آخر تحديث :الخميس 18 يوليو 2024 - الساعة:23:04:01
واقع المعلم وما نستطيع فعله
(الأمناء نت / كتب/ د. حافظ قاسم القطيبي:)

في مفتتح هذا العام الدراسي، تتبادر العديد من التساؤلات من المعلمين والآباء والمهتمين حول العلمية التعليمية والتربوية في مدارسنا: كيف تسير؟ وهل تحقق أهدافها المرسومة؟

 هذا المقال في البدء يؤكد معاناة المعلمين وظروفهم القاسية، ثم يناقش ما الذي نستطيع عمله في هذا الوضع بحسب الظروف والإمكانيات المتاحة.

ندرك جمعيا واقع المعلم وظروفه القاسية في هذه المرحلة العصيبة، من تدهور في المستوى المعيشي وانعدام الخدمات وغلاء الأسعار الجنوني، وأصبح راتب المعلم الضئيل لا يسد أبسط المتطلبات المعيشية، وضع مأساوي وكارثي نعانيه جمعيا وخصوصا موظفي القطاع الحكومي أصحاب الراتب الواحد- كما هو معلوم أن هناك من يستلم أكثر من راتب-.

وفي هذه الظروف القاهرة مع وجود تدمير ممنهج للتعليم الحكومي تجعل المعلم يفقد الكثير من قدراته واهتمامه وأصبح منشغلا بتوفير لقمة العيش.

ومع هذا وفي وسط هذا الواقع المرير يمكن للمعلم الحفاظ على سمعته ومكانته وتسيير العمل ولو بالحد الأدنى انطلاقا من أن رسالة المعلم هي رسالة سامية وأخلاقية في المقام الأول، بمعنى أن يسهم المعلم في الحفاظ على العلمية التربوية والتعليمية ويكون عامل بناء ولا يكون عاملا مساعدا للهدم والخراب.

في العام الماضي أسست بصورة تطوعية مبادرة تجويد التعليم وتنمية الثقافية، نفذنا عددًا من الورشات التدريبية ومحاضرات توعوية، بدأنا العمل في مديرية ردفان، الحقيقة تفاعل معنا مدير التربية بالمديرية ومدير التعليم العام بالمديرية، لكن استجابة بعض مدراء المدارس والمعلمين ليست بالصورة المطلوبة.

نهدف من المبادرة إلى مساعدة المعلمين والمعلمات في الارتقاء بأدائهم التدريسي، نقول للمعلمين والمعلمات مادام وأنت تذهب إلى المدرسة يوميا أو شبه يومي وتؤدي حصصا دراسية، فحاول أن يكون تدريسك جيدا ونافعا، على الأقل يفهم الطالب أساسيات المادة.

لقد انتشرت سلوكيات وظواهر في بعض المدارس تسيء للعملية التعليمية والتربوية وتسيء للمعلم ذاته، ومن هذه الظواهر:

- الكثير من المعلمين والمعلمات غير متمكنين من المادة العلمية التي يدرسونها، ولا يسعون إلى تطوير قدراتهم، مع أننا في عصر تتوفر فيه المعلومات وسهولة التواصل، لذلك نجد الكثيرين يدخل على الطلاب أو الطالبات ويكتب على السبورة أو يقرأ بدون إدراك لأهداف المادة، ويختبر الطلاب في درس أو درسين، وهناك كثير من المعلمين لا يجيدون صياغة الأسئلة ولا يعرفون أهداف المادة ومهاراتها. يحفظ الطلاب الأسئلة القليلة المحددة من المعلم بدون فهم، يحفظ الطالب مثلا جملة إعرابية أو معادلة رياضية أو أي سؤال حفظا آليا وتأتي نفسها في الاختبار أو الامتحان. وهذا الأمر ترتب عليه أمور سلبية كثيرة منها جعل الطلاب والطالبات يلهثون وراء الدرجات المرتفعة، للأسف وهم لا يفهمون المعلومات الأساسية للمادة، وغدت الدرجة العالية هي الغاية للطلاب وكثير من الأسر، وحدثت مشاكل كثيرة في هذا الجانب، فلا يهم ماذا تعلم الطالب، المهم أن يحصل على درجة عالية، وانعدم التنافس الحقيقي بين الطلاب والطالبات وانعدم التمييز بين المتفوق الحقيقي والزائف وكثرت المجاملات، هذا كله بسبب المعلم الضعيف أو الفاسد.

- بعض المدارس تعتمد على ما يسمى المدرسين أو المعلمات البدائل، ومشكلة هؤلاء أنه يتم اختيارهم بدون تمحيص وتدقيق علمي وسلوكي، يتم عن طريق المجاملات وبعض المدارس تختار أضعف المستويات، لكي تستطيع الإدارة تمرير ما تريد فالضعيف يمرر للإدارة المدرسية ما تريد ونعني عندما تكون الإدارة فاسدة.

- عندما تزور مدرسة تجد بعض الصفوف وكأنك في السوق، وللأسف أن المعلم أو المعلمة موجود في الصف يؤدي حصة، معلم ضعيف أو معلمة ضعيفة لا تستطيع ضبط الصف، هذا التراخي من بعض المعلمين أو المعلمات أثر على المعلمين الجيدين الذين يريدون تدريس حقيقي، فالطلاب تعودوا على سلوكيات سلبية في الصف وعندما يحاول المعلم الجيد تعلميهم الانضباط يصبح بنظرهم غير جيد، وبحسب التعبير الشائع: ما يخليهم براحتهم.

- بعض الإدارات المدرسية لا تعي وظيفة المدرسة ودورها في تنشئة الطلاب والطالبات، لذلك تجدها تحرص على الأمور المالية والجبايات والاستحواذ على العمل في المنظمات، ومن المؤلم أن تتحول المدرسة إلى وكر للفساد.. وانعدم أي دور إرشادي أو توجيهي فتسربت كثير من السلوكيات في صفوف الطلاب والطالبات: مشاكل حادة وشجارات بين الطلاب تصل إلى إسالة الدماء، المكائد في صفوف الطالبات، وانتشار اللباس الضاغط الذي يبرز مفاتن الطالبة وغير ذلك. وتتذرع بعض الإدارات المدرسية بسلبية بعض الأسر، وهذا ليس مبررا للمدرسة للتنصل من واجبها، صحيح أن واجب الأسرة متابعة أبنائها لكن للمدرسة الدور الرئيس في تهذيب السلوك والتربية على القيم والفضائل وعدم السماح بأي مظهر يخل بالسلوك اللائق في المدرسة.

- في بعض المدارس تحولت إلى مناكفات وجدل بين المعلمين أنفسهم وانعدم الجانب التعليمي والتربوي.

- انتشار الحفلات والاحتفالات الخالية من أي قيمة علمية أو تربوية، وبعض الأحيان تتحول كأنك في صالة أعراس، وبعض المعلمات تفرض على الطالبات حفلات تكلف الكثير من المال في ظل الظروف القاسية للكثير من الأسر..

هذه بعض الظواهر يجب محاصرتها بتعاون الإدارة التربوية والمجتمع، فالمجتمع يجب أن يختار مجلس آباء فاعل حريص على العمل التربوي والتعليمي، هناك مجالس آباء شكلية ليس لها أي دور في متابعة ما يجري في المدرسة وللأسف بعضها لها دور سلبي.

في هذه الظروف يجب أن نحافظ على الحد الأدنى من هيبة العمل التربوي والتعليمي ولا نسمح بالمظاهر الدخيلة أن تستشري في المدارس.

إن للمدرسة دورا كبيرا في بناء المجتمعات وإعداد الأفراد للحياة، وغرس القيم والأخلاق الفاضلة في نفوس الطلاب وسلوكهم ويجب أن تكون المدرسة بإدارتها ومعلميها قدوة للطلاب. لقد غدت وظيفة المدرسة الحديثة تهتم بتعليم الطلاب مهارات التفكير العليا والحوار وإبراز المواهب والتدرب على التقنيات الحديثة ونحن في مدارسنا لم نستطع القيام بالوظيفة الأولية للمدرسة.

وللمعلم دور كبير وله مكانة في نفوس طلابه في الحاضر والمستقبل فيجب أن يكون قدوة حسنة يتمتع بالصدق والأمانة والجدية والعدل والإنصاف.

وأختم المقال بقول لأحد المفكرين، يقول: يظن بعض الناس أن المنهج هو الكتاب الجيد، المنهج ليس هو المكتوب في الكتب، بل هو أشمل وأعم، أنه كل الخبرات والسلوكيات التي تقدمها المدرسة. كما يظن البعض أن المنهج أن نختار كتابا جيدا ونقدمه للطلاب، بل يجب أن نختار مدرسا جيدا، لأن المدرس عندما يدرّس ويغلق باب الفصل على الطلاب، إما أن يرتقي بالطلاب وتفكيرهم وإما أن يجهلهم.

 وفي الأخير نوجه تحية لكل معلم ومعلمة يؤدي عمله بحرص وأمانة في هذه الظروف الصعبة.


مباشر انجلترا واسبانيا
مشاهده مباراه انجلترا واسبانيا
انجلترا ضد اسبانيا بث مباشر
انجلترا ضد اسبانيا بث مباشر

شارك برأيك