آخر تحديث :الاربعاء 24 ابريل 2024 - الساعة:02:24:55
جرائم السطو المسلح في القانون اليمني (ثغرة تشريعية ينبغي تداركها!)
(القاضي/صالح عبدالله المرفدي)

 

#اولا: تمهيد
- مما لاشك فيه، أن الأمن يعد من المطالب الأساسية التي يطالب بها كل مجتمع، ويسعي إليها كل قانون، بل إنه قديما، كانت تقوم الثورات والحروب؛ بهدف الحصول على الأمن والاستقرار.
- وفي هذا الإطار، عانى المجتمع اليمني، من انتشار الكثير من الجرائم الخطيرة، تزامنا مع أحداث فبراير 2011، ومنها جرائم "السطو المسلح"، سواء على المرافق العامة، أو الخاصه، أو السكنيه، ولدوافع مختلفه، كالسيطرة عليها، أو سرقة ما بداخلها، أو تهديد الساكنين، أو خطفهم، أو اغتصابهم، أو قتلهم، ونحو ذلك من دوافع اجراميه…
- وفي هذة الدراسة القانونية الموجزة، سنجيب على أهم تساؤل هو: هل يجرّم ويعاقب القانون اليمني على جرائم السطو المسلح؟؟ ومن هذا المنطلق، نتناول هذة الدراسه في محاولة للاجابه على التساؤل المذكور، من خلال الحديث، عن مفهوم السطو المسلح، وموقف التشريعات العربية من الجريمة، ثم نستعرض النصوص القانونية اليمنيه المشابهه لهذة الجريمة، وندرس تحليل هذة النصوص بشكل جلي؛ لمعرفة هل هي كافية لتجريم السطو المسلح، ثم نضع المقترحات والتوصيات اللازمة لمعالجة أي قصور تشريعي، ونختمها بخلاصه مختصره.

#ثانيا: مفهوم الجريمة وموقف التشريعات العربيه
- يعرف السطو اصطلاحا بأنه: "الدخول غير القانوني إلى مبنى؛ لارتكاب جريمة". وعادة ما تكون هذه الجريمة سرقة، أو لارتكاب جرائم أخرى، سواء كانت جسيمة أو غير جسيمة.
- وبصفة عامة، نجد أن التشريعات العربية، متفقه على هذة الجريمة؛ باعتبارها دخول على قسم من بناية، داخليا كان أم خارجيا، أو فتح بابا أو نافذة، أو أي شيء أخر منها، سواء كان بفتح القفل، أو بكسر الباب، أو النافذة، أو بالسحب، أو بالدفع، أو بأي طريقة أخرى، فاذا تحققت احدى هذة الافعال، نكون امام جريمة سطو على بنايه، اذا كان الجاني لا يحمل سلاحاً ظاهرًا أو مخفيًا، اما اذا كان يحمل سلاحًا ناريًّا، أو سلاحًا أبيضًا، أو أي نوع من الأسلحة التي تروع الأشخاص، فنكون امام سطو مسلح.
- ومن نافلة القول، أن بعض التشريعات العربية، لم تشترط لحدوث جريمة السطو، أن يدخل المتهم بنفسه إلى البناية، فمن الممكن أن يدخل يده، مثلًا من أحد الشبابيك ويسرق مالًا، أو جوالًا، أو أي شيء من داخل البناء، فهذا سطو بالمقام الأول، ومن الممكن، أن يدخل اللص آلة لسحب شيء من المنزل مثلًا، فإذا ضبط متلبسًا وبحوزته سلاحًا، كان سطو مسلحا، وإن لم يحمل سلاحا، كان سطو عاديا.
- وجديرًا بالذكر، أن التشريعات العقابية العربية، نصّت صراحة على أن السطو يكون بغرض السرقه، واعتبرته ضمن جرائم السرقة، مع توافر ظروف مشدد لها، والى جانب هذة الجريمة، نصت تلك التشريعات على تجريم السرقة باكراه بنصوص مستقله ايضا؛ تأكيدًا على أن السطو المسلح جريمة مستقله، تختلف عن السرقه باكراه، وهو الرأي الذي نميل أليه ونؤيده؛ وسنبين اسباب ذلك في الجزء الثالث من هذة الدراسة!
- وعلى العكس من ذلك، توسعت شروحات الفقه الجنائي، والتطبيقات القضائية العربية، في مدلول جريمة السطو المسلح، من خلال تعدد القصد من ارتكابه، فلم تحصره على السرقة وحدها، بل قد يكون الباعث أو الدافع من السطو، ارتكاب جرائم خطيرة، منها غير جسيمه، كالتهديد باستخدام القوة، أو الضرب، ومنها جسيمه، كالخطف، أو الاغتصاب، أو حتى بقصد التعذيب أو القتل.

