حفنات من زوائل وحطام الدنيا ومن منطق موارب لتوجهات البعض الفضفاضه والعتيقة نقول عليكم يا هؤلاء ان تعلموا وتفهموا وتدركوا ان لا مكان للمزايدة وللقفز فوق ارصدة الاخرين وانجازاتهم وبطولاتهم فمزبلة التاريخ تنتظر لإلتقاف امثالكم من المتطفلين على عطاءات الآخرين فالحواشب التي تقللون من شأنها وهي من انجبت رعيل المجاهدين والمناضلين والشهداء لا تضمحل بترهاتكم الهستيرية بل تقف وبثبات تام مستمدة كبريائها بفضل ابنائها رواد الفعل الثوري المتوهج المعاصر، وابناء الحواشب هم في قمة مرتبة مناضلي وثوار الجنوب الذين حجزوا لوطنهم العريق هذه المكانة المرموقة، وهم من جعلوه يربوا في طليعة ترتيب المناطق الجنوبية المحررة من دنس المحتلين، فهذه البلدة المتأصلة بعبق هذا الأريج والزهو الثوري المتجدد والتاريخ المشرف تستلهم عظمتها وقوتها وصلابتها وعنفوانها من عظمة وشموخ جبال مشيقر ووروه الأشم بعيداً عنجهية وغطرسة الاغبياء ممن يجهلون تاريخ الاسود الحيدرية الكاسرة ورجال الله العظماء، فالى شهداء الحواشب وشهداء الجنوب لكم منا ازكى سلام وتحية، يا من ارتقيتم بمقامكم المهيب الى مصاف ومراتب العلى لكم منا كل الشوق واللهفة، يا من اثلجتم بمواقفكم صدور شعب تواق للحرية والإنعتاق والحياة الكريمة ومن دفعتم ارواحكم ورصيد حياتكم رخيصة لتكون ثمناً وضريبة كي تحيا امتكم معززة ومكرمة لكم منا الف تحية وسلام، انتم من رفضتم الذل والمهانة وابيتم الإستكانة والخضوع والخنوع لمشاريع طمس هوية الارض والدين ولم ترضوا لحياة العزة والكرامة بديل فسقيتم بدمائهم الزكية بذور الحرية لهذه الأرض العطشاء لتثمر ثمار الحرية وتزهو بابهى حلة فانتم من يحتفظ بهم التاريخ في انصع صفحاته، انكم للكبرياء وطن وللعزة مكان، فيا ايها الملاء من عظمائنا الاكابر يا من انتلقت اجسادكم الطاهرة بعد مسيرة نضال مظفرة ومحمومة من فوق صقيع تراب الأرض الى باطنها الساخن الذي ضم جثامينكم الزكية بعد رحلة كفاح دنيويه مضنية وزاخرة بالعطاء والتضحيات انتهى بها المطاف بزفاف بطولي راقي ومشرف الى الرفيق الاعلى نقول لكم من على منبر الأحرار لم ولن ننساكم ابداً وسنظل على إيمان ويقين تام بان دمائكم وارواحكم قد صان قدرها الله قبل ان يصون قدرها عباده، فانتم من كنتم قمماً شامخة في حياتكم ستظلون حاضرين في هذه المرتبة واكثر في نفوسنا ووجداننا ابد ما حيينا وسوف تبقون عمالقة امام عيوننا كلما مررنا باماكن وجودكم او دلفت اقدامنا آثار خطاكم في الدنيا او ترامت نواظرنا صوب تلك الرياض التي احتوت اجسادكم الطاهرة التي تحاكي جميل فعلكم، فتلك الرياض الفردوسيه التي تعكس وطنية هؤلاء الميامين الأخيار الذين استنهضوا الهمم واستشعروا مسؤولية الدفاع عن الارض والعرض والدين ضد مروجي العقائد الفاسدة منها تبرز هوية هؤلاء الافذاذ الذين جسدوا باعلى مراتب الفداء معاني الهوى والولاء والانتماء لهذا الدين وهذا الوطن، تلك المقابر وروضات الشهداء تحكي قصص لزائريها لا يتسع هذا المجال للكتابة عنها وسردها سيما وهي تحوي بين جنباتها فلسفة لثقافة الجهاد وحب التضحية بالنفس والمال، فالشهداء عاليي المقام هم احياء عند ربهم يرزقون هذا ليس اعتباطاً انما مرسوماً وموسوماً منزل من رب العالمين فهم من نالوا شرف العزة في الدنيا واستحقوا رخاء الحياة الابدية في الآخرة، هذه الميزة هي من يتميز بها الشهداء وتتفرد بها القضية التي ضحوا من اجلها بارواحهم ودمائهم وهي قضية التحرر والإنعتاق من العبودية والظلم والجبروت والإضطهاد وكذا لنصرة دين الله والدفاع عن المستضعفين من بطش وإرهاب وغلو جماعة الحوثي الإيرانية المتطرفة والمارقة والرجعية والمتخلفة فكرياً وعقائدياً وسلالياً.
كاتب هذه السطور لي صديقاً وقريباً واحداً من كوكبة شهداء الحواشب الذين ضحوا بارواحهم في سبيل الله دفاعاً عن الأرض والعرض والدين، فكلما ازور صديقي اوقريبي هذا واتحدث معه في مثواه تخالجني احاسيس الذكريات لتمتزج بمشاعر الفراق الأليم، فقد كان هذا الشهيد بالنسبة لي اكثر من مجرد صديق او اخ، فقد كان اكثر انسان عرفته يمتلك الجراءة والشجاعة والقدرة على التضحية خلال حياته من اجل راحة الناس ولإسعاد الآخرين حتى لو كان هذا على حساب حزنه وقهره، فحين ارى ضريحه اشعر بغصة في قلبي اذرف على ضوئها دموعاً حارة واعرف جيداً انه لا يحب ان يراها لكنه رغم كل شيء اصبح بالنسبة لي مثلاً أعلى وفيه اجمل السمات الانسانية التي تبرز في أسمى وارقى تجلياتها ومعانيها، فعندما ازوره في رحابه اقول في نفسي هؤلاء هم من تركوا غصة الحزن تلوكها قلوب الناس من اهلهم ومحبيهم وخلفوا الخسارة الحقيقية بفراقهم لهذا الوطن، لكن اجد في نهاية هذه الحكاية انهم فقط من سيقفون على عتبة ومتراس البطولة وهم من سيتصدرون المشهد في تاريخ البلد والبشرية اجمع لكونهم عاشوا حياة البطولة فكانوا فيها لأجل الله المحاربون الأشداء والمغاوير الأبطال لكي تسمو عزة وكرامة هذا الدين وهذا الوطن، فمهما استرسلنا في سرد حكايات اولئك الابطال وامعنا في التفتيش عن صفحاتهم الناصعة لن نفيهم ما يستحقون من معاني وصف وثناء ترقى لما يستحقون، فلكم من الله كل الرحمة والغفران والرضوان والى جنات الخلود يا شهدائنا وعظمائنا الميامين.