
يتواصل نزوح الآلاف المدنيين من مناطق الحرب في الساحل الغربي والمناطق الجنوبية الشمالية الحدودية جرّاء عمليات الحرب المستعرة من قبل مليشيا الانقلاب الحوثية، من بلداتهم ومدنهم فيما يكثر الأطفال بينهم هؤلاء وجدوا أنفسهم وقد تقطّعت بهم السبل في العراء تظللهم أشجار خيام لا تقيهم البرد والحر في مناطق مختلفة مفتقرين إلى أبسط مقوّمات الحياة في ظل غياب شبه كامل للمنظمات الإنسانية.
يبدو أنّ الشقاء مكتوب على الأطفال شمالا كأنّما الفزع الذي عاشوه من جرّاء القصف لا يكفيهم فراحوا يختبرون النزوح والحياة في العراء تجارب ثقيلة على أعوامهم المعدودة.
إحصائية
لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن عدد الأيتام في لحج بسبب الحرب الدائرة التي تعيشها البلاد منذ أربعة أعوام بالإضافة إلى تزايد النزوح والتهجير واللجوء لكن ثمة جهات تقدر نسبة الأيتام بنحو8 في المائة من مناطق مختلفة في اليمن أكان من محافظة الحديدة أو تعز أو حتى المناطق الحدودية التي تستعر فيها لهيب الحرب بين الانقلابيين والمقاومة الجنوبية وقوات الحزام الأمني.
مصادر عاملة في لجان مخيم النازحين في لحج أكدت بأن عدد الأطفال الموجودين في المخيم أعدادهم بالمئات وأغلبهم ممن فقد والديه في الحرب الأخيرة.
عودة!
(حنين علي عمر) في الثامنة من عمرها تجلس على حصيرة من البلاستيك تحت خيمة وإلى جانبها شقيقها عبدالله ابن الأعوام الستّة تشكو حنين إحساسها بشدة ارتفاع درجات الحرارة فالمنطقة تعرف في هذه الأيام بارتفاع الحرارة الأمر الذي يفاقم معاناة الصغيرة وعائلتها وكذلك معاناة جميع النازحين من الساحل الغربي.
تقول حنين لـ"الأمناء"،: "أنا تعبانه واشتي ارجع لعند بابا... لسّا ما أجا وأنا مستناه".
تضيف حنين التي تصرّ على العودة إلى بيتهم أنّه لا يوجد حمّام هنا، بالقول "لا أريد البقاء هنا".
وأشارت إلى أنّهم منذ وصولهم إلى هذه البقعة لا يأكلون بشكل جيد.
يُذكر: إنّ حنين ووالدتها رافقت والدتها هرباً من الحرب الذي طاول بلدتهم في حين بقي والدها في البلدة علّه يستطيع أن يحضر بعض ما يحتاجون إليه من منزلهم غير أنّ الاتصال انقطع معه قبل مدة الأمر الذي يزيد من الضغط النفسي على العائلة.
وتقول والدة حنين: "خرجنا من منزلنا بعدما طاول القصف الشارع حيث نسكن كان صوت القذائف قويّاً جداً فيما تحطّم زجاج النوافذ وتخلّعت الأبواب كانت لحظات من الرعب لن أنساها في حياتي".
عائلات في العراء!
في ذات السياق تقول رئيسة جمعية أيادي الخير لكفالة اليتيم في لحج الأستاذ رابعة السقاف إنّ "قضيّة النازحين ضخمة جداً، فخلال مدة الحرب التي شنها الانقلابيون نزح المئات من الأسر إلى مناطق مختلفة بينها مخيم النازحين الواقع في منطقة الرباط بلحج".
وأضافت لـ"الأمناء": "مئات العائلات في العراء أفرادها بمعظمهم من الأطفال فيما نحن في فصل الصيف وهم يفتقرون إلى الخدمات اللازمة مقرّةً أنّ ثمّة ضعفاً في الاستجابة بسبب العدد الهائل وعدم استقرار هؤلاء النازحين كلهم وتزيد الأمر يتسبّب في سوء تغذية الأطفال وعدم التحاقهم بالمدارس بالإضافة إلى احتمال لجوء العائلات إلى تشغيل أطفالهم والدفع في اتجاه الزواج المبكر في حال طال وجودهم في مناطق النزوح.
وأشارت إلى أنه سبق وأن ناشدوا المنظمات الدولية الإنسانية القيام بدورها وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للنازحين في مقدّمتها الخيام لا سيّما مع العجز الواضح لدى المجالس المنظمات المحلية في الاستجابة إلى حاجة هؤلاء النازحين الذين يتزايد عددهم يومياً نتيجة القصف الذي يستهدف بلداتهم ومدنهم من قبل مليشيا الانقلاب.
وتشير السقاف إلى ضعف إمكانيات المؤسسات الخيرية المعنية برعاية الأيتام في لحج والمناطق المجاورة في هذه الآونة بسبب تراجع الحركة الاقتصادية وسوء الأوضاع السياسية في البلاد.
وأكدت انقطاع الدعم عن آلاف الأيتام سواء الدعم الذي يتلقاه الأيتام من الجهات الرسمية أو المنظمات الأجنبية الإغاثية أو رجال الأعمال والخير المحليين والأجانب وتضيف في تصريح أمام ضعف الدعم هناك تزايد مستمر في عدد حالات اليتم بسبب المواجهات المسلحة في أنحاء البلاد مشيرة إلى أن مؤسستهم تتلقى طلبات كثيرة عن طريق موقعها الالكتروني أو بشكل مباشر لإدخال أيتام إليها موضحة أن المؤسسة لديها 1500 يتيم.
خيام
يلعب عبدالله علي وهو في السادسة من عمره بالقرب من خيمة تستظلّ بها عائلته تحت تلك الخيمة وضعت عائلته ما حملته معها من أواني المطبخ فيما فرشوا حصير على الأرض وجلسوا عليه ووضعوا بعض الأغطية فوق الخيمة حتى لا تتسخ.
وعبد الله يلعب مع أطفال آخرين فيرمون حجراً في الهواء قبل أن يهربوا من تحته محاولين الاختباء خلف أحد الأشجار القريبة وعند سؤاله عن لعبتهم تلك، قال إنّ "هذا الحجر هي قذيفة متفجّر ونحن نختبئ منها".
والدة عبد الله جهّزت وجبة الإفطار تناديه يسرع في الحضور ويقف إلى جانب أفراد العائلة تسكب له والدته قليلاً من شوربةّ التي طهتها.
تقول والدة عبد الله: إنّهم وصلوا إلى هذا المكان الأسبوع الماضي.
وأضاف لـ"الأمناء": "كنّا قد أحضرنا معنا قليلاً من المواد الغذائية التي كانت في المنزل إلا أنّها لن تكفينا إلا لأيام معدودة أمّا المياه فأجلبها في عبوة بلاستيكية من مزرعة قريبة من هنا لكنّها بالكاد تكفينا لا أعلم ماذا سوف أفعل بعد ذلك فأنا لا أملك المال ولم نجد مكاناً نأوي إليه".
وتابعت: "حصلنا على خيمة ولم تحضر أيّ منظمة إنسانية لتساعدنا في مصيبتنا هذه نحن خسرنا منزلنا وأرضنا".
واستطردت: "اليوم ضاع كل شيء ولا أعلم ما يخبّئ لنا الغد".
وأشارت والدة عبد الله إلى أن الجوّ يصير حارا في النهار وفي الليل أسهر إلى جانبهم، متسائلا: "كيف تغمض عيني وأطفالي ينامون في العراء".
حنين
(ناسين) خسرت عائلتها كلها في منطقة الدريهمي قبل عام لتسكن مع عائلة عمّها النازح في مخيم الرباط في ظل أوضاع إنسانية سيّئة جداً وتعيش مرارة فقدانها عائلتها ومرارة العوز.
تقول ناسين "على الرغم من أنّ عمّي وزوجته يعاملاني كواحدة من بناتهما فإنّه لا يمرّ عليّ يوم من دون أن أفكّر في أمّي وأبي وما أن أضع رأسي على الوسادة في المساء حتى تنهمر دموعي الدنيا كلها لا تستطيع تعويض حنان الأم وعطف الأب تضيف أنّه بسبب النزوح والفقر لا أذهب إلى المدرسة حالي حال بنات عمّي وأبنائه وأمضي اليوم وأنا أساعدهم في الأعمال المنزلية كذلك تعلّمت الحياكة فصرت أحيك قبّعات من الصوف وأبيعها لبعض المحال فأتمكّن من جني قليلاً من المال.
فاتورة
يدفع آلاف اليتامى اليمنيين فاتورة الحرب والمواجهات المسلحة المستمرة في اليمن عقب انقلاب مليشيا الحوثي وإسقاط العاصمة صنعاء مرة عندما يفقدون آباءهم وأخرى عندما لا تستطيع المؤسسات الحكومية والأهلية المتخصصة استيعابهم الأمر الذي يجعل معاناتهم لا تتوقف عند فقدان الأب أو الأم وإنما تمتد طوال الحياة.