آخر تحديث :الثلاثاء 25 مارس 2025 - الساعة:15:59:07
تقرير خاص : الشرعية اليمنية بين الواقع الافتراضي والهروب من الداخل .. عقد من الأوهام..
(الأمناء / تقرير - غازي العلوي :)

حكومة وبرلمان بـ"التحكم عن بعد".. هل أصبحت الشرعية مجرد كيان رقمي؟
من الرياض إلى إسطنبول.. قيادات الشرعية بين الترحال والتبرير
خلافات "واتس آب".. عندما تصبح قضايا الشرعية مثار سخرية!
10 سنوات من الحرب.. والشرعية لا تزال في المنفى!


منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تواصل الشرعية اليمنية أداء دورها كـ"وجود افتراضي"، يقتصر على التصريحات والمنشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي، بدلاً من العمل الجاد لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة.
في مشهد يجسد الفجوة العميقة بين واقع الشعب اليمني وما تروّج له قيادات الشرعية، شهدت الأوساط السياسية حادثة طريفة لكنها ذات دلالة عميقة، حيث نشب خلاف بين عضو مجلس النواب شوقي القاضي ورئيس المجلس سلطان البركاني، بعد أن تم حذف القاضي من مجموعة "واتس آب" الخاصة بأعضاء المجلس. وعلى الرغم من الطابع الهزلي للقضية، فإنها تعكس بوضوح حالة التردي التي تعيشها الشرعية، وعجزها عن تحقيق تقدم فعلي في مواجهة مليشيات الحوثي، مما أدى إلى إطالة أمد الحرب لقرابة عقد من الزمن.
غياب الإرادة السياسية والاستقرار الداخلي
بات من الواضح بحسب مراقبون لـ"الأمناء" أن القيادة الشرعية لم تُبدِ أي نية جادة لتحقيق الاستقرار في الداخل اليمني أو تحمّل مسؤولياتها في المناطق المحررة. فعلى الرغم من وجود عدد كبير من أعضاء مجلس النواب في الخارج، فشلت الحكومة الشرعية في عقد جلسات منتظمة، ما يعكس حالة التشرذم والانقسام الذي يعصف بالمؤسسات الوطنية.
بدلاً من مباشرة مهامهم في الداخل، اختار العديد من مسؤولي الشرعية إدارة الدولة عن بُعد، مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية للتواصل واتخاذ القرارات، وهو أمر أثار موجة من السخرية والإحباط في أوساط اليمنيين الذين يتطلعون إلى قيادة قادرة على مواجهة التحديات على الأرض.
التبريرات المتكررة وفقدان الثقة الشعبية
منذ بداية الحرب، تذرعت قيادات الشرعية بغياب بيئة آمنة تحول دون عودتهم إلى الداخل، غير أن هذه الذريعة سرعان ما تحولت إلى سلسلة من التبريرات، من بينها اتهام التحالف العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، بمنع عودة الشرعية. لكن هذه المبررات لم تكن مقنعة لليمنيين الذين باتوا يتساءلون عن جدوى بقاء قيادات الشرعية في الخارج، طالما أنها غير قادرة أو غير راغبة في تحمّل مسؤولياتها داخل البلاد.
الأزمة تفاقمت مع عجز الشرعية عن إعادة تفعيل مؤسساتها، وعلى رأسها مجلس النواب، الذي لم يتمكن من عقد جلسات منتظمة، رغم أن الحوثيين استطاعوا إدارة المجلس في صنعاء. وبينما تمكنت الشرعية من عقد جلسة استثنائية في سيئون عام 2018، تكررت محاولاتها لاحقًا في عدن عام 2022، لكن هذه الاجتماعات لم تتجاوز الطابع الرمزي، إذ اقتصرت على إضفاء الشرعية على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، دون اتخاذ خطوات فعلية لتفعيل دور المجلس في الداخل.
الشرعية بين الضغوط السياسية والخيارات المحدودة
على مدار السنوات الماضية، توالت التصريحات التي تلقي باللوم على أطراف مختلفة في تعثر عودة الشرعية، وكان أبرزها مداخلة لعبدالرزاق الهجري، القائم بأعمال الأمين العام لحزب الإصلاح، خلال أحد المنتديات في العاصمة الأردنية عمان، حيث أكد أن الشرعية لم تتمكن من عقد جلسات المجلس في عدن بسبب تأخر تنفيذ بعض بنود اتفاق الرياض.
إلا أن هذه التصريحات قوبلت بردود فعل ساخرة من قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي أكدت استعدادها لاستقبال مجلس النواب في عدن، مع تلميحات واضحة بأن الشرعية لن تعود إلا إذا كانت مستعدة لتحمل تبعات الواقع اليمني المعقد.
إشارات واضحة إلى أزمة حقيقية
يرى سياسيون في تصريحات لـ"الأمناء" أن التصريحات المتناقضة لقادة الشرعية تعكس واقعًا محبطًا، لكن ما أثار الجدل أكثر كان تعليق رئيس مجلس النواب سلطان البركاني على حادثة حذف شوقي القاضي من مجموعة "واتس آب"، حيث أشار بشكل غير مباشر إلى أن احتجاج القاضي يعكس اعتراضًا أوسع على وقف المخصصات المالية من قبل السعودية.
هذا التصريح أوحى بأن قادة الشرعية، بدلاً من التركيز على حل الأزمات في الداخل، ينشغلون أكثر بالمنافع الشخصية، وهو ما يعزز الاعتقاد السائد بأنهم يفضلون الحياة في المنفى على مواجهة التحديات الصعبة في الداخل اليمني.
عقد من الغياب: 
الشرعية بين العواصم الإقليمية والرفض للعودة
على مدار عشر سنوات، تنقلت قيادات الشرعية بين الرياض والقاهرة وإسطنبول، متجنبة العودة إلى الداخل اليمني، رغم الضغوط المتزايدة. هذا السلوك أثار تساؤلات كثيرة حول مدى جدية هذه القيادات في إدارة الأزمة، ومدى استعدادها لاتخاذ القرارات الصعبة التي يتطلبها تحقيق الاستقرار.
وفي ظل استمرار الصراعات الداخلية، لا يزال الشعب اليمني هو من يدفع الثمن الأكبر، بينما تبقى الشرعية رهينة الانقسامات والارتباطات الخارجية، غير قادرة على اتخاذ موقف حاسم بشأن دورها المستقبلي.
هل آن الأوان لتغيير الأولويات؟
اليمنيون اليوم بحاجة إلى قيادة مسؤولة، قادرة على اتخاذ القرارات الجريئة والتواجد الفعلي في الداخل. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سيستمر مسؤولو الشرعية في تفضيل المنفى، أم أنهم سيعيدون النظر في أولوياتهم ويعودون لخوض معركة استعادة الدولة من الداخل؟




شارك برأيك