آخر تحديث :السبت 28 ديسمبر 2024 - الساعة:15:05:09
‏لماذا تقصف اسرائيل أهدافاً مدنية ومكررة؟ وكيف ينظر الحوثي لهذا المستوى من التصعيد؟
(عدنان الجبرني)

 

 


شنّت اسرائيل أربع موجات هجومية ضد الحوثيين،حتى الآن، وكلها مكررة، وتأخذ شكلاً مهرجانياً يرافقه تصريحات متعجرفة، ولكن قبل تفسير دوافع وغايات اسرائيل نحاول فهم منظور الحوثي لهذه الضربات.

أولا: لا بد وأن الحوثي سعيد بأن الاسرائيلي بدأ انتقامه من حيث تأمل الجماعة وترغب وليس العكس، اذ أن استهداف مقدرات عامة تفيد الحوثي في التعبئة الداخلية والخارجية، وتعزيز المشروعية، ويجنبه العزل الشعبي المتوقع في حال أن إسرائيل بدأت انتقامها بكسر رؤوس قيادات الحوثي وقدرات الجماعة الخاصة والنوعية وليس الأهداف الحالية.

ثانياً: هذا المستوى من الغارات الاسرائيلية لا تؤثر في قدرة الحوثي على إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو تل أبيب، وبالتالي هذا يوفر عنصر استمرارية وندية للحوثي، تتيح له تسجيل نقاط تؤكد الهالة التي يسعى إليها.

ثالثاً: يمنح الحوثي فرصة لترسيخ واختبار بروتوكولاته الجديدة في آليات "الدفاع السلبي" والأمن والحركة للقيادات والمقرات، ويتعلم ويدرس أسلوب الاسرائيلي فنياً، ويكتسب يقظة وفهم يمكنه من الاستفادة من درس حزب الله وسوريا عمليا.

رابعاً: الحوثي في هذه المنازلة المعقدة مع اسرائيل وما يبدو استعصاء محتملاً مقارنة بحزب الله مثلاً فإن ذلك يعد إثباتاً اضافياً لأهميته وجدواه بالنسبة لإيران، وتأكيد لصوابية خيارها وصحة قراءتها وقرارها الجريء سابقاً في نقل تكنولوجيا متقدمة إليه واعتماده كساحة صلبة توفر لطهران عمقاً وازناً تستفيد منه في الشدة عندما تخوض صراعاتها الاقليمية والدولية، وهذا المستوى من النظر للحوثي سبق وكتبت عنه خلال الشهور الماضية، والتحوّل الذي أقره سليماني عام ٢٠١٩ في تموضع ومكانة الحوثي ضمن المحور مستقبلاً، وبالتالي فإن بقاء الحوثي فاعلاً في هذه اللحظة الصعبة التي تمر بها ايران ومحورها يمثل مدداً استثنائياً ومبهجاً سيدفع طهران إلى مزيد من الرهان على الحوثي وهو ما سيدفع الحوثي في المقابل الى ارخاء وسحب يده من مسارات اقليمية مرتبطة بالتسوية ووقف الحرب. 

أما بالنسبة لدوافع اسرائيل في نهج هذا المستوى من التصعيد ضد الحوثي ولماذا تستمر في، فيمكن افتراض عدة عوامل أهمها في تقديري:

- ضرورة، ونقص جاهزية: سواء معلوماتياً أو لوجستياً، لكن تكرار الحوثي هجماته خلال الآونة الاخيرة يحرج المسؤولين الاسرائيليين، ولذلك يتقصدون في قصف البنى التحتية العامة بتكرار، مع تكثيف الجهد لجمع معلومات أكثر عن الحوثيين وطريقة استجابتهم وهذا يعني أن اسرائيل ما تزال في طور تحضيري، وربما لم يقنعها ما لدى الاميركيين، وتجربتهم المتعثرة منذ عام.

- هدف الردع: وتهديد الحوثي تدريجياً لدفعه للتوقف بدافع خشية خسارته البنى المدنية التي توفر له الاعتراف والموارد، وإذا كانت هذه غاية فعلية مفترضة فهي مؤشر على خطأ في الفهم للحوثي وعلى خطل الاسرائيلي وحلفائه، وسيكون اعتقادهم بأن هناك أثر نفسي على الحوثي وحاضنته من اشتعال الحرائق بخزانات الوقود إثر الغارات، وهذا اعتقاد خائب. لكن في المقابل فان أعمدة الدخان ومسمى المطار والموانئ يكون نافعا لدى جمهور الاحتلال ومواطنيه للقول إن جيشهم لم يقف عاجزاً ويقوم بعمله رداً على الصواريخ الحوثية.

- التدريب: ويعني أن اسرائيل تركز حالياً على تجريب عملي لقدراتها اللوجستية لمعركة بهذا البعد وتختبر مختلف تشكيلات الجيش النوعية، ومستوى الكفاءة التشغيلية وطريقة تنسيق العمليات في الجو للتغلب على المسافة البعيدة ومدى القدرة على المفاجأة أو انكشافها في المسافة التي تفصل الاقلاع من مطارات اسرائيل وبين زمن الوصول الى الاجواء في المناطق اليمنية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي والتنفيذ!، وكذلك تحديد حجم ومستوى المساعدة الامريكية المطلوبة وتحديد الثغرات التي تنقصهم.

- نموذج حزب الله، وهو أن تستمر اسرائيل في الرد الاعتيادي على الهجمات بنسَق مماثل أو مقارب، مما يوحي بقواعد اشتباك، ثم في لحظة معينة تقرر خوض حرباً جادة بمستوى مفاجئ كما حدث لحزب الله خلال اسبوعين تحديدا، بين ١٧ سبتمبر وعملية البيجر حتى مقتل صفي الدين وبينهما تصفية نصر الله ومعظم الصف القيادي الاول والمراكز اللوجستية الحساسة. لكن هل يمكنهم ذلك! يحتاج هذا الامر الى نقاش منفصل.




شارك برأيك