
25 عام ونيف مضت منذ صعد الرئيس الصريع علي عبدالله صالح على منصة ساحة ميدان السبعين في العاصمة اليمنية صنعاء ليعلن ـــ على الملأ ـــ الحرب على الجنوب أرضا وشعبا وهوية هذا الإعلان الذي أطلقه "الهالك صالح" عقب سنوات قليلة من الوحدة بين "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" و"الجمهورية العربية اليمنية" في 22 مايو 1990م، مثل بداية الانقلاب على الوحدة وعلى اتفاقياتها ، والتي انتهت وإلى الأبد عقب اجتياح الجنوب واحتلاله في صيف 1994م حين وصلت قوات الشمال العاصمة عدن معلنةً النصر ليبدأ الجنوب مرحلة جديدة من الظلم والتنكيل وفق سياسة احتلالية ممنهجة اتبعها شركاء حرب احتلال الجنوب .
استهدفت الهوية الجنوبية
لم تكتفي قوى الفيد والنفوذ بمخططها لمجرد السيطرة على مقدرات الجنوب ونهبها وإقصاء وطرد الجنوبيين من وظائفهم المدنية والعسكرية ، بل تعداه إلى اتباع سياسة استهدفت الهوية الجنوبية والعقل الجنوبي ومحاولة ضرب الإنسان الجنوبي وجعله مجرد كائن بشري غير قادر على التفكير وتطوير قدراته العلمية والاقتصادية والسياسية، حيث جرى فتح أبواب الجنوب على مصراعيها أمام الفكر الديني التكفيري المتطرف وشرع حزب الإصلاح والجماعات التكفيرية بنشر أفكارهم وبث سمومهم بغزو عقول الشباب وتجنيدهم وجرى ربط الكثير من المصالح المعيشية بنشاط تلك الجماعات التي كانت قد باشرت فتح معاهد ومدارس لها في الجنوب قبل الحرب، واتخذت من المدرسة والمسجد مكانــًا لتغذية عقول الشباب بأفكارها التي تخدم سياساتها وتضمن ديمومتها في الجنوب، ، يقابل ذلك حرمان الجنوبيين من التعليم والتأهيل العلمي وجعلهم مجرد عاطلين عن العمل لا يجيدون التعاطي مع ظروف الحياة ومواجهة مشاكلها .
سطوة المنتصر وانتفاضة المارد الجنوبي :
في يوليو 2007 ضاق الجنوبيون ذرعا من الوضع المتردي الذي يعيشونه؛ فأعلنوا انطلاق ماردهم بالمظاهرات السلمية رافعين أعلام دولتهم قبل عام 1990م عندها شعر الجميع في صنعاء بخطورة الأمر فتناسوا خلافاتهم – على الأقل فيما يخص الجنوب – فبادروا إلى القضاء على تلك الأصوات من خلال اختراقهم بواسطة خلاياهم ومن يتبعهم هناك في (المؤتمر) و (الإصلاح) فأضعفوهم واغتالوا بعض قياداتهم تحت اسم (القاعدة) التي أسسوها بغرض إرهاب الناس في عدن والمحافظات الجنوبية ومن أجل إيهام العالم بأن أي أصوات نشاز في الجنوب هي (لتنظيم القاعدة) لا غير ويجب القضاء عليها بكل الطرق وبشتى الوسائل عمل الجميع على إخماد الجنوبيين غير أنه لم تكن هناك أي جدوى لذلك لأن الحاضنة الشعبية كبيره لمن يرفعون أعلام الجنوب من نظام المخلوع والإخوان.
ورغم آلة القمع والبطش الوحشية التي مارسها نظام الاحتلال اليمني ضد شعب الجنوب ، إلا أنه لم يأبه ولم ينكسر وقدم التضحيات تتلو التضحيات بعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين في سبيل استعادة حقه المسلوب، وكان أنموذجاً ومدرسة للشعوب الأخرى بالنضال السلمي .
