آخر تحديث :الاثنين 30 ديسمبر 2024 - الساعة:17:06:52
"تحرير العقول قبل الأوطان.. لماذا زوال العبودية هو الحل الحقيقي؟"
(د/ علي صالح الربيزي )

لو خُيرت بين زوال الطغاة وزوال العبيد، لاخترت زوال العبيد. هذه الجملة تحمل في طياتها حكمة عميقة تبرز العلاقة الوثيقة بين الاستبداد والطاعة العمياء. فالطغاة لا ينشأون من فراغ، بل يظهرون في المجتمعات التي تستسلم لإرادة الأقوى، وتخضع لسلطة من يسلبها إرادتها. 

العبيد، في هذا السياق، ليسوا بالضرورة من يُفرض عليهم العبودية بالسلاسل، بل هم الذين يختارون الخنوع والرضا بالاستبداد، ويقفون مكتوفي الأيدي أمام ظلم الحكام واستبدادهم. هؤلاء العبيد هم الذين يصنعون الطغاة، فهم الذين يمدون الطاغية بالشرعية، سواء من خلال الصمت أو التواطؤ، ويمنحونه القوة ليستمر في نهجه القمعي.

فزوال الطغاة، رغم أهميته، ليس حلاً جذريًا، لأن الطغيان يعاود الظهور في كل مرة يجد فيه من يخضع له ويبرر وجوده. لذلك، فإن الحل يكمن في زوال العبيد، أي في تحرير العقول من الاستسلام، وفي تمكين الشعوب من الوعي بقدرتها على التغيير، وعدم الخضوع لأي قوة تسلب حريتها وكرامتها.

إن العبيد لا يبنون الأوطان، لأنهم يعيشون في حالة خوف دائم، خائفين من التغيير، متشبثين بما هو موجود، حتى وإن كان ظالمًا وقمعيًا. في المقابل، فإن الأحرار هم الذين يبنون الأوطان، لأنهم يتحلون بالشجاعة للوقوف في وجه الظلم والمطالبة بالعدل والمساواة.

الأوطان التي تبنى على أكتاف العبيد تظل هشة ومعرضة للسقوط مع أول هبة ريح من الاستبداد الجديد. أما الأوطان التي يبنيها الأحرار، فهي أوطان متينة قادرة على مواجهة التحديات، لأن شعوبها تدرك قيمتها وتؤمن بحقها في الحرية والكرامة.

إذا كنا نريد مستقبلًا أفضل لأوطاننا، فعلينا أن نعمل على تحرير العقول والقلوب من العبودية، ونزرع في نفوس الأجيال القادمة حب الحرية والشجاعة في مواجهة الظلم. لأن زوال العبيد هو الخطوة الأولى نحو زوال الطغاة، والطريق الأكيد لبناء أوطان حرة ومستقرة.

العبيد يصنعون الطغاة، لكن الأحرار يصنعون التاريخ.




شارك برأيك