- تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الاثنين بالعاصمة عدن
- مصادر : غروندبرغ في زيارته لصنعاء يحمل إنذار أخير للحوثيين
- إجراءات رئاسية منسقة لمكافحة الفساد وحماية المال العام
- خبير اقتصادي يحذر: الوديعة السعودية لن تحقق الاستقرار دون إصلاح جذري
- كيف انقذ الرئيس الامريكي جيمي كارتر صنعاء من القوت الجنوبية ؟
- تعز : جرائم قتل وانتهاكات وأعمال سلب تشهدها المدينة بحلول العام الجديد 2025 لم يسلم منها ذوي الاحتياجات الخاصة
- تفاصيل صفقة القرن التركية الروسية .. سوريا مقابل ليبيا وآسيا مقابل أفريقيا
- بدعم المحافظ لملس وجهود قيادة الصندوق .. عدن تشهد نهضة شاملة في صندوق النظافة وتحسين مظهرها الجمالي ..
- الحوثيون يقولون إنهم أفشلوا "أنشطة عدائية" للمخابرات السعودية والبريطانية
- عاجل: المبعوث الأممي الخاص باليمن يصل صنعاء لأول مرة منذ عامين
بقلم : أمين العلياني
مدخل:
الإنسان بعقله الإبداعي، وقوة إدراكه الابتكاري هو من صنع أدوات الاتصال، وجعلت منه شرطًا من شروط البقاء في التواصل، وسنة من سنن التغيير في الأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والحضارية. وتاريخ البشرية من عصور نقوش الأحجار إلى بث الأقمار، يمكن رصده متوازيًّا مع تطور وسائل الاتصال الحديثة التي تربط الأفراد والجماعات، ويشهد هذا التاريخ أن الاتصال كان دومًا وراء كل وفاق وصراع، فكلاهما (بحسب ميثاق منظمة اليونسكو)، ينشأ ابتداءً من عقول البشر، ويعود لها.
وللإعلام الجنوبي الحديث دور فعَّال في مناحي الحياة الجنوبية المختلفة؛ حيث جعلت منه محورًا أساسيًا في تقوية روابط منظومة مجتمعه المدني، الذي بات اليوم محور الاقتصاد، وشرط أساسي للتنمية، ونافذة للتعبير، وسنة من سنن التغيير في جوانب المجتمع الجنوبي اجتماعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا وحضاريًّا، وما يؤكد محورية الإعلام الحديث في حياة الفرد في المجتمع الجنوبي ذلك الاهتمام الشديد الذي تحظى به قضاياه في الفكر المعاصر، والتنظير الثقافي، والتعبير عن حقه في العيش الكريم في ظل دولة يناضل على استعادتها بكل السبل السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والهوية والانتماء والعلم والعملة والجغرافيا عبر تفويض شعبي منحه الشعب للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي ذلك المجلس الذي يشكل مجلس العموم الجنوبي كيانه السياسي وهيكله التنظيمي الذي يمثل كل أطياف المجتمع الجنوبي من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني والمرأة والشباب والمستقلين ممثلًا برئاسة المجلس، وهيئاته المساعدة، والأمانة العامة، والجمعية الوطنية التشريعية، ومجلس الاستشاريين، ومجلس الهيئات التنفيذية.
ولهذا عمل الإعلام الجنوبي الحديث بوسائله الالكترونية المختلفة في التعبير عن مجالات الثقافة الجنوبية وقضايا الوطن الجنوبي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والهوية والعلم والانتماء والعملة والجغرافيا، حتى جاز لبعضهم أن يطلق عليها: ثقافة التكنولوجيا الجنوبية، وثقافة السوشل ميديا الجنوبية، وثقافة الوسائط المتعددة الجنوبية، التي عززها الإعلام الجنوبي الحديث، من خلال استثمار التكنولوجيات الجديدة ووسائل الإعلام البديلة والمجانية؛ لتقوية المجتمع المدني الجنوبي في البناء الديمقراطي، والتأثير عليه إيجابيًّا، والمشاركة في بناء السياسات العمومية، ومساهمته في تأسيس نواة الدولة عبر هيئاته التنفيذية في المحافظات والمديريات والقرى والحواضر المجتمعية؛ حيث يستخدم المجتمع المدني شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير لإحداث التغيير.
لهذا، ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في توعية المجتمع الجنوبي المدني؛ بهدف تقوية التعاون بينه وبين المجلس الانتقالي الجنوبي وهيئاته المساعدة والأمانة العامة والجمعية الوطنية ومجلسي الاستشاريين والهيئات التنفيذية وهيئاته التنفيذية بالمحافظات والمديريات والحواضر والأرياف فشكل نموذجًا يمكن الأخذ به فيما يخص تعزيز مشاركة المجتمع المدني في البناء الديمقراطي. ذلك أن التجارب أثبتت أن استثمار شبكات الإعلام الحديث في الحوار بين المجتمع المدني وقيادته السياسية العليا الممثلة برئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، يمكن أن يهيئ بيئة جيدة للمشاركة الحضارية بتوجهات ديمقراطية، تساهم في ضمان نجاح المشروع الجنوبي في التوجه باستعادة دولته الجنوبية العربية الفيدرالية المستقلة، في إطار المشروع العربي الذي يحترم ويدافع ويراعي حقوق الجوار، واستقلالية سيادة دولها. من هنا جاءت الحاجة ماسة في الأخذ بدور الإعلام الجنوبي الحديث في ضرورة تأهيل المجتمع الجنوبي المدني، وتقوية قدراته في المجال التكنولوجي؛ بمعنى أن رقمنة منظمات المجتمع الجنوبي المدني متطلبًا أساسيًّا؛ لتقوية دوره في تحقيق النواحي الديمقراطية والمشاركات الإعلامية الإيجابية والمساهمات الثقافية الفاعلة في تكوين جيل يعيش هويته الجنوبية في إطار الحاضنة العربية بعيدة عن الاستقطابات الطائفية والاسقاطات الأيديولوجية القاتلة، ولا سيّما وهم يعيشون في عصر الذكاء الاصطناعي.
مقدمِّة:
تُعدّ مواقع الإعلام الجنوبي الحديث المسموعة والمقروءة والمرئية نوافذ إعلام تعبيرية مميزة، وأدوات توصيل معلومات مؤثرة، وصاحبة رأي مقنعة؛ لأنها انتشرت في بنيات المجتمع الجنوبي من نطاق ضيق إلى نطاق أوسع، وأثرت بالاستجابة على المتلقي، وساهمت في تحديد توجهاته وتغيير معتقداته وبناء أفكاره ومواقفه من قضية شعبه السياسية وحقه العادل في استعادتها بكل جغرافيتها بحدود ما قبل 22 مايو 1990م.
إن دور الإعلام الجنوبي الحديث من خلال الصحافة والمواقع الإخبارية والإذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعدُّ من أكثر المنتجات الالكترونية شعبية، وعلى الرغم من أنها أنشئت للتواصل بين الأفراد إلا أنها تعدت ذلك ليكون الفرد في بنية هذا المجتمع الجنوبي ممثلًا لمؤسسة إعلامية رسمية، أو شكل من أشكال الإعلام الكبير كالصحف، أو هو ممثل لنسق اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ديني، ويُستخدم الفيس بوك لعرض القضايا السياسية ونقاشها، والدعوة من خلالها لحضور الندوات أو كسب التأييد والمؤازرة في توجه معين، فانتشار هذه الأدوات بشكل سريع لما يتميز بسهولة التعامل معها وانخفاض تكلفتها، يؤدي إلى زيادة سريعة في عدد مستخدميها، فنلاحظ أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يزداد إلى مليون شخص كل شهر، وهذا العدد يفوق عدد قراء الصحف التقليدية الورقية، فاستبدال المجتمع لوسائل التواصل بينها وبين قيادتها الجنوبية السياسية ووسائل الاهتمام السياسي من الصحف والتلفاز إلى المواقع الالكترونية وتحديدًا مواقع التواصل الاجتماعي فيها، كلها كان لها خصائص سهلة في التعامل والتكلفة، وسرعة الوصول، مقارنة مع الوسائل الأخرى.
وتُعدّ فئة الشباب هي الفئة الفاعلة التي لها دورها المهم في إدارة الإعلام الحديث ومواقع التواصل الاجتماعي؛ نظرًا لما يملكون من قدرة مهارات وخبرات تتيح لهم التواصل فيما بينهم من خلال المواقع، ومنها يمكن لهم نشر الأفكار والمواقف، وعرض التوجهات والخبرات السابقة، ما يشير إلى مدى أهمية هذه المواقع على المستوى السياسي في المجتمع الجنوبي، ومدى أثرها في تحديد التوجهات والتوقعات وتشكلها بين المجتمع وقيادته الجنوبية السياسية، وما يقوي الثقة بين الطرفين في صنع القرار.
ويعدُّ دور الإعلام الجنوبي الحديث عبر الصحف والتلفاز والمواقع الإخبارية ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي أداة أساسية للتنمية وتحقيق أهداف الألفية الثالثة؛ لأنها تخلق فرصًا جديدة في كل مكان، ولها تأثير كبير على حياتنا اليومية؛ فهي تبقينا على اتصال بقضايا مجتمعنا الجنوبي الأساسية كلها على الصعيد الوطني والدولي والإقليمي؛ ولهذا السبب، يمكن أن يعزز استخدام الوسائل التكنولوجية، دور المجتمع الجنوبي المدني في التنمية وفي المسار الديمقراطي؛ لكونها تقوم بخلق نوع جديد من العلاقات بين الفاعلين في مجتمعنا الجنوبي في العصر الحديث. كما أن شبكات التواصل الاجتماعي تخلق شكلًا جديدًا من التفكير والعيش مع اختلاف الزمان والمكان، وتساهم بتعزيز دور المجتمع الجنوبي المدني في بناء الوعي الديمقراطي والسياسي. ويندرج هذا الأمر في إطار إعلان مبادئ مؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات، الذي نظم في جنيف سنة 2003م. وهو ما يدفع إلى طرح العديد من الأسئلة، أبرزها: ما هو دور الإعلام الجنوبي الحديث في خلق تواصل فعال بين أفراد المجتمع الجنوبي في قضاياه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية؟ ما دور الإعلام الجنوبي الحديث في خلق تغيير بنية المجتمع الجنوبي على المستوى الاجتماعي والسياسي؟ إلى أي حد ساهم الإعلام الجنوبي الحديث في خلق وعي جديد يعمل على تعزيز دور المجتمع الجنوبي المدني، ومساهمته في تحقيق المسار الديمقراطي؟ وما هو مستقبل الممارسة الإعلامية على تحقيق استعادة مشروعه السياسي في استعادة دولته الجنوبية العربية الفيدرالية المستقلة بحدود ما قبل 22مايو 1990م؟
الإعلام الجنوبي في ظل التقنية الرقمية والثورة الإعلامية:
تكمن وراء كل ثورة إعلامية عوامل تقنية واقتصادية وسياسية يمكن تلخيصها فيما يلي:
التقدم التقني للرسالة الإعلامية ودورها في انكماش الفواصل الزمانية والمكانية بين كاتبها ومرسلها ومتلقيها في ظل التقدم الهائل في تكنولوجيا الكمبيوتر، ما انعكس على جميع قنوات الإعلام الجنوبية (صحافة مختلفة، إذاعة، تلفزيون)، وانعكس ذلك على طبيعة العلاقات التي تربط بين كاتب الرسالة الإعلامية ومرسلها وناشرها ومتلقيها؛ حتى انكمش العالم مكانًا وزمانًا، وسقطت الحواجز بين البعيد والقريب.
التقدم الإعلامي المتمثل في زمن العولمة المعاصر، وما يتطلبه الإعلام الجنوبي من إسراع في تدفق المعلومات، وليس هذا لمجرد كون المعلومات قاسمًا مشتركًا؛ بل لكونها سلعة إعلامية اقتصادية في حد ذاته؛ حيث تتنامى أهميتها يومًا بعد يوم. حتى غدت نظم الإعلام والاتصال الجنوبية هي وسيلة الشعب في التعبير عن حقوقه السياسية والوطنية والثقافية والاجتماعية، والمطالبة بتحسين أوضاعه من جانب، وتنمية قدراته والتعبير عن استحقاق نضالاته، ووسيلة صناعة ثقافته، ورسم حدود هويته العربية، وطرق الانتماء لها من خلال السلام والتعايش عبر رسالته الإعلامية من خلال الصحف والبرامج التليفزيونية والمواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي من جانب آخر.
الاستحقاق السياسي المتمثل بالاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام من قبل القوى السياسية الجنوبية؛ بهدف إحكام قبضتها على الجغرافيا الجنوبية، وإظهار مكانتها على استقرار المنطقة من خلال قواتها الجنوبية المسلحة والأمن، في حماية الثروات والممرات المائية المهمة ومحاربة التطرف والإرهاب في زمن تعيشه المنطقة في الشرق الأوسط بكونه زاخر بالصراعات والتناقضات حتى انعكس ذلك على الإعلام الجنوبي الحديث، وحقه المشروع في التعبير عن قضيته السياسية الممثلة في استعادة دولته السيادية إلى حضنها العربي في ظل الصراعات العالمية والإقليمية والمحلية.
إن سرد الرسائل الإعلامية للكتّاب الجنوبيين واهتماماتهم في مختلف أدوات التواصل الإعلامي من خلال تبادل الأفكار، والخبرات، والتتبع، والتغريد على الصفحات الممنوحة لهم بالكتابة، ما هي إلا طرق للتعبير عن وجهات نظرهم تجاه قضيتهم السياسية العادلة وأحقيتهم في استعادتها، وكذلك معبرين عن طرق جديدة؛ بهدف خلق تأثير جيد؛ لأنها تقدم لهم أنواع جديدة من الانعكاس الاجتماعي لفهم ذواتهم وقضاياهم السياسية. وما جرى في الإعلام خلال السنوات الأخيرة، يمكن أن نصفها بأنها ثورة إعلامية جنوبية تضاف إلى الثورات الناعمة التي يشهدها العالم، التي غيرت حياة الفرد في المجتمع الجنوبي، ولا سيّما بعد أن صار الوعي السياسي قادرًا على التعبير عن حقوقه في استعادة دولته الجنوبية الفيدرالية العربية بحدود ما قبل عام 1990م التي باتت تنساب في سلاسة وسلامة عبر التطور في رسالته الإعلامية، كما يقول جون فوران وزملاؤه في كتابهم الأثير (مستقبل الثورات).
الإعلام الجنوبي الحديث وتفكيك صورة السلطة الاحتلالية للشمال اليمني
ساهم الإعلام الجنوبي الحديث في تآكل قدرة سلطة شمال اليمن المهيمنة والمستبدة من خلال تعزيز دور قواته المسلحة والأمن التي صارت هي الحصن المنيع للأمن والسلم الدوليين وتحظى بدعم إقليمي إلى جانب التأييد الدولي، وصار تفكيك سلطة الاحتلال الشمالي للجنوب مطلبًا إعلاميًّا وسياسيًّا أدي بالتتابع إلى تعزيز الحريات الثلاث حول التفكير، والتعبير، والتدبير؛ إذ إنه يساعد أفراد المجتمع في الجنوب على الاطلاع على ما يجري في أرجاء الجغرافيا من طقوس، وطرق تفكير، وتصرف، وليس هذا فحسب؛ بل تفتح أمامهم بابًا واسعًا ليعبروا عن آرائهم، ثم يمنحهم وسيلة مهمة لممارسة النضال السلمي المدني. حيث يعينهم على التواصل والتعبئة والدفاع عن أرضهم والانتصار على النظام الاستبدادي، والاحتلال الهمجي من خلال آلة الحرب الذي تعاود عليها الشمال اليمني بالغزو على الجنوب كما حصل في صيف إبريل عام1994م ومارس 2015م وأغسطس 2019م.
