آخر تحديث :الخميس 09 يناير 2025 - الساعة:23:41:13
في مشهد تكرر 5 مرات.. كيف أصبح جوزاف عون رئيسا للبنان؟
(الأمناء نت / وكالات:)

أنهى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، أزمة الشغور الرئاسي بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في جلسة تاريخية عقدت، الخميس، ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية استمرت عامين وثلاثة أشهر.

فبعد 12 جلسة انتخابية على مدى عامين، كان آخرها في 14 يونيو 2023، جميعها انتهت بالإخفاق، أعاد رئيس مجلس النواب، نبيه بري، تحديد موعد جديد لجلسة انتخاب الرئيس في 9 يناير، لتتحول إلى محطة مفصلية في المشهد السياسي اللبناني.

وجاء انتخاب عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في أعقاب أجواء سياسية مشحونة وصراعات حادة بين القوى السياسية والطائفية، في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية والأمنية في تاريخها الحديث، وعقب حرب مدمرة لم تضع أوزارها بشكل نهائي بعد، تاركة البلاد في حالة من الترقب والاضطراب.

وكانت الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس الـ 14 للجمهورية اللبنانية بدأت قبل ظهر اليوم الخميس بعد اكتمال النصاب، في حضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الموفد السعودي يزيد بن فرحان، سفراء اللجنة الخماسية وعدد من الديبلوماسيين.

جوزاف عون أصبح الرئيس الـ 14 للجمهورية اللبنانية
قائد الجيش ينهي الشغور.. جوزاف عون رئيسا للبنان
أنهى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، أزمة الشغور الرئاسي بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في جلسة تاريخية عقدت الخميس، ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية استمرت عامين وثلاثة أشهر.
وحصل عون في الدورة الأولى على 71 صوتاً فيما كان المطلوب للفوز 86 صوتاً، أما بقية الأصوات فتوزعت على النحو الآتي: 37 ورقة بيضاء، 14 صوتاً لصالح "السيادة والدستور"، صوتان لشبلي الملاط، و4 أوراق ملغاة، حيث أن نواب حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر امتنعوا عن التصويت لصالح عون.

وفي الدورة الثانية التي انعقدت بعد ساعتين من انتهاء الدورة الأولى حصد عون تأييد 99 نائباً، فيما صوت 9 نواب بورقة بيضاء، كما صوت 12 نائبا بورقة "السيادة والدستور"، وحصد شبلي الملاط على صوتين، اما الاوراق الملغاة فبلغت 5، حيث صوت له حزب الله وحركة أمل في هذه الدورة

يذكر أن فوز المرشح لرئاسة الجمهورية في الدورة الأولى يتطلب حصوله على 86 صوتاً، بينما يكفي في الدورات اللاحقة حصوله على 65 صوتاً من أصل 128 نائباً.

لكن لو لم يحصل عون على 86 صوتاً في الدورة الثانية، كان ذلك سيثير جدلاً حول دستورية انتخابه، استناداً إلى المادة 49 من الدستور التي تنص على أنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، خلال مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن الوظيفة أو تاريخ إحالتهم على التقاعد."

فانتخاب عون بأقل من 86 صوتاً كان يتطلب تعديلاً دستورياً، إلا أن حصوله على هذا الرقم يعدّ بمثابة تصويت ضمني على تعديل الدستور، حيث إن أي تعديل دستوري يستوجب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي 86 صوتاً من أصل 128.

نهاية الأزمة الرئاسية
قبيل انتخاب عون شهدت بيروت نشاطاً دبلوماسياً مكثف، حيث توافد مبعوثون دوليون وإقليميون إلى لبنان، ما عكس الاهتمام الكبير بإنهاء أزمة الشغور، منهم المبعوث الأميركي آموس هوكستين، الذي وصل إلى بيروت يوم الاثنين، ولودريان، الذي وصل الثلاثاء، وبن فرحان، الذي زار لبنان مرتين خلال أسبوع.

وقد تركزت الجهود على دعم عون كمرشح توافقي يحظى بقبول إقليمي ودولي، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وآخرها المواجهة العسكرية بين حزب الله وإسرائيل.

