آخر تحديث :السبت 28 ديسمبر 2024 - الساعة:20:42:52
قراءة في الحب العذري في التراث الشعري الغنائي اللحجي القمنداني وأوجه الشبه مع التراث الشعبي العربي والأجنبي (3-1)
(الأمناء نت / كتب/ أحمد حسن العقربي :)

عندما نتحدث عن الأديب أحمد فضل القمندان ، فإننا نتحدث عن الشاعر والملحن والمغني ومخترع الرقصة الشعبية اللحجية ، فهو المطور الفحل للأغنية في لحج بل وخالق جل ألحانها وإيقاعاتها.

ومعروف أن شعر القمندان الغنائي المتدفق الأحاسيس قوي الصورة معطاء ، لا يترك فرصة للمستمع في وقفة ولو بسيطة ، ولكنه يرغمه على الاستمرار حتى النهاية بنوع من النشوة المكثفة التي تتقف وثراء الكلمات ورقّتها قلما يوجد شاعر مثله لا يوقف مطلقا ، منذ أول بيت في القصيدة حتى آخر بيت .. إنها كالنهر الذي يحمل رسالة فلا يوقفه ما يؤخذ منه في الطريق ويكتسح كل الحواجز المصطنعة ، لا ينطبع إلا على شعره الغنائي فقط ، خصوصا حينما جسدها في أغنيته المعروفة القائلة :

هل اعجبك يوم في شعري غزير المعاني..

مثل هذه الدفعة الشعورية القوية التي ترغم القارئ على التوتر والجري وراء الأبيات إلى النهاية بتوتر حميم.

بل لعل عندما نغوص في عمق الشعر القمنداني نجد القمندان نجم شاعر يسبح في مداره فيصدح بالغناء والموسيقى ، والإيقاعات الراقصة تنبعث من وجدانه ، لا من تفعيلاته و أوزانه ، فالغناء جوهر شاعريته وما أبياته إلا شعاع هذا الجوهر الشعري وذبذباته الصوتية ترتسم على الورق كما ترتسم ذبذبات الصوت الجميل على الأسطوانة أو شريط التسجيل.

إن أساس الموسيقى عند هذا الشاعر اللحجي هو تكوينه الوجداني الذي يعزف الموسيقى ويترنم بالغناء في نبض مشاعره وفي ومض أشعاره وليس له في ذلك فضل فهذه كينونته هو وأمثاله من شعراء الوجدان الموسيقيين ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا كما ولدتهم والشعر والغناء في جوهر وجدانهم.

لاشك أن القمندان استوعب أجمل وأعذب الشعر عند القدماء من البحتري إلى ابن زيدون ثم ارتوى من ينابيع شعراء معاصرين مثل أمير الشعراء أحمد شوقي الذي هو اقرب إلى شعر القمندان الذي تأثر به ومن كنوز شوقي قصيدته الرائعة :

صف كأسها الحبب فهو فضاء ذهب

أو ما جاء في قصيدته الثانية :

مال واحتجب وادعى الغضب..

 

القمندان والعشق العذري

 

بعد هذه الاطلالة السريعة لشخصية القمندان ، نعود للمقارنة للعشاق العذريين عند الشعراء الجاهليين وفي العصر الأموي والعباسي والأندلسي لنعمل مقارنة للعشق العذري عند القمندان وعند شعراء التراث الشعري والأدبي والعربي والأجنبي.

فعندما نقرأ شعر القمندان الغنائي عن الحب عند العشاق العذريين ويتحدث عن دور المرأة فيه ، نجد أن الرجل عنده في نظره هو الصوت الذي نسمع من خلاله همسات الأرواح وخفقات القلوب ، وهو المنعم والمتنعم بنصب المرأة ملكة وينتظر أن تهبه ما تملك ويتعبد في محرابها وينتظر أن تدخله الجنة، وهو في انتظاره وفي تعبده ودموعه واصطباره في لحظات صفائه وليالي شقائه ويغني فتغني معه البشرية وهو شاعر يحول الآهات والدموع والبسمات إلى قصائد تخلد فتمنحه الخلود ولذلك فإن طبيعة الحب عند القمندان هو طبيعة استجابة الرجل ومن مواقفه تجاه ذلك الحب.




شارك برأيك