آخر تحديث :الاربعاء 27 نوفمبر 2024 - الساعة:14:26:11
من بين حصون دثينة المنيعة تحصن وعيه بروح الثورة وسرت في عروقه دماء أجداده من أبطال القادسية ..
بمناسبة ذكرى رحيل أبرز مؤسسي أهم جهاز استخباراتي عرفه الجنوب "علوي حسين فرحان"
(الأمناء/ كتب/ العميد/ إياد علوي فرحان:)

من قرية امخديرة ضمن عرين دثينة التاريخية, ولد وترعرع الفتى علوي حسين فرحان، ومن بين حصونها المنيعة، تحصن وعيه منذ بواكير العمر، بروح الثورة وعشقه للحرية, وسرت في عروقه دماء أجداده من أبطال القادسية, فكان خير وريث للمجد الشريف.

 

إرث نضالي وتاريخي:

حمل "فرحان" ذلك الإرث ووزعه بين بندقيته ولسانه, أفعاله وأقواله, وكان الوريث الأمين, الذي ترجم ذلك الإرث في ساحات النضال ضد المستعمر البريطاني, ولم تترك قدمه سهل ولا جبل من أرض الجنوب, إلا وطبعت عليه آثار أقدام وأفعال الثائر فرحان, حتى انبلج فجر الاستقلال في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م، ليبدأ فرحان مرحلة جديدة من النضال في بناء الدولة الوليدة, لكن روح المقاومة التي تشربها منذ صباه, بقيت تحرك ثقافة ذلك الثائر الفذ وتخلج مكنوناته, فما كان منه إلا أن فجرها في مجاله الذي أبدع فيه منذ أن بدأ يؤسس لأهم جهاز استخباراتي عرفه الجنوب, وربط فرحان علاقاته الوثيقة بمختلف حركات التحرر في العالم من شرقه إلى غربه.

 

وكانت "فلسطين" قضيته الكبرى:

لم تحيده أممية النظام الذي تأطر فيه عن عروبيته التي كان يعتز بها, وكانت قضيته الكبرى التي تبناها بعد تحرير الجنوب اليمني, هي قضية فلسطين, فبالنسبة لـ "عبدالله أبو نجم" أو "عبدالله اليمني" كما كان يحلو للفصائل الفلسطينية أن تطلق عليه (فلسطين أم القضايا ومركزها) وما زال الكثير من منازل نضاله مسطرة ومحفورة انطلاقا من شوارع عدن التي كانت إحدى أهم قلاع التحرر الوطني التي لا تنام وتتنفس ثورة وتحرر, إلى شوارع بيروت والمدن الفلسطينية وعواصم كثيرة أخرى في المنطقة والعالم, وحيث ما وصلت يده الثائرة في حربها للعدو الصهيوني الغاشم.

ترى هل تحفظ الأرض جميل ذلك الثائر والقائد النادر؟ وهل لا زال الرفاق يتذكرون علوي حسين فرحان أبا العباس وأبا إياد وأبا زياد؟ فما أقل ما حصل عليه وهو الكريم الذي لا ينبغي نسيان مروءته وعطاءه ونكرانه لذاته وإيثاره للوطن وقضاياه المصيرية .

 

رد الاعتبار:

لا زلنا ننتظر متى يتم رد الاعتبار وإنهاء حالة الإقصاء والتهميش والإبعاد والمصادرة بل والطمس "غير المبرر أو المفهوم" ليس لنا فحسب, بل ولآخرين كثر من أبناء الشهداء والقادة الأفذاذ وكثير منهم من العيار الثقيل.. قدموا كل شيء ولم يحصل أبناؤهم وأسرهم على أي شيء، غير النكران والجحود, وفوقه توظيفات مشينة لمعاناتهم, لا تؤلمهم وحسب, بل وتؤلم شهداءهم في قبورهم وتزعج سباتهم.

 

المقال الذي أعددته هنا لإعادة النشر, سبق وأن نشر في صحيفة القبس الكويتية وكاتبه الدكتور الازيمع, وهو شخصية كويتية إعلامية وصحفية أدبية بارزة ومعروفة ليس بالكويت فقط, بل تتعداه إلى أوساط حركات التحرر الوطني في المنطقة, لطالما كان للكويت العزيز النفس الأجمل والأكثر أثرًا ومبادرة في العمل العربي المشترك, وقد اختار الكاتب الذي كان ضمن الدائرة المقربة جدا من الشهيد فرحان, أن ينعي رحيله من خلال عتاب قوي حوله، مع شخصية أدبية وشعرية ودبلوماسية, عربية تحررية هي الأخرى, وهو الشاعر والأديب السوداني الكبير الراحل "السفير صلاح أحمد إبراهيم", والذي كان يلقب "بالشاعر الدبلوماسي", انشرها هنا للاطلاع, وذلك بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل الشهيد ورفاقه الأبطال الأربعة, الذين رحلوا بصحبته بمكان واحد, ودفنوا كذلك بمكان واحد... وسأستعين هنا بعبارة لكاتب المقال وأقول إنه ربما سيحين الوقت للبوح ببعض ما نحتفظ به إن لم يكن كله, لأني في الوقت الحاضر "في فمي ماء".

المقال:

"عيب عليهم" .. من لا يعرف فرحان؟

بقلم/ أبو وليد الازيمع

من لا يعرف فرحان.. كثيرون.. كما أعرف يعرفونه ولا شك، لكنني تمنيت أن يعرفه واحد مثل صلاح أحمد إبراهيم الذي أعطى لكل ذي حق حقه، حتى لم تشرد شاردة إنجليزية ولا واردة فرنسية إلا وأعطاها حقها، لكن فرحان يا صلاح .. تظل له أهمية خاصة، مع تقديري، لكل من عرفت ولكل ما رويت.

"عيب عليك".. تظل هذه العبارة الحبيبة تطل علي صباح مساء كل ما تخيلت وجهه، وكلما عنت لي ذكراه.. وبالتالي، فهي تعيش معي ليل نهار.. فخياله دوماً معي وذكراه دائماً أمامي.

لله درك أيها اليمني، الذي عرف العروبة صدقاً لا افتراءً, وعلمنا الوطنية التزاماً لا هراءً, وعرفنا به الثورية فعلاً  لا ادعاءً..

متى لنرجع القهقرى.. لن أتحدث عن يومياته في حرب التحرير.. فسجلات الاستعمار البريطاني وكتائب الفدائيين، وتحرير المدن تشهد أكثر مني، وتقول أكثر.. وأكثر..

هو من عرفته منه "عيب عليك" أن تتحدث عن الانتماء والوطنية والثورة، فواجبك أن تفعل. بدوي هو, لكنه قومي حتى النخاع... وطني هو، لكن الإنسانية بكل مداها مجال وعيه وفعله وعطائه.

"عيب عليك" ونذرع  بيروت نعانق الشروق، ونتمدد عبر إشراقة الأمل ... صبرا وشاتيلا يعرفان فرحان وفرحه، كان من فرحهما ولفرحهما، ربما اسمه الحركي  جاء من ذلك الشروق، وذلك الأمل، وتلك الفرحة، كل ماتعني البساطة يرتسم في ذلك الوجه الطفولي المشرق بالأمل، وكل ما تعني الطهارة ينعكس علي ذلك المحيا الأسمر العربي الأًصيل.

لله درك أيا ذلك اليمني، تلحف سماء بيروت وتوسد أرصفتها، وجاب أرجاء المعمورة مرسوما كوجه فلسطيني، ومختوماً كرمز مناضل فعل .. نعم فعل، وأكثر مما فعل كثير من الأدعياء، ولكن بدون ادعاء،، بل ولا مفاخرة، حتى بعد هزوع الليل حين يمسح عن بندقيته غبار ليل مضى، ويعبئها ليوم واعد جديد .. لا لم تكن هناك لحظة استنفار نرجسية واحدة حتى ونحن على مشارف خط الاستواء فحاولت ان اعلمه النسيان، لكنه علمني مرارة الصحوة، كان يردد عبارته الشهيرة "عيب عليك".