النائبة بولا يعقوبيان خلال مداخلتها في جلسة البرلمان (الحرة)
"لاتحاضري في الشرف".. مشادة كلامية في جلسة اختيار رئيس جمهورية لبنان
شهدت الجلسة التي يعقدها مجلس النواب اللبناني، الخميس، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، مشادة حامية الوطيس بين النائبة المستقلة، بولا يعقوبيان، والنائب عن التيار الوطني الحرب، سليم عون، وذلك بسبب اعتراض الأخير والعديد من النواب على تعديل الدستور لكي يتم انتخاب قائد الجيش، جوزيف عون.
فقد أصبح الشغور الرئاسي مشهداً متكرراً من الحياة السياسية في البلاد، وبعد نهاية ولاية ميشال عون عطّل حزب الله الانتخابات الرئاسية نتيجة تمسكه بدعم ترشيح سليمان فرنجية، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع النظام السوري قبل سقوطه، حيث حال غياب الإجماع النيابي دون نجاحه في الوصول إلى الرئاسة.

وقبل ساعات من جلسة اليوم الخميس، أعلن سليمان فرنجية انسحابه من السباق الرئاسي، مؤكداً أنه لم يكن يوماً عقبة أمام عملية الانتخاب. كما أعرب عن دعمه لعون، مشيداً بخصاله وقدرته على الحفاظ على "هيبة موقع الرئاسة الأولى".

ورغم رفض الثنائي الشيعي بداية لترشيح لعون، كونه المرشح الأكثر تفضيلاً لدى الأميركيين ودول عديدة، وبعد كلام أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، ان "الإلغائيين لا فرصة لهم، والمستقوون بالأجانب لن يتمكنوا من تمرير هذا الاستحقاق باستقوائهم"، عاد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، ليشير إلى أن الفيتو الوحيد الذي يضعه حزب الله هو على رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع.

امتنع نواب حزب الله وحركة أمل عن التصويت لقائد الجيش في الدورة الأولى، في خطوة اعتبرت رسالة سياسية مفادها أن أي اتفاق خارجي لن يتمكن من إيصال رئيس للجمهورية دون موافقتهما ومشاركتهما الفعلية.

وفي المقابل، عبّر التيار الوطني الحر عن رفضه لانتخاب عون، معللاً ذلك بأن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً، مما يعني أن المضي في انتخابه يعدّ خرقاً للدستور وفق موقف التيار.

يذكر أنه وفقاً للعرف السياسي السائد في لبنان، يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً من الطائفة المارونية، في حين يعود منصب رئاسة الحكومة للطائفة السنية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، وتستمر ولاية رئيس الجمهورية لست سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور ست سنوات.

من العسكر إلى القصر
تطوع جوزاف عون في الجيش بصفة تلميذ ضابط والتحق بالكلية الحربية عام 1983، وشغل منصب قائد الجيش منذ 8 مارس 2017. 

وبرز اسمه خلال محطات عدة، من أبرزها قيادته لعملية "فجر الجرود"، حيث نجح الجيش تحت قيادته في طرد مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" من الحدود الشرقية للبنان.

تميزت فترة قيادة عون بترسيخ الجيش كضمان للاستقرار بعيداً عن الصراعات السياسية، وخلال انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 ضد الطبقة الحاكمة، حرص عون على نشر الجيش لحماية التظاهرات السلمية، مع الحرص على حماية المؤسسات العامة والخاصة.

كما لعب الجيش بقيادة عون دوراً محورياً في احتواء أزمات كادت تعيد لبنان إلى مربع الحرب الأهلية، من أبرز هذه الأزمات كانت اشتباكات الطيونة في أكتوبر 2021، حيث تدخل الجيش لوقف الصدام بين أنصار "حزب الله" و"القوات اللبنانية" على خلفية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، حيث سقط خلاله عدد من القتلى من أنصار "حزب الله".

جوزيف عون
"تعديل الدستور لقائد الجيش".. ما هي نقطة الخلاف على المرشح الأبرز لرئاسة لبنان؟
أعرب عدد من النواب اللبنانيين، الخميس، عن معارضتهم لتعديل الدستور من أجل انتخاب قائد الجيش رئيسًا للجمهورية، و جاء ذلك أثناء انعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، حيث ظهر الخلاف بشأن المرشح المناسب للرئاسة.
كذلك تمكن الجيش من السيطرة على الاشتباكات في منطقة الكحالة المسيحية شرق بيروت في أغسطس 2023، التي اندلعت بين أبناء المنطقة وعناصر من حزب الله بعد انقلاب شاحنة تحمل أسلحة للحزب، مما أدى إلى سقوط قتيل من الكحالة وأحد عناصر حزب الله.

نجاح عون في الحفاظ على المؤسسة العسكرية كصمام أمان في ظل الانهيار السياسي والاقتصادي، عزز مكانته كقائد يحظى باحترام داخلي وخارجي، وقد نجح في الحفاظ على توازن صعب بين علاقاته مع الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للجيش، وتجنب التصعيد مع حزب الله، كما اكتسب تقدير الدول العربية، خصوصاً السعودية، التي رأت فيه شخصية قادرة على المساهمة في استقرار لبنان.

تم التمديد للعماد جوزاف عون مرتين، الأولى في ديسمبر 2023 عندما صدق مجلس النواب اللبناني على اقتراح قانون يمدد بموجبه ولاية قائد الجيش لعام إضافي، والثانية في نوفمبر 2024.

يذكر أن عون ولد في عام 1964 في منطقة سن الفيل، وهو يحمل إجازتين، واحدة في العلوم السياسية وأخرى في العلوم العسكرية، ويتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وهو متزوج من نعمت نعمه، التي كانت ترأس قسم البروتوكول والعلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الأميركية، ولديه ولدان: خليل، ونور.

مشهد متكرر
عون هو خامس عسكري يصل إلى قصر بعبدا، حيث جرت العادة أن يطرح اسم قائد الجيش في لبنان كخيار توافقي عندما تتعقد عملية انتخاب الرئيس نتيجة الانقسامات السياسية والطائفية، ويعود ذلك إلى دور قائد الجيش في تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف، إضافة إلى مكانته كرمز للوحدة الوطنية في وجدان اللبنانيين، ما يجعله شخصية جامعة تحظى بقبول واسع.

فمنذ انتهاء ولاية الرئيس إلياس الهراوي، الذي تولى الرئاسة في 24 نوفمبر 1989 عقب انتهاء الحرب الأهلية، والتي جددت ولايته لثلاث سنوات حتى عام 1998، شهدت الانتخابات الرئاسية تحولاً بارزاً مع وصول قادة الجيش فقط إلى قصر بعبدا، فقبل هذه الفترة، لم ينتخب قائد للجيش لرئاسة الجمهورية سوى فؤاد شهاب.

بعد حقبة الهراوي، كانت البداية مع انتخاب العماد إميل لحود في 15 أكتوبر 1998، الذي أتى من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية مباشرة، وقد عرف عهده بتمديد ولايته حتى 2007، قبل أن يدخل لبنان في شغور رئاسي استمر ستة أشهر.

هذا الشغور، الذي أعقب نهاية ولاية لحود في 24 نوفمبر 2007، صاحبه تصعيد سياسي وأمني بلغ ذروته في أحداث 7 مايو 2008. انتهت هذه الأزمة بتوقيع "اتفاق الدوحة"، الذي مهّد الطريق لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 مايو 2008، وهو الآخر أتى من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية مباشرة.

وقد عدّل الدستور اللبناني لانتخاب كل من فؤاد شهاب وإميل لحود، أما انتخاب ميشال سليمان فلم يحتاج إلى ذلك، لأنه جاء بأكثرية الثلثين أي 86 صوتاً.

ومع انتهاء ولاية سليمان في 24 مايو 2014، دخل لبنان في فراغ رئاسي استمر عامين ونصف العام. خلال هذه الفترة، عقد البرلمان 46 جلسة دون التمكن من انتخاب رئيس، إلى أن انتخب ميشال عون رئيساً في 31 أكتوبر 2016، وحينما وصل إلى الرئاسة كان مستقيلاً من منصبه قبل سنوات.

في 31 أكتوبر 2022، انتهت ولاية عون ليجد لبنان نفسه في أزمة شغور جديدة. دعا بري إلى 12 جلسة انتخابية على مدى عامين، آخرها في 14 يونيو 2023، لكنها جميعاً باءت بالفشل، قبل أن تنجح جلسة اليوم في إنهاء الشغور الرئاسي.

سيتسلّم عون سلطاته الدستورية، في احتفال يقام بعد الظهر في القصر الجمهوري في بعبدا، وسط حضور إعلامي لبناني وعربي ودولي.

انتخاب عون رئيساً، خطوة يأمل اللبنانيون أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. من جهة أخرى، يمثل انتخابه بالنسبة للمجتمع الدولي خطوة نحو تثبيت الاستقرار في لبنان وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، لاسيما القرار 1701، بما يشمل سحب سلاح حزب الله.




شارك برأيك