3. الإعلام الحديث وتشكيل الوعي
3. 1. تشكيل الوعي الاجتماعي
يمثل الوعي الاجتماعي/ Social Consciousness ظاهرة سوسيولوجية تؤدي دورًا أساسيًّا في التغيير الاجتماعي؛ فالوعي يبدأ بمجرد أن يبدأ الإنسان في إنتاج وسائل العيش، تلك الوسائل التي تتحدد بداية بظروف الطبيعة وإمكاناتها، وبإنتاج الوسائل التي ينتج الإنسان بفضلها حياته المادية والعقلية. والوعي حالة من الاستعداد تتكون من عديد الأفعال العقلية المشتركة، التي من خلالها يعي الفرد هذا الموضوع أو ذاك في نفسه أو بيئته، ولا يمكن فصل الوعي بالمجتمع عن الوعي الذاتي؛ إذ لا نستطيع التفكير في أنفسنا إلا بالإحالة على جماعة اجتماعية من نوع ما، وما نحن على وعي به، ليس أكثر أو أقل من الكل الشخصي أو الاجتماعي المعقد؛ فمعظم وعينا انعكاس لحالات عقلنا الواعي، الذي يصبح وعيًا اجتماعيًّا؛ لأن إحساس علاقتنا بالآخرين، أو علاقات الآخرين ببعضهم، ربما تفشل في أن تكون جزءًا منها.
إن الوعي الاجتماعي ليس إدراكًا للواقع وليس تصورًا له فقط، بل هو نتاج لحركة تبادلية يندمج بها الفردي في الاجتماعي، الذاتي في الموضوعي، والإدراك في التصور، وتعد الأبعاد النفسية مجالات أولية للوعي، وبالتالي فإن الأبعاد النفسية والفكرية والعلمية تعد مجالًا نوعيًّا متميزًا من مجالات الوعي، يتميز فيها عن غيره من المجالات بوظائفه، والدرجة التي يعكس بها الواقع الاجتماعي. فقد أكد جورج ميد على الأصل الاجتماعي للفعل، ويشير إلى أن الوعي بالذات ليس نتاجًا فرديًّا صرفًا، بقدر ما هو محصلة تفاعلات اجتماعية يكون الفرد منغمسًا ومشبعًا فيها، وبالتالي فإن الشعور بالهوية ليس معطى أوليًا في الوعي الفردي، بل حصيلة آليات اجتماعية، تتداخل في التنشئة الاجتماعية. بمعنى أن الإنسان ليس كائنًا اجتماعيًا فحسب، بل إن وجوده رهين بالآخر، لذا رفض جورج ميد أن يكون الوعي الفردي سابقًا التنظيم الاجتماعي؛ فالأنا كائن اجتماعي يتميز بالقدرة على الإنتاج، والإبداع والمحاكاة، ولا معنى لسلوكه خارج المحيط الاجتماعي.
وتمثل التنشئة الاجتماعية مكونًا أساسيًّا من مكونات الوعي الاجتماعي، وتعدُّ عملية غرضية وموجهة أيديولوجيًا، تتوخى إحداث تغييرات ثقافية معينة، بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء، فنمط التنشئة الذي يخضع له الفرد يؤثر إلى حد كبير في استجابته لمختلف المثيرات الاجتماعية، ومدى مشاركته في العملية الاجتماعية، وجدية هذه المشاركة في مرحلة النضج، كما تعد التنشئة الاجتماعية ذات أهمية خاصة وسياسية بالنسبة لعملية التكامل الاجتماعي لدى الجنوبيين، وتطور الوعي بالهوية الوطنية وتأكيد الولاء والانتماء للجنوب والقيادة السياسية التي تدير المرحلة نحو التحول والاستحقاق الفعلي للحكم. وتساعد التنشئة الاجتماعية على إمعان التمحيص والنقد لبعض الأفكار الاجتماعية، وبذلك تكون هناك مراجعة للجو الاجتماعي العام في مجتمعنا الجنوبي، وذلك عن طريق تعليم الناشئة القيم والاتجاهات الاجتماعية من خلال الأسرة والمدرسة، ومؤسسات المجتمع الأخرى.