كان يحلم, وكنا من حوله نحاول أن يمتد الحلم حتى يجتاحنا لنحلم معه، ولكنه كان دائماً يتركنا نحلم ثم يتسلل هو ليحيل الحلم إلى حقيقة، لله درك يا ذاك اليمني.. كم من معركة انبلج نهارها عن نقيع الدم بعد أزيز الرصاص، وكان فارساً من فرسانها، ان لم يكن فارسها، ويعلم الله أنه كان الفارس الوحيد في معارك حكيت الأساطير عنها، وسطرت البلاغات عن بطولاتها.. وفي فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟!

"عيب عليك" ويحول عزاؤه من العيب إلى فعل مشرق.. قاتل عن فلسطين أكثر من الفلسطينيين، وتسكع على أرصفة العواصم العربية.. وكان عزاؤوه أن انتصار الثورة في اليمن يعني أن الله أعطاه عمراً وجهداً لنصرة الثورة الكبرى، ويقصد بها الثورة في فلسطين... وكان يفعل.. متى؟ وكيف؟ في كل السنوات وكل الشهور وكل الأيام.. كان يفعل .. ويفعل.. وفي فمي ماء..

 

عرف الزعتر وصار يوصي كل صديق : "عيب عليك" أن تأتي "بليا الزعتر".. وكان يقول الزعتر رمز فلسطين، وجدتي كانت تقول لي "من اكل من لحم الذئب لا يخاف"، وأنا تعلمت من شيخ فلسطيني: أن من يأكل الزعتر لا يستسلم.

كان يقارن بين وريقات الزعتر وغصن الزيتون، ويقول ضاحكاً "عيب عليك وكله أخضر", حتى أبناؤه أعطاهم أسماء عربية فلسطينية.. اليس هو أبو "أبو إياد وأبو لميس"؟!

لله درك أيها اليمني.. كان فرحان يبتسم في عز المسئولية والمعاناة، بل انه كان يصنع الابتسامة للأخرين.. لم أشهد في حياتي رجلاً يحمل كفنة على يديه ويبتسم مثل فرحان.. في أكثر من فعل حمل كفنه على يديه وعاد مبتسما..  ومع كل زيارة للطبيب يعود مثقلاً بالنتائج السلبية لكن يظل مبتسماً.. أظن، بل أجزم، ان ابتسامته تلك كانت .. بطولته..

كانت .. بطولته..

"أبو أياد" يحدثك عن بيوت المخيمات وكأنه لم يزل يعيش بها..

ويحدثك  بلهجته الفلسطينية المكتسبة فتخال أن (أبو نجم) عائد لتوه من معسكر تنشيط للثورة..

كان يزورنا كثيراَ، وأصبح يزورنا لماما.. تنوعت وزادت مسؤولياته.. لكنه ظل ذلك الوجه الصبوح المبتسم تلك الابتسامة المشرقة الواعدة.. وظل كما هو حين عرفته لسنين خلت.. دائماً يردد نفس العبارة.. "عيب عليك".. عيب علينا ..!! نعم بل هو عيب عليهم ولا استثني أحداً.. ابداً لا استثني أحد.. من سمع ورأى ولم يتكلم .. ولن يتكلم..

"عيب عليك" وأغمض عينيه لا كما كان يحلم في معركة مع العدو.. لكنها داحس والغبراء..

أغمض عينيه ضحية لكل معاني عبارته الأزلية .."عيب عليك".. رحمك الله يا فرحان.. ولعل في موتك ما يعطينا القدرة من جديد على الإبتسامة المشرقة والآملة على دربك إيها البطل...

صلاح، لا تسأل عن فرحان .. فكلهم يعرفونه .. لكنهم سيدارون عوراتهم بشواربهم .. و"عيب عليهم"..

ملحوظة :

أبو إياد "أبو نجم" سابقاً:

أطفال الأرض التي ناضلت من أجلها – الأرض المحتلة – يقاتلون بالحجارة، هل عندك – أو عندنا – أكثر؟! – جبال اليمن تشهد.. أظن هذا.. عزاؤك.. عزاؤنا..





شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل