آخر تحديث :الاثنين 15 يوليو 2024 - الساعة:11:38:01
آثار عدن في مهب الريح.. دفن هذه المعالم النفيسة وطمسها ضياع لتاريخ شعب وهويته (1 - 2)
(إعداد: حمزة عبدالقادر العطار :)

تمتاز المعالم التاريخية والأثرية لأي دولة في كافة أرجاء كوكبنا, بأنها عنوان وتاريخ وهوية هذه الدولة، وتتمثل أهمية هذه المعالم من خلال أدوارها المتميزة والتصاقها بكل الأحداث والوقائع التاريخية التي عاشتها هذه الدول منذ نشأتها, وقد اعتبرها العلماء الأوروبيون ثروات قومية باعتبارها رموزًا شاهدةً على الحضارات والنكسات والحروب والغزوات وفترات البناء والسلم، والتي عاصرتها هذه الدول، واعتبر الحفاظ عليها وصيانتها الدورية واجب وطني مقدس, ويكفي ما نشاهده ونسمعه عن العديد من مشاريع الصيانة للكنائس ودور العبادة والأبراج التاريخية التي ترمم في كلٍ من فرنسا وإيطاليا حالياً، ومثلما اهتمت منظمة الأمم المتحدة "اليونيسكو" بالمدن التاريخية القديمة في العالم، اعتبرت صنعاء القديمة وسيئون من المدن التاريخية التي استوجب صيانتها, وصدر قرار من المنظمة المذكورة باعتبار (كريتر) محمية تاريخية في الفترة ما بين ٢٠٠٥ - ٢٠٠٦م، إلا أن هذا القرار أهمل ولم يجد التنفيذ طريقه من قبل السلطات المعنية المختصة لأسباب مجهولة لا يعلمها إلا الله.

 

كنوزنا الأثرية بين الماضي والحاضر

امتازت ولاية بيحان شبوة وسلطنتا  القعيطي والكثيري بحضرموت أثناء الحقبة الاستعمارية بأنها كانت تضم بين جنباتها كنوزًا لآثار حضارات أوسان وقتبان ودولة حضرموت ودولة حمير، والتي نشأت في مجد التاريخ متمثلة بالقصور والمعابد والقلاع القديمة، إلا أنه وللأسف وبسبب جهل وتخلف السلطات الحاكمة حينها وعدم درايتهم بأهمية تاريخ الحضارات التي عاشت في أراضيها أثارت سيل لعاب علماء الآثار ولصوصها من الأمريكيين والأوربيين الذين تسللوا إلى مأرب وبيحان وسطوا على عشرات التماثيل والأحجار الأثرية، لتجد نفسها في متاحف لندن وواشنطن وباريس وإسطنبول.

 

الحفاظ على المعالم الأثرية لمستعمرة عدن

أما في مستعمرة عدن والحق يقال فإن السلطات البريطانية أعطت اهتماما غير عادي للحفاظ على المواقع التاريخية في المستعمرة – آنذاك - من خلال:

  • هيكلة المعالم من خلال مكتب إداري حكومي يتبع إدارة المستعمرة.
  • إدخال تاريخ المعالم الأثرية ضمن المنهج الدراسي لمقرر "التاريخ" تلاميذ المرحلة الابتدائية.
  • إنشاء المتاحف الأثرية وأهمها متحف الطويلة  الذي أنشئ في عام 1933م من القرن الماضي .
  • تشجيع وزارة المعارف آنذاك لإقامة الرحلات المدرسية للتلاميذ لهذه المعالم.
  • تشجيع الأسر في المستعمرة لزيارة المواقع التاريخية في أيام الإجازات الأسبوعية والأعياد الدينية (الفطر والأضحى).

 

آثار الجنوب معالم جذب سياحية

وبعد قيام أول حكومة فتية "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" بعد رحيل المستعمر الإنجليزي، تبعت المعالم التاريخية إداريا وزارة الثقافة والسياحة، وقام الحاكم الوطني بالاهتمام بهذا الجانب وبخاصة في محافظات عدن وشبوة وحضرموت، بإنشاء المتاحف وتسوير وصيانة القصور التاريخية والقلاع، واستفاد من الخبرة الفرنسية والروسية في هذا المجال.

وأضيف هذا المجال "الآثار" ضمن البرامج السياحية التي كانت يتم بيعها "الوكالة السياحية الأجنبية" والتي كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ضمن أنشطة هذه الوكالات فقدم المئات من السياح الأجانب لزيارة الصهاريج، وقلعة صيرة، ومسجد العيدروس، إلى جانب توفير طائرات تجارية من قبل خطوط اليمدا الجوية لنقلهم إلى محافظتي شبوة وحضرموت، وأتذكر أثناء عملي في المؤسسة العامة للسياحة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بشهرة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واعتبارها جاذبة للسياحة التاريخية والأثرية التي جلبت مئات السياح الأجانب من المختصين في هذا المجال للتعرف على آثار حضرموت وشبوة على وجه الخصوص وجنت الدولة حينها مئات الآلاف من العملات الصعبة.

 

مؤسسات بحثية لآثار عدن

أنشأت الدولة آنذاك مراكز ومؤسسات أكاديمية بحثية في هذا المجال (الآثار) في العاصمة عدن، أذكر منها: مركز الدراسات والبحوث (مغلق الآن)، والهيئة العامة للآثار والمتاحف، أدارها  آنذاك فطاحلة مختصون - رحمة الله تغشاهم – منهم: عبدالله احمد محيرز وعلي عقيل بن يحيى، والبرفسور  محمد عبدالقادر بافقيه - أول وزير تربية وتعليم بعد الاستقلال - وعبدالله عبدالكريم الملاصي، وتبعهم كوادر شبابية، منهم: د. أحمد رابظة، ود. باطويل وغيرهم -، وأذكر في الثمانينيات من القرن الماضي – وبدعم حكومي – شكلت لجنة فهرسة المخطوطات من بعض المذكورين أعلاه للبحث عن المخطوطات التاريخية في الداخل كـ(حضرموت) وفي الخارج كـ(بريطانيا، وفرنسا) والعمل على فهرستها.

وإنصافا للتاريخ فقد اهتمت قيادة الجنوب - أثناء الاحتلال وحتى نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين - بالمعالم التاريخية والأثرية والتي كانت بمثابة منارات مضيئة تسجل نضالات الجنوب وتاريخه وحضاراته، التي شهد العالم والعديد من علمائه على أصالتها ومجدها التليد.

 

بداية النهاية

ومنذ بداية العقد الأخير من التسعينيات من القرن العشرين، بدأت البداية المبشرة لدفن هذه المعالم وطمسها، وتجسد ذلك وبشكل أكثر وضوحًا بعد عام 2011م لتأتي الحرب الظالمة على عدن والجنوب – حرب الحوثي وعفاش – في عام 2015م ، لتكمل عملية الدفن، وذلك باحتلال جحافل الحوثي وعفاش – الحرس الجمهوري – لمعظم المعالم وتحويلها لمقرات عسكرية كالمتحف العسكري وبوابة صيرة، مما عرضها لضرب الطائرات باعتبارها مواقع عسكرية، وأسدل عليها الستار.

 

لماذا يجب الاهتمام بهذه المعالم؟

وهنا أخصص حديثي لمن ولد في التسعينيات من القرن الفائت من القراء الكرام والذين قد لا يكون لديهم فكرة عن أهمية هذه المعالم ودورها.

 

قلعه صيرة:

كتب الكثيرون من المختصين الإنكليز في هذا المجال (التاريخ/ الآثاري)، أذكر منها كتابًا قرأته في 2018م في مكتبه مركز الدراسات والبحوث لأحد العلماء الإنكليز زار عدن في الخمسينيات من القرن العشرين، وزار (قلعة صيرة) عدة مرات، ما لفت انتباهي اهتمامه غير العادي بهذه القلعة والتي سماها (The quard entry of Aden island) ومعناها (المدخل الحارس لجزيرة عدن)، وفعلاً كان على حق بهذه التسمية، فقلعة صيرة التي حاول الأحباش غزو عدن وفشلهم الذريع قبل ظهور الإسلام، التفكير بإحراقها انتقاماً لفشلهم، وهذه المعلومة سمعتها في نوفمبر 2022م من قبل أحد الزملاء الناشطين في مجال الآثار عند إلقائه لمداخلته في إحدى الفعاليات التي شهدها مركز الدراسات والبحوث آنذاك.

قلعه صيرة صدت عشرات الغزوات التي شهدتها عدن بعد نشأتها في القرن السادس قبل الميلاد، أذكر أهمها: الفرس والأحباش والبرتغاليين، والأتراك، والمماليك المصريين، والبريطانيين في يناير 1839م.

 قلعة صيرة أثر يجب حمياته وحفظه، وهي أمانه في أعناقنا سيحاسبنا التاريخ إذا ما أهملناها، وكذلك الأجيال القادمة.

 

 

 المجلس التشريعي:

 يكفي أن هذا الموقع شهد أول تجربة للعدنيين والجنوبيين بشكل عام، في مجال العمل البرلماني، يعني هذا أننا سبقنا إخواننا في اليمن والجزيرة العربية والخليج العربي في هذا المجال.

أنشئ المجلس بعد الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945م، وعلى الرغم من أن حاكم عدن البريطاني كان يرأسه، إلا أن هذا المجلس شهد نقاشات حادة بين الأعضاء العدنيين المعارضين في المجلس وأفراد حكومات عدن المتعاقبة، وأدار وباقتدار هذه المناقشات الشخصية العدنية الفذة المناضل الوطني عبدالقوي مكاوي - رحمه الله - والذي كان شوكة في حلق السلطات البريطانية، ويكفي مطالباته الشهيرة للسطات البريطانية بإلغاء حالة الطوارئ المفروضة على المستعمرة عدن بعد حادث (قنبلة مطار عدن) في أواخر ديسمبر 1963م، وإطلاق سراح من تم اعتقالهم والذين تم إيداعهم معتقل المنصورة وأحد معتقلات زنجبار (السلطنة الفضيلة)، ويكفي أنه قاد المعارضة ضد مهزلة المستعمرة عدن (باتحاد الجنوب العربي) في 25 سبتمبر 1962م تحضرني الذاكرة حادثة قرأتها في أحد الكتب التاريخية الصادرة في عدن أن المجلس قبل أن ينشأ كان بمثابة كنيسة ماريا وكان يطل تمثالها من فوق ربوة على شارع الملكة أروى منذ بداية العشرينيات وقد استفز ذلك الشهيد الشيخ علي محمد باحميش، قاضي عدن الشرعي، والذي اعتبر ذلك إهانة للمسلمين من أبناء عدن ومن المقيمين، فوجه رسالته - رحمه الله - إلى حاكم عدن فاستجاب الحاكم البريطاني وأمر بنقل التمثال للسيدة مريم إلى خلف مبنى المجلس وتحويل الكنيسة إلى مجلس تشريعي.

* كاتب وباحث ومترجم في تاريخ مستعمرة عدن.


مباشر انجلترا واسبانيا
مشاهده مباراه انجلترا واسبانيا
انجلترا ضد اسبانيا بث مباشر
انجلترا ضد اسبانيا بث مباشر

شارك برأيك