ويتكون الوعي الاجتماعي من ثلاثة أبعاد:
1. الوعي الفردي الذي يعبر عن فرد محدد له ظروفه النوعية الخاصة، ويعكس وجودًا فرديًا عيانيًا محددًا؛ بمعنى أن الإنسان في المجتمع الجنوبي العربي مدرك لتصرفاته وجميع نشاطه المادي والروحي.
2. الوعي الجماعي والذي يشير إلى وعي طبقة محددة أو مجتمع محدد، وهو إدراك وتصور طبقيان للمجتمع والطبيعة.
3. الوعي المجتمعي الذي يمثل انعكاسًا للوجود الاجتماعي ككل، ويشير إلى إدراك القضايا المجتمعية الأساسية وتصورها.
تأتي هذه الأبعاد على ثلاثة مستويات، ليشير المستوى الأول إلى الوعي اليومي المباشر الذي يعبر عن خبرة الحياة اليومية المباشرة وحاجات الإنسان اليومية في الجنوب؛ بمعنى أنه بعدٌ تفصيليٌّ، ويتسم بالتلقائية؛ إذ ينشأ من الشروط التطبيقية للحياة الاجتماعية في مجتمعنا الجنوبي، كما يرتبط بالخصائص النفسية الاجتماعية للفرد في محيطه. أما المستوى الثاني، فهو الوعي النظري الأيديولوجي الذي يعكس وجودًا واقعيًّا، ويأتي إدراكًا وتصورًا للمجتمع الجنوبي، وما يحتويه من علاقات وصراعات، ويحاول الفرد في الجنوب من منظور تاريخي ومعاصر، فهم جوهر الواقع الاجتماعي وظاهراته والقوانين الأساسية التي تحكم سيرورته، كما يعبر عن الوعي الاجتماعي بالمشاركة الاجتماعية والمعرفة الاجتماعية، وتكوين تصور عن المسائل الاجتماعية، وتبني اتجاه سياسي يلبي طموحه وتطلعاته السياسية ودعمه مثل التصويت وعضوية التنظيمات الاجتماعية، ولا يقتصر هذا الوعي الاجتماعي على الإدراك والمعرفة، بل يتعدى ذلك إلى الفهم والتقويم وردات الفعل والتصرف من قبل الفاعلين.
ويصبح دور الإعلام الجنوبي الحديث أكثر أهمية في عصر العولمة وما بعد الحداثة، ومن أقوى الوسائل في تشكيل الوعي الاجتماعي وتكوين الصورة الذهنية في أذهان متابعيه وأنصاره، وعاملًا أساسيًّا في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم؛ لأن المضمون الذي تتوجه به عبر وسائل إخبارية أو ثقافية أو غيرها، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل أنه يسهم في تكوين الحقيقة، وحل إشكالياتها؛ إذ لم يعد إعلامًا ناقلًا بل موجهًا للأفراد والجماعات وتكوين مواقفهم الفكرية والاجتماعية؛ إذ ساهمت وسائل الإعلام الجنوبي الحديث في توسيع شبكة علاقة المواطن الجنوبي الاجتماعية مع الآخرين على المستولى المحلي والإقليمي والدولي، بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية، والاقتصادية، والثقافية والدينية، وأتاحت للأفراد فرصة تقديم أنفسهم للآخرين بحرية كبيرة، من دون قيود.
كما أدت وسائل الإعلام الجنوبية دورًا حيويًا في دعم الوعي اذي يتصف بالحياد والشفافية حول العالم بما أتاحته من أدوات تعبير وبيئة وأداة عمل في المجال السياسي العام، وإتاحة فضاء مفتوح أمام المعلومات السياسية والطرح السياسي؛ حيث ساهمت في جذب الأنظار بعد تفجيرها للعديد من القضايا التي أثارت الرأي العام، وأهمها قضية الجنوب السياسية والمطالبة باستعادتها عبر الوسائل الإعلامية الحديثة، وفي مقدمتها شبكات التواصل الاجتماعي (الواتس اب، الفيس بك، تويتر، وغيرها)، وارتبطت موجة الاحتجاجات، وتشكيل أول نواة للثورات العربية بروح النضال السلمي التي اجتاحت المنطقة العربية مطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، والتي وجد فيها المتظاهرون في الجنوب العربي منفذًا للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم ورغباتهم في التغيير، حتى غدت بمثابة محرك فاعل ومؤثر في الثورات والتظاهرات والحوادث التي شهدتها المنطقة العربية فيما بعد.
3. 2. تشكيل الوعي السياسي
على الرغم من قدم المجتمع المدني، فإنه قد استخدم بشكل واسع منذ التسعينيات مع العولمة التكنولوجية. ومن ثَمَّ، فإن مصطلح المجتمع المدني يشمل الجمعيات، والمؤسسات ومعاهد البحوث، ووسائل الإعلام، والحركة النقابية والفاعلين في مجال الأعمال التجارية والفكر، والمجتمعات الدينية، والتعاونيات، والشبكات ومختلف الحركات الاجتماعية، وجميع أنواع المنظمات ذات الأنشطة غير الربحية، والأهداف المشتركة. ويعتمد تعريفنا للمجتمع الجنوبي المدني على أربع نقط أساسية:
العلاقة الجيّدة بين القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي والمجتمع المدني، التي تدل عليها مراقبة حقوق الإنسان.
المساءلة بين المجتمع الجنوبي المدني والقيادة العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي: والسؤال المطروح هنا: كيف يمكن للمجتمع الجنوبي المدني أن ينشئ آلية للمساهمة في التغيير سياسيًّا؟
التمويل المحلي: على قيادة مجلسنا الانتقالي أن تشجع المجتمع المدني الذي يعمل مع معها على تحقيق التنمية وبث الوعي السياسي في بنية المجتمع.
العلاقة بين المجتمع الجنوبي المدني والمجتمع السياسي.
وتكمن القيمة الخاصة للديمقراطية التي يعمل عليها الفاعلون في المجتمع الجنوبي المدني في تأثير هذا الأخير في رسم السياسات العمومية وتنفيذها وتقويمها. والمجتمع الجنوبي المدني هو فاعل أساسي في عملية زرع الوعي التشاركي الديمقراطي في العصر الحديث. فقد أثبتت الحركات الاحتجاجية التي عرفها الجنوب العربي منذ عام 2007م حتى اليوم، أن هذا الفاعل عنصر أساسي وفعال في البناء الديمقراطي، كما أكدت قدرة المجتمع الجنوبي المدني على إحداث التغيير. وذلك من خلال سقوط بعض رموز الاستبداد، والمساهمة في إعادة بناء الشأن السياسي الداخلي. والواقع أن ظهور المجتمع الجنوبي المدني هو في الوقت نفسه نتيجة للعملية الديمقراطية ومشارك فعال فيها؛ بمعنى أن هناك علاقة تأثير وتأثر بين توطيد الديمقراطية والمجتمع الجنوبي المدني؛ فالمجتمع الجنوبي المدني يساهم بشكل كبير في العملية السياسية؛ أن الوعي التشاركي شرط أساسي في تعزيز دور المجتمع المدني في الجنوب؛ بوصفه فاعلًا رئيسًا في التنمية، بما في ذلك تطور مفهوم التشاركية الديمقراطية.