شرارة الكفاح المسلح
استمر الوضع على ما هو عليه «سلميا» رغم محاولات نظام صالح جر الجنوبيين وحراكهم السلمي للعنف واستمروا في تقديم التضحيات تلو التضحيات بعنفوان وعزيمة لا تلين حتى تحول إلى كفاح مسلح عندما اجتاح المخلوع والحوثيون بمباركة الإصلاح عام 2015م العاصمة عدن حيث سطر الجنوبيون أروع الأمثلة في التضحية والبطولة حين خرجوا جميعا صغيرهم وكبيرهم حاملين أسلحتهم الشخصية للتصدي لهذا الغزو بدعم وإسناد من الأشقاء في دول التحالف العربي حينها هزم أبناء الجنوب مليشيات الغزو شر هزيمة وأجبروها على الخروج من العاصمة عدن وهي تجر ذيول الهزيمة والانكسار تاركة جثث قتلاها في الشوارع وعلى جنبات الطرق معلنة هزيمتها وانكسارها خلال فترة وجيزة لم تتعدّ الشهر خلافا للجبهات الأخرى التي تقاتل فيها قوات ما يسمى بالجيش الوطني والتي تشرف عليها قيادات حزب الإصلاح في نهم ومأرب وصرواح وغيرها من المناطق رغم الفارق في العدة والعتاد والإمكانيات بين تلك القوات وما كان يمتلكه أبناء الجنوب خلال حرب اجتياح العاصمة عدن وهزيمة الحوثيين ومشروعهم التدميري .
سقط صالح وانكسر الحوثي وتهاوى الإصلاح
سقط المخلوع علي عبدالله صالح وانتهى وسقط مشروعه وحقبة نظام حكمة وحقده وحربه على الجنوب والجنوبيين.. ذهب صالح وسقطت مقولته الشهيرة (الوحدة أو الموت) إلى حيث لا رجعة ، وانكسر الحوثي ومليشياته وانهزم شر هزيمة ، وسقطت وستسقط مؤامرات ورهانات حزب الإصلاح وستتحطم آماله ومشاريعه الخبيثة على أسوار الجنوب وصمود ونضال شعبه التواق للحرية والاستقلال واستعادة دولته ، والذي حتمًا سيسقطهم وسيسقط كل من يحاول الانتقاص من تضحياته وحقه في استعادة دولته .
جنوب اليوم ليس جنوب الأمس!
جنوب اليوم ليس جنوب الأمس عبارة قالها الرئيس عيدروس الزبيدي ولا شك بأن قولها لم يأت من فراغ فجنوب اليوم يمتلك القوة العسكرية على الأرض من خلال امتلاكه للقوات التي تدين بالولاء لله وللجنوب كما أن الجنوب بات اليوم موحدًا تحت راية ولواء المجلس الانتقالي الجنوبي الذي فوضه شعب الجنوب بمليونيات عدة حاملا سياسيا لقضيتهم أمام المجتمع الدولي والإقليمي وممثلا لمؤسساته في الداخل لإدارة شؤونها وتسيير شؤون محافظات الجنوب ..
هذا هو الجنوب اليوم بأحزمته الأمنية ونخبه الحضرمية والشبوانية ومقاومته الجنوبية وبمختلف التشكيلات التي ماتزال تخوض حربا ضروسا ضد مليشيات الحوثي الانقلابية في جبهات الضالع وكرش والصبيحة والساحل الغربي وحربًا أخرى ضد العناصر الإرهابية والمتطرفة والتي تحاول بعض القوى المعادية للجنوب من خلال دعمها ورعايتها لتلك العناصر خلط الأوراق وزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظات الجنوبية ، في الوقت الذي تتحرك فيه قيادات الجنوب وعبر المجلس الانتقالي الجنوبي تحركاتها السياسية على كافة المستويات والأصعدة لتحقيق نجاحات سياسية توازي النجاحات العسكرية التي حققتها القوات الجنوبية على الأرض .