#ثالثا: موقف المشرع اليمني 
- استنادًا لما سبق ذكرة، من تساؤل وضعناه في التمهيد، فأننا نجيب وبشكل مبدئي، بأن القانون اليمني، لا يجرّم ولا يعاقب على هذة الجريمة، بنص خاص، وصريح، وقاطع، وإن كان يعتقد البعض، أنه يجرمها ضمن نصوص متفرقه ومبعثرة في القانون!، وسنستعرض هذة النصوص، كما جاءت نصًا في صُلب القانون، وندرسها بالتأصيل والتحليل والمقارنه، مع جريمة السطو المسلح في التشريعات العربية، وأهم هذة النصوص:

١- جريمة انتهاك حرمة المسكن
- النص القانوني: مادة (253): "من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو أحد ملحقاته، أو أي محل معداً لحفظ المال أو عقاراً، خلافاً لإرادة صاحب الشأن، وفي غير الأحوال المبينة في القانون، وكذلك من بقي فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه.  وتكون العقوبة… إذا وقعت الجريمة ليلاً، أو بواسطة العنف على الأشخاص، أو الأشياء، أو باستعمال سلاح، أو من شخصين فأكثر، أو من موظف عام، أو ممن ينتحل صفته".

- تحليل ومقارنة النص: تطبيقا لمعنى هذا النص، وبمقارنته مع جريمة السطو المسلح، نجد أن وجه الاختلاف بين الجريمتين، يكمن في الدافع أو الباعث من وراء ارتكاب الجريمتين، فجريمة انتهاك مسكن، تقتصر على مجرد الدخول اليه، أو البقاء فيه فقط، بعكس جريمة السطو المسلح، فيتوسع مفهوم الدافع، فلا يقتصر الأمر لمجرد دخول المبنى، بل يستلزم أن يكون هذا الدخول؛ بقصد ارتكاب جريمة جسيمة أو غير جسيمه.. حتى لو تشابهت الجريمتين في الظروف المشددة الاخرى، كالدخول وقت الليل، أو من قبل شخصين فأكثر، أو كان الجاني يحمل سلاحا، ونحو ذلك.. فلا يمكن اعتبار جريمة انتهاك مسكن هي نفسها سطوً مسلح؛ لاختلاف الباعث والدافع الشرير والعدواني في السطو المسلح كما ذكرناه سابقا.

٢- جريمة السرقة بإكراه 
- النص القانوني: مادة (301): "إذا صاحب الجريمة التي لا تتوافر فيها شروط الحد، إكراه أو تهديد، كان من شأنه تعريض حياة المجني عليه أو صحته للخطر، أو وقعت الجريمة من شخصين فأكثر، باستعمال أسلحة أو أشياء أخرى تستعمل كأسلحة، وتسبب عن استعمال القوة حدوث جراح بالغة، تكون العقوبة…الخ".

- تحليل ومقارنة النص: مما سبق، يتضح أن اوجه الاختلاف بين السرقه بالاكراه والسطو المسلح، يتجلى في عدة صور، أولها/ تختلف الجريمتين بنفس صورة الاختلاف، بين جريمة السطو المسلح، وجريمة انتهاك مسكن، والمتمثل "بالباعث أو الدافع" من وراء ارتكاب الجريمتين، فالسطو كما ذكرنا دوافعه عديدة ومتنوعه، فلا يقتصر الأمر على السرقة، بل قد يكون السطو للتهديد، أو التعذيب، أو الخطف، أو القتل ونحو ذلك كما ذكرنا.. ثانيا/ تختلف الجريمتين في "مكان ارتكابهما"، فالسرقة باكراه، مكانها عام ومطلق وغير مقيد بالتحديد، فيمكن أن ترتكب في السوق، أو الشارع، أو في وسيلة من وسائل المواصلات، بعكس السطو المسلح، فينحصر مكان ارتكابها في "مبنى"، سواء كان سكني أو تجاري، ولا يمكن أن يتحقق السطو خارج هذا المبنى؛ لأنها تخرج عن المعنى الحقيقي للجريمة. ثالثا/ تختلف الجريمتين في محل الحمايه، فمحل حماية جريمة السرقه العاديه هو المال، أما جريمة السرقه باكراه فهو المال والاشخاص، فيما محل الحمايه لجريمة السطو المسلح "اذا كانت بقصد السرقة؟"، فهو المكان أولا (المبنى)، ثم الاشخاص ثانيا، ثم المال ثالثا.