إن استخدام المجتمع الجنوبي المدني لوسائل الإعلام الحديث وشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، يجعلها أكثر قوة كفاعل على الصعيد الوطني الجنوبي والإقليمي والدولي، بل أكثر قوة من بعض المنظمات الدولية، ما يعيدنا إلى نظرية العقد الاجتماعي بين الأفراد وقيادتهم السياسية، وقد شكل أداء الوعي الاجتماعي للمجتمع الجنوبي المدني ضغطًا غير مسبوق على عمل الحكومة التي تحاول التنصل عن أداء مهامها لاعتبارات سياسية تهدف من خلاله إلى تفكيك هذا الوعي الجنوبي المدني من تمسكه بقيادته الجنوبية من خلال أشكال التواصل والتفاعل والعمل الجماعي. فالحكومة الانتقالية تستمد شرعيتها من الأفراد، والجغرافيا الجنوبية المحررة والمجتمع الجنوبي المدني يمكنه بوساطة شبكات التواصل الاجتماعي الضغط على الحكومة الانتقالية والمعترف بها دوليًّا لإجراء إصلاحات تلبي حاجاتهم، حيث يمكن استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال من قبل المواطنين للتأثير في سياسات الحكومة العامة. بهذا المعنى، تشكل شبكات التواصل الاجتماعي عنصرًا مهمًّا يضمن إدماج الجميع في عملية الوعي والعمل التشاركي وممارسة جيدة للمقاربة التشاركية. بهذا، عملت التكنولوجيا الرقمية على تعزيز دور المجتمع الجنوبي المدني في بناء الوعي التشاركي الديمقراطي؛ لأن شبكات التواصل الاجتماعي، سهلت التواصل والتفاعل بين الأفراد.
خلاصة واستنتاج:
تكمن أهمية الإعلام الجنوبي الحديث وشبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز مشاركة المجتمع الجنوبي المدني في البناء التشاركي الديمقراطي؛ لكن بالمقابل هناك العديد من التحديات المطروحة على هذا المستوى بالنسبة إلى الدول النامية خاصة. أهم هذه التحديات ضرورة التغلب على الفجوة الرقمية، وضرورة تأهيل المجتمع المدني وتعزيز قدرته على الانخراط في الثورة الرقمية. فارتقاء دور المجتمع المدني على المستوى المحلي والوطني والدولي رهين بمدى استخدامه لشبكات التواصل الاجتماعي ولأنظمتها الذكية، وهذا يعني ضرورة تأهيل الموارد البشرية من خلال: أولًا، تسهيل وصولها للإنترنت كما ينص على ذلك ميثاق حقوق الإنسان والمبادئ على شبكة الإنترنت. وثانيًا، الاستثمار في الدورات التدريبية لتقوية قدرات أعضاء المجتمع الجنوبي المدني في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال والثقافة الرقمية، بل والتعامل مع الأنظمة الذكية وحتى الروبوتات.
ومن هنا فالمجتمع الجنوبي العربي يعمل على نحو أفضل من الحكومة الانتقالية، وهو أكثر انخراطًا في المسار التشاركي الديمقراطي من الدولة. لذا، وبالنظر إلى التحديات الداخلية التي تفرضها أهداف التنمية. وفي هذا السياق، من المهم عدِّ المكونات الجنوبية المنضوية في الكيان الشعبي والكبير الذي شكل المجلس الانتقالي الجنوبي نقطةَ انطلاق لفهم أهمية العلاقة بين المجتمع المدني الجنوبي وكيان المجلس الانتقالي الجنوبي السياسي لتحقيق الممارسة التشاركية والمبنية على الوعي الاجتماعي والسياسي العميق. وقد أثبت الواقع أن المجتمع الجنوبي المدني يساهم بشكل كبير في طرح الحلول للعديد من القضايا التي هي في الواقع مسؤولية الحكومة الانتقالية، مثل: التعليم، ومكافحة الفقر، وضمان الوصول إلى الخدمات الصحية وغيرها من القضايا.
وبالنظر إلى دور الموارد البشرية في عملية التغيير، يمثل المتقاعدون الجنوبيون قوة بشرية يمكن استثمارها من أجل التنمية، لهذا من الضروري إشراك هؤلاء الأشخاص الذين يملكون العديد من المهارات والخبرة الطويلة في البناء المؤسسي. وفي الإطار نفسه، يعدّ خلق روح المواطنة لدى الأفراد اللبنة الأساسية لضمان المشاركة الفعالة للمواطنين في البناء التشاركي. وهنا يأتي دور التعليم المرتبط بالمدارس والجامعات والأسرة والبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد. والمجتمع الجنوبي المدني شريك على قدم المساواة في العملية التشاركية التي تبدأ بضمان الوصول الى الكفاءات القادرة على تأسيس مداميك الوعي المؤسسي لبناء الدولة الحديثة.