آخر تحديث :الخميس 02 يناير 2025 - الساعة:20:50:16
هذا زمن معمر الارياني
(كتب فتحي أبو النصر)

 الزميل العزيز عبد الودود شفيق، المحلل السياسي المرموق، قال في صحيفة النداء اليمنية أمس،كاشفاً ما لم يكن مستغرباً، لكن مضحكاً حد الوجع. وزير الإعلام والثقافة والسياحة في اليمن! ثلاث وزارات، ثلاثة رواتب، ولا عمل ملموس يُرى. يستلم الوزير معمر الارياني راتبه كوزير إعلام، ثم يرتدي عباءة وزير الثقافة فيستلم راتباً ثانياً، ثم بما يشبه الفانتازيا يصبح وزير السياحة في بلد لا يعرف السياحة منذ اشتعال الحرب. راتب رابع يأتيه مع نثريات وبدلات ومخصصات وأموال تلمع، وفي النهاية ما لا يقل عن عشرين ألف دولار شهرياً تزين حسابه المصرفي.

ولكن، ضحكتُ حقاً حين قرأت هذا المشهد العبثي. وزير للسياحة في يمن لم يعد للسياحة فيه أثر سوى في ذاكرة المغتربين. وبينما يستلم هذا الوزير ما يزيد عن عشرين ألف دولار شهرياً، تجد إعلامية محترفة مثل أمل بلجون تتقاضى ما يعادل خمسة وأربعين دولاراً فقط! هذا هو الفرق بين من يدير كفة "الأمور" ومن يعايش الواقع البائس كل يوم.

سألت نفسي: لماذا عينوه أصلاً؟ لا كتاب مطبوع ولا مشروع بنية تحتية ثقافية. لا مسرح ولا فرقة موسيقية، ولا حتى موقع إلكتروني بسيط لوزارة الثقافة يمكن أن يلجأ إليه المبدع اليمني لينشر نتاجه. بل حتى المنصات الثقافية التي تعنى بنشر الإبداع اليمني، لم تجد منه دعماً أو تشجيعاً. وكأن الثقافة والإبداع لا مكان لهما في قاموسه. أما فساد صندوق التراث والتنمية الثقافية وصندوق السياحة سنتحدث عنه بلا حرج في أيام قادمة.

مهزلة، نعم! وأشد ما يكون أكثر من مهزلة. ولكن أحياناً المهزلة هي السخرية الوحيدة التي نملك.

وبينما أترككم مع عبث وفساد الوزير، دعوني أحكي لكم حكاية أخرى أكثر شجناً. رشاد الصيادي، مدير تحرير منصة انزياحات الثقافية الاجتماعية السياسية المستقلة، كان هو من أرسل لي الليلة قيمة العشاء والقات،بمبلغ عشرة آلاف ريال. ولا أخفيكم أرسلها لي بينما عجزت هذا الشهر عن تسديد راتبه الشهري. !!
أي نوع من السخرية هذه؟ سخرية حد البكاء أن يصبح مدير التحرير هو من يعين رئيس تحرير المنصة التي بالكاد تستطيع الاستمرار. أشكره من كل قلبي، وأشكر أيضاً المسؤول الفني لمنصة "انزياحات"،الزميل القدير رياض الاحمدي الذي دعمني الليلة بمبلغ عشرة آلاف ريال أيضا مع أنه لا يتقاضى مني راتباً. بل هو أكثر من يعرف البئر وغطاها. يعرف جيداً كيف ننجو بالكاد.

أما عن القات... آه من القات. قات البارحة كان من نوع "نقفه صعدي"، قادم من محافظة صعدة. اثنا عشر ألف ريال، وهذا المبلغ أدخلني في عالم أبو بكر سالم بلفقيه وجيل التسعينيات. شعرتُ كأنني أطفو في نغمات أغانيهم، ولكن البارحة كان مجرد البداية. اليوم، نوع "النقفه" مختلف تماماً، إنه من "رداع" بثمانية آلاف ريال فقط، ولكنه أطعم من قات البارحة بأشواط. أشعر أنني سأستمع بعد قليل إلى السيمفونية الخامسة لموزارت، وتلك السوناتات الباذخة وأنا أتأمل هذا الصمت والعبث الذي نعيشه.

من السريالية إلى الواقع، من الضحك إلى البكاء، هكذا تمر الأيام.

ولا تستغربوا 
هذا زمن معمر الارياني




شارك برأيك