- وغني عن البيان، أن هناك بعض وقائع السرقة بالاكراه، تتشابه الى حد كبير مع السطو المسلح، لكن لا يمكن أن تقوم الجريمة الأولى مقام الثانيه، ومثالها: قيام أكثر من شخص بالدخول الى مبنى تجاري، "سوبر ماركت أو بنك"، عنوة أو بالحيله؛ لغرض السرقه، وكان احدهما يحمل سلاحًا، ظاهرًا أو مخفيًا.. فهل يمكن اعتبارها هذا الفعل، سرقة باكراه، أم سطو مسلحا بقصد السرقه؟؟
- بالتأكيد جريمة سطو مسلح؛ لأن الدخول الى مبنى تجاري وبالسلاح، هو الأساس القانوني، لتجريم هذة الواقعة، وما السرقه بالقوة، إلا باعث ودافع لجريمة السطو المسلح، ولو تشابهت الجريمتين في  اجتماع الظروف المشددة الاخرى، كالاكراه أو التهديد، أو ان ترتكب من شخصين فأكثر، وما شابه ذلك.. فيبقى أصل الفعل والواقعه كما هو، سطوً مسلحًا بقصد السرقه. وحتى على افتراض، أن السطو المسلح هو سرقه باكراه، وتحققت واقعة دخول الجناة للمبنى (السطو)، لكن لم تتحقق واقعة السرقه؛ لعدم وجود المسروق مثلا، فهل نقول أن الجريمة شروع بالسرقه؟!  بالتأكيد لا.. فالجريمة أساسًا هي سطو مسلح، وهي بحد ذاتها تستحق العقاب، بصرف النظر عن الدافع من وراء جريمة السطو.

٣- جريمة الحرابة
- النص القانوني: مادة (306): "من تعرض للناس بالقوة أيا كانت في طريق عام، أو صحراء، أو بنيان، أو بحراً، أو طائرة، فأخافهم وأرعبهم على نفس، أو مال، أو عرض، واحداً أو جماعة، أو لأي غرض غير مشروع، قهراً أو مجاهرة، أعتبر محارباً".

- تحليل ومقارنة النص: يتضح أن اوجه الاختلاف بين الحرابه، والسطو المسلح، يكمن في (مكان ارتكاب الجريمة)، فالسطو كما علمنا، يكون محصورًا في "مبنى" سكني أو تجاري، ولا تتحقق الجريمة خارج هذا المبنى، أما الحرابه، فمكانها هو الطريق، سواء كان طريق عام، أو صحراوي، أو عمراني، أو في وسيله من وسائل المواصلات، البريه، والبحريه، والجوية.. وإن تشابهت الجريمتين، في اسلوب ارتكابهما عن طريق "المغالبه والقوة"، لكنهما تختلفان في اسلوب الظهور بالجريمة، "فالمجاهرة" دائما ما تكون ملازمه لجرائم الحرابه، بعكس السطو الذي يمكن ارتكابها "بالخلسة" احيانًا، عن طريق الدخول للمبنى خفيه، ثم ابراز القوة واظهار السلاح داخل المبنى، كما يمكن ارتكاب السطو "بالحيله"، كانتحال صفة الموظف العام لغرض الدخول للمبنى.

- وفي نفس الصدد، قد يعتقد البعض، أن السطو المسلح نوع من المغالبة والقوة، ومظهر من مظاهر الافساد، المتعلق بمحاربة الله ورسوله، تماشيًا مع المفهوم الشرعي العام لجريمة الحرابه، واجيب على هذا الاعتقاد، بأن القاضي ملتزم، بأن يطبق القانون اليمني، حتى لا يكون التجريم عُرضة للاجتهاد، وبما أن القانون جرّم الحرابه، بنصوص ومعايير وشروط منضبطه، ولم يجعل التجريم عرضه للاجتهاد والأمزجة والاهواء، ناهيك عن ذلك، بأن حكم الحاكم (المشرع) يرفع النزاع عند الاختلاف، واستخلاصًا لما سبق، فإن مدلول ومفهوم الحرابة في القانون اليمني وركنها المادي، انحصر في فعل قطع الطريق، سواء كان عام أو صحراوي، أو عمراني، أو بأي وسيله للمواصلات… لذلك، فإن الاختلاف والتباين ظاهر وصريح، بين اركان الحرابه المذكورة في القانون اليمني، وبين اركان جريمة السطو المسلح، وإن تشابهت الجريمتين في دوافع وبعض اساليب ارتكابهما، كما ذكرنا سابقا.

- وفي الاجمال، فإن الجرائم الثلاث، لا يمكن أن تستوعب جريمة السطو المسلح، وتقوم مقامها باركانها المادية والمعنوية وعناصرها الأخرى، بحيث لا يستدعي الأمر استحداث نص قانوني جديد، لتجريم فعل السطو المسلح، وفقا للمقترحات والتوصيات الاتية.

#رابعًا: الاقتراحات والتوصيات
إن من الاهمية، استحداث نص خاص صريح وجازم؛ لتجريم فعل السطو المسلح، باعتبارها من اخطر الجرائم التي تخلّ بالامن العام والخاص، وترهب المجتمع، وتنشر الذعر والخوف بين افراده… ولما سبق ذكره، نقترح ونوصي المشرع اليمني، أن يضيف نص قانوني جديد، يُجرّم السطو المسلح ويعاقب عليه، وعلى النحو الاتي:

١- نقترح على المشرع، النص صراحة للركن المادي، بأنه الدخول لمبنى، سواء كان تجاري، أو معد للسكن، بالقوة، أو بالحيلة، أو بأي طريقة أخرى، دون أذن صاحبه؛ وذلك بقصد ارتكاب جريمة.
٢- من المستحسن، ذكر أن يكون الفاعل أكثر من شخص، وان يكون مسلحًا بأي نوع من الاسلحه، ولو كانت غير ناريه، ظاهره أو مخفيه.
٣- ندعو المشرع، أن يذكر الظروف المشدده للجريمة، على النحو الأتي: اذاكان السطو المسلح ليلاً، أو بقصد السرقه، أو التهديد، أو الخطف، أو الاغتصاب، أو القتل ونحو ذلك… وبعبارة مختصرة، بقصد ارتكاب جريمة جسيمة، أو غير جسيمة.
٤- نوصي المشرع، بأن تكون العقوبة لا تتجاوز ثلاث سنوات؛ إذا كان الفعل سطوً بالسلاح، دون أن يترتب عليه ارتكاب جريمة اخرى.
٥- نهيب بالمشرع، تشديد العقوبة بالحبس لمدة سبع سنوات، اذا كان سطوا مسلحا؛ بقصد ارتكاب جريمة غير جسيمه، كالتهديد أو الضرب، وتضاعف العقوبه الى حد الحبس بخمسة عشر سنه، أو الاعدام؛  اذا كان السطو المسلح؛ بقصد السرقه؛ أو الخطف، أو الاغتصاب أو التعذيب أو القتل، ودون الاخلال بما تترتب علية الجريمة من اضرار تقتضي بحق الدية والارش.

#خامسًا: الخلاصه 
- لعله من المفيد في هذة الدراسة الموجزة، أن نؤكد بأن الفقهين القانوني والاسلامي، حصرا القاضي بعدم الاجتهاد والقياس، في مجال التجريم، وبالاخص في "جرائم الحدود، ومنها الحرابه"؛ لإن القاضي هو ماكنة لتطبيق القانون، فلا يحكم بعلمه الشخصي، وإنما على أساس النصوص، والقواعد الموضوعه له، ولا يمكن له تجريم فعل لم يجرمه القانون، وكذلك لا يمكن له القياس؛ لإنه قد يؤدي ذلك الى تعارض قانوني. وبناءًا على ذلك، اذا سمح للقاضي بالاجتهاد والقياس في التجريم، لما كان هناك حاجة للقانون!

- ومن ثم، لامناص من القول، بعدم جواز الاجتهاد والقياس على تطبيق نصوص متعلقه بجريمة معينة، على واقعه أو جريمة لم يضع لها القانون نصوص صريحه قاطعه جازمه.. ولو أن القياس يحقق العداله في اغلب النصوص المتعلقة بالاحوال المدنية أو الشخصية أو التجارية ونحو ذلك… بعكس النصوص المتعلقه بالتجريم، يتوجب على القاضي الإلتزام بما هو منصوص عليها؛ لأن التجريم يحكمه "مبدأ المشروعية"، وطالما لم يجد القاضي النص، فلا يجوز له الإجتهاد، وإلا كان هذا مخالفاً لمبدأ المشروعية، كما أن فتح باب الاجتهاد والقياس للنصوص التجريميه، قد يصل بالأمر الى اختلاف التطبيقات بين المحاكