آخر تحديث :الاربعاء 12 فبراير 2025 - الساعة:22:40:26
بسبب التخاذل العربي والتآمر : هل يدفع العرب ثمن أخطائهم التاريخية؟
(الأمناء نت /  الشيخ علي علوي بن غالب  العيسائي :)

شهد العالم العربي خلال العقود الأخيرة تآمرات سياسية وتحولات دراماتيكية عصفت بمصير شعوبه، وأعادت تشكيل خرائطه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، مرورًا بالحروب في سوريا واليمن وليبيا، وصولًا إلى استمرار معاناة الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، باتت المنطقة العربية غارقة في صراعات لا تنتهي، وأزمات متلاحقة تعكس حجم الضعف والتخاذل العربي أمام مخططات القوى الغربية والصهيونية العالمية.    

لم يكن سقوط الدول العربية في دوامة الفوضى وليد اللحظة، بل هو نتيجة تواطؤ داخلي وخارجي امتد لعقود، ففي عام 2003، عندما اجتاحت الولايات المتحدة العراق، لم تتحرك الدول العربية للدفاع عن بغداد، ولم تقدم الدعم الكافي للرئيس الراحل صدام حسين، بل وقف بعضها على الحياد، فيما تورطت بعض الأنظمة في تسهيل الغزو بحجة "التغيير الديمقراطي". لكن ما حدث لاحقًا كشف عن مخطط بعيد المدى، حيث تحول العراق من دولة قوية إلى ساحة للفوضى، وأصبح مرتعًا للميليشيات والتدخلات الأجنبية.  

وما إن استوعبت المنطقة تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، حتى جاءت عاصفة ما يسمى بـ"الربيع العربي" عام 2011، التي أدت إلى انهيار أنظمة عربية محورية مثل نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، والرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي. كما شهد اليمن والسودان اضطرابات سياسية أدت إلى تفكك الدولة وتزايد التدخلات الخارجية.    

منذ إعلان قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وحتى قرارات الأمم المتحدة المتتالية التي اعترفت بإسرائيل كدولة شرعية على الأراضي الفلسطينية، لم يكن الموقف العربي موحدًا أو حاسمًا.

 وبينما رفضت الدول العربية في البداية قرار التقسيم رقم 181، إلا أنها بعد عشرين عامًا أذعنت للقرار 242 الصادر عام 1967، والذي اعترف بحق إسرائيل في الوجود.  

لقد تحولت القضية الفلسطينية من قضية مركزية للعالم العربي إلى ورقة تفاوضية تستخدمها بعض الأنظمة لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية ، وفي ظل هذا التخاذل، استمرت إسرائيل في توسيع مستوطناتها، وفرض سياسات القمع والتهجير بحق الفلسطينيين، بينما اكتفى العرب ببيانات الشجب والاستنكار.  

لا يمكن إنكار أن الثورات العربية خرجت من رحم واقع اقتصادي واجتماعي متدهور، لكن سرعان ما تم استغلالها من قبل قوى غربية وإقليمية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق مصالحها. 

لقد كان واضحًا أن انهيار الأنظمة العربية لم يكن مجرد صدفة، بل جزءًا من مشروع تفكيك الدول القومية وتحويلها إلى كيانات صغيرة وضعيفة يسهل التحكم بها.  

إن ما نشهده اليوم من صراعات داخلية في سوريا واليمن وليبيا، ومن انقسامات سياسية في لبنان والعراق، ومن تراجع اقتصادي في معظم الدول العربية، ليس سوى نتيجة مباشرة لمخططات أُحكمت خيوطها في عواصم القرار الغربي، ونُفذت بأيادٍ عربية.   

من المؤسف أن بعض الأنظمة العربية لم تكتفِ بالتخاذل، بل أصبحت جزءًا من المشروع الغربي في المنطقة؛ فبدلًا من تبني سياسات قومية مستقلة، انخرطت بعض الحكومات في تحالفات تخدم أجندات خارجية، سواء عبر التطبيع مع إسرائيل، أو عبر تقديم تنازلات استراتيجية للقوى الكبرى، أو حتى من خلال تمويل حروب بالوكالة داخل الوطن العربي نفسه.    

إن استمرار الصراعات العربية-العربية، وتزايد التدخلات الأجنبية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المنطقة. فهل يستمر العرب في الانقسام والتناحر، ليصبحوا مجرد بيادق في لعبة الكبار؟ أم أن هناك فرصة لاستعادة زمام المبادرة، وإعادة بناء مشروع عربي موحد قادر على مواجهة التحديات؟  

ما تحتاجه الدول العربية اليوم ليس المزيد من المؤتمرات والقمم الشكلية، بل إرادة سياسية حقيقية لإصلاح البيت الداخلي، والتوقف عن خدمة المشاريع الغربية، والعمل على بناء تحالفات عربية قائمة على المصالح المشتركة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والتبعية للقوى الكبرى.  

فالعالم العربي يقف اليوم عند مفترق طرق خطير، فإما أن يتجاوز حالة التشرذم، ويعيد بناء نفسه كقوة إقليمية مؤثرة، وإما أن يستمر في مسار الانهيار، ليصبح مجرد ساحة لصراعات الآخرين وأطماعهم.  

لقد آن الأوان للعرب أن يستفيقوا، قبل أن يصبحوا مجرد ذكرى في صفحات التاريخ. .

عضو الهيئة الادارية بالسفارة اليمنية بمدينة جدة السعودية




شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل