
كتب : د.علي صالح الربيزي
في نهاية القرن العشرين، شهد العالم زلزالًا جيوسياسيًا غيّر ملامحه إلى الأبد ، سقوط الاتحاد السوفيتي، أحد قطبي النظام العالمي في الحرب الباردة، على يد زعيمه ميخائيل غورباتشوف. الرجل الذي جاء وفي جعبته حلم بالإصلاح، انتهى به المطاف مهندسًا لانهيار إمبراطورية امتدت لعقود. كانت "البيريسترويكا" (إعادة البناء) و"الغلاسنوست" (الشفافية) شعارات براقة، لكنها تحولت إلى معاول هدم فتحت أبواب القوميات والانقسامات، وسرّعت تفكك كيان مترنّح لم تقوَ سياساته على إنقاذه.
واليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عامًا، يقف العالم أمام مشهد يبدو مألوفًا، لكنه يأتي من الضفة المقابلة.. من واشنطن، لا من موسكو. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يذكّرنا بخطايا غورباتشوف، لا من باب الاجتهاد في الإصلاح، بل من بوابة الفوضى والانقسام. فمنذ وصوله الأول إلى البيت الأبيض، لم تتوقف العواصف السياسية، ولم تهدأ نار الجدل حول قراراته وتصريحاته. ترامب لا يلوّح فقط بسياسات مثيرة للجدل، بل يتّجه بخطى حثيثة نحو تفكيك ما بناه التاريخ الأمريكي الحديث ، رفع الضرائب، تصريحات عبثية عن "ضم أيرلندا وكندا"، تهديده المستمر لحلف الناتو، والتشكيك الدائم في نزاهة المؤسسات الديمقراطية.
كل ذلك لا يمكن اعتباره مجرد خروج عن المألوف أو لحظات شعبوية، بل هو مسار مقلق يرسم ملامح انحدار داخلي يشبه ما حدث في جمهوريات الاتحاد السوفيتي قبل الانهيار ، انقسامات حادة بين مكونات المجتمع، تنامي النزعات الانفصالية في بعض الولايات، تآكل الثقة بالحكومة، وارتفاع منسوب التوجس من المستقبل.
والسؤال الذي يفرض نفسه .. هل يسير ترامب بأمريكا نحو مصير يشبه مصير الاتحاد السوفيتي؟
ثمة من يرى في ترامب مجرد نسخة أمريكية من غورباتشوف، يعيد إنتاج تجربة السقوط ولكن بثوب مختلف. بينما يذهب آخرون إلى ما هو أعمق وأخطر، مشبّهين ترامب بهتلر حين اجتاحه جنون العظمة، وقاد بلاده إلى الخراب، وجرّ قارة بأكملها إلى الجحيم.
فهل يكون ترامب "غورباتشوف الأمريكي" الذي يفتح باب التفكك من حيث لا يدري؟ أم يكون "هتلر العصر الحديث" الذي يقود العالم إلى كارثة جديدة؟ وهل ستظل عبارة "أمريكا العظمى" شعارًا للمستقبل، أم عنوانًا لحقبة انتهت كما انتهى الاتحاد السوفيتي؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة... لكن ما لا شك فيه أن التاريخ لا يرحم من يكرر أخطاءه، ولا يغفر لمن لم يتعلم من دروسه.