آخر تحديث :السبت 27 ابريل 2024 - الساعة:10:21:44
تقرير خاص : رمضان في محافظات الجنوب . . بهجة وسط المعاناة
(الأمناء /  عبدالله الشادلي - رعد الريمي:)

مواطنون : لرمضان طقوسه وعاداته وروحانيته التي لم تتمكن الحرب سلبها

لم يمنع غلاء الأسعار والمعيشة الأهالي من شراء الزينة الرمضانية

الفوانيس التي اعتاد الناس شراءها لم تشهد الإقبال المُعتاد هذا العام

 

شوارع  مُزَّينة بالأضواء والفوانيس، وأطفال مبتهجون يمشون وراء أهاليهم الذين يتبضعون من الأسواق المزدحمة والبسطات الرخيصة التي تفترش الشوارع. هكذا يبدو شهر رمضان المقدس في جنوب اليمن، فالسكان هنا، رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة وغلاء الأسعار المُفرط، يحاولون استقبال هذا الشهر المميز بكل ما يقتدرون عليه ولو كان قليلاً.

بالنسبة لكثير من المواطنين ، لرمضان طقوسه وعاداته وروحانيته التي لم تتمكن الحرب من سلبها حتَّى في أوج قوتها وذروتها، لكنَّ مستويات الجاهزية الشعبية والبهجة ليست ذاتها كما كانت في أعوام سابقة بسبب تفشي الفقر والفاقة بين كثير من الأسر، وضعف الخدمات الأساسية ولا سيَّما الكهرباء.

 

غلاء الأسعار

 

ويعتبر غلاء الأسعار في مدن الجنوب من أكبر المنغصات للسكان، لقد فعل تضخم الأسعار بالتوازي مع تدني المرتبات وانقطاعها فعله في تحويل آلاف الأسر إلى ضحايا الفقر الخطير. وفي رمضان، انعكست هذه المشكلة المتصاعدة على التجهيزات الشعبية التي أضحت متواضعة وفي الحد الأدنى، ومنعدمة عند نسبة غير بسيطة من السكان.

 

استعدادات رمضانية

 

لم يمنع غلاء الأسعار والمعيشة الأهالي من شراء الزينة الرمضانية، إلا أنّ الترشيد في الشراء كان واضحاً، فالفوانيس التي اعتاد الناس على شرائها لم تشهد الإقبال المُعتاد هذا العام؛ ولجأت بعض الأسر إلى استبدالها بما يتناسب مع وضعهم الاقتصادي.

 

المقتنيات الرخيصة مثل: البالونات، والطوابع، والإكسسوارات التي رُسمت عليها الشعارات الرمضانية تشهد هذا العام إقبالاً كبيراً في جنوب اليمن.

أما بعض الأسر، فقد اعتادت في السنوات الأخيرة، على صناعة الزينة الرمضانية في المنزل بالقماش وتلوين المصابيح الكهربائية بألوان زاهية، فيما تعتبر بعض الأسر الأخرى هذه الفكرة مشروعاً لكسب بعض المال.

 

زينة رمضان

 

ومنذ أيام عديدة، تزدحم شوارع مدينة كريتر التاريخية في العاصمة عدن بأفواج من المواطنين الذين يحرصون على شراء زينة رمضان لتزيين شرفات وأسطح منازلهم، بالإضافة للمحلات التجارية. ومن المساجد، يمكن سماع أهازيج رمضان: "رحبوا يا صائمين، شهر رب العالمين، أعاده الله علينا، وعليكم أجمعين."

ولا تختلف هذه الأجواء والاستعدادات الرمضانية في المحافظات الأخرى في جنوب اليمن. وعن التجهيزات في محافظة أبين، قال الناشط المجتمعي محمد علي الطويل : "مع اقتراب شهر رمضان الكريم تتزين معظم الشوارع والحارات بالزينة، كما تتم كتابة عبارات ترحيبية برمضان."

 

مظاهر استقبال رمضان بلحج

 

وتشرح الصحفية مرفت الربيعي مظاهر استقبال الأهالي في محافظة لحج لشهر رمضان. وقالت : "تستعد الأسر اللحجية كما جرت العادة لاستقبال هذا الشهر الفضيل أحسن استقبال، من خلال توفير العديد من المواد الغذائية المختلفة لتجهيز الموائد الرمضانية الخاصة."

 

وأضافت: "دور العبادة تتجهز لإقامة صلوات التراويح والقيام والعديد من الطقوس الدينية المميزة الأخرى. إنَّها مشاعر فرحة طغت على المعاناة. على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب إلا أنَّ الناس حريصون على شراء زينة رمضان، وشراء الأواني للطبخ وهي عادة عند نساء لحج."

 

"نقش الحناء على كفوف النساء والفتيات ولبس ملابس نسائية خاصة في غرة رمضان من مظاهر استقبال هذا الشهر أيضاً".

 لم تتمكن الموظفة في بريد عدن، أحلام خالد، من شراء كل ما تحتاجه في شهر رمضان. قالت إنَّ ما اقتدرت عليه يكفي لعشرين يوما كحد أدنى.

وقالت أحلام: "هذا الشهر لم يبق من راتبي شيء، بالكاد أخذته إلى المحالّ التجارية لشراء الأغراض الرمضانية. تمر هذه الأيام علينا كمواطنين في عدن بصعوبة لأنَّنا لا زلنا نتجرع آثار الحرب التي لم تضع أوزارها الاقتصادية والمعيشية بعد."

 

انقطاع الرواتب

 

ويؤكد المواطن شمسان صالح، من محافظة الضالع، أنَّ غلاء الأسعار كدر فرحة رمضان إلى حد ما. وقال : "حاولت أن أجمع ما استطعت من المال منذ شهر لتوفير المواد الاستهلاكية، لكن للأسف برغم ذلك لم أتمكن من شراء كل ما تحتاجه الأسرة."

 

وأضاف: "كيف يمكن أن نشتري حاجيات رمضان وراتب المعلم الذي يساوي 70 ألف ريال في أغلب الأحوال لا يكفي إلا للقمح والأرز وزيت الطبخ لأسرة من أفراد قليلين؟"

 

 ولفت المواطن إلى انقطاع رواتب الجنود منذ أشهر طويلة. وأضاف: "بعد 8 أشهر تأتي البشرى بصرف راتب شهرين للقوات الجنوبية. لكم أن تتخيلوا كيف يعيش هؤلاء الجنود وأهاليهم، وكيف يعيش المعلمون ذوو الرواتب الضئيلة."

 

"أنا في انتظار راتبي الحكومي الذي من المرجح أن يصرف مع دخول رمضان"، قال المواطن الحضرمي سعيد الشعيبي : "قيمة راتبي تبلغ نحو 70 ألف ريال يمني [45 دولار] ولا استطيع إلا شراء القليل بها لكن لا خيار آخر لدي."

 

 

 

لكن وديع باحميش، وهو ناشط مجتمعي في حضرموت، يتهم التجار باستغلال قدوم رمضان لرفع الأسعار "لعلمهم أنَّ الناس سيشترونها مهما كلفهم الأمر".

 

وعبرت التربوية المتقاعدة، سلامة الحاج، عن امتعاضها لغلاء الأسعار في شبوة. وقالت : "يلاحظ الجميع، أنّ البيع بالآجل يحصل فيه فارق بالسعر. المواطن يشتري بعض السلع دينا، ليجد أن الدين بالريال اليمني ارتفع بعد مدة لارتفاع سعر العملات الأجنبية."

 

ويلفت الناشط محمد المهري، من محافظة المهرة، إلى أنَّ الأسعار في محافظته ومحافظة سقطرى [أرخبيل جزر استراتيجي بالقرب من خليج عدن] "هي الأعلى على الإطلاق في جنوب اليمن."

 

وقال : "هنا في المهرة، الأسعار لا وجه لمقارنتها سوى بسقطرى التي وصلت أسعار كل شيء فيها إلى أرقام قياسية، بداية بالمواد الغذائية والسلع وصولاً إلى المحروقات".

 

وبسبب غلاء الأسعار، اختفت أطباق رمضانية على موائد عديد من الأسر. أحد المواطنين في سوق بالمكلا قال : "الباخمري [وجبة حضرمية شهيرة تُصنع من العجين] والسمبوسة [لفائف من الخبز والبطاطس المقلية والخضار] لم تعد متوفرة لكثير من الأسر."

 

وأضاف: "هذه المأكولات وغيرها تكلف الكثير. لقد أصبحت ترفا في الوقت الراهن." ولم يخف مواطنون في عدن والمكلا وغيرها من المدن تقديرهم لقرار منع تصدير الأسماك إلى الخارج، الذي أصدرته وزارة الثروة السمكية قبل أسابيع، ونتج عنه انخفاض ملحوظ في أسعار الأسماك. 

 

ضعف الخدمات

 

إلى جانب غلاء الأسعار، تضاعف أزمة الخدمات في جنوب اليمن من معاناة المواطنين خصوصاً في شهر رمضان. الكهرباء والمياه بشكل أساسي هما الخدمتان الأكثر طلبا خلال الشهر، والأكثر ضعفا وغيابا، مع ضغط كبير يضيفه مئات الآلاف من النازحين والمهاجرين في عدن وبقية المحافظات.

ومنذ أيام، تناشد مؤسسة كهرباء عدن الحكومة اليمنية بتوفير الوقود لتشغيل المحطات، بعد الدخول في مرحلة الإنقاص التدريجي للقدرة التوليدية التي من المتوقع أن تبلغ ذروتها في شهر رمضان، دون أي استجابة.

 

ووصلت ساعات الانقطاع، الأربعاء، إلى أكثر من 5 ساعات مقابل ساعتي تشغيل. وتعاني المحافظات المجاورة لعدن، مثل الضالع وأرياف أبين ولحج، من انقطاع التيار الكهربائي لساعة طويلة يوميا.

 

وتعصف بمحافظة حضرموت أزمة خانقة في مادة الغاز المنزلي، منذ نحو عام. وفي الأشهر الماضية، ارتفعت حدّة الأزمة. ومطلع الشهر الجاري، أغلق مواطنون بمدينة المكلا، بعض شوارع المدينة، ورصفوا أسطواناتهم أمام المارة؛ احتجاجًا على استفحال الأزمة.



شارك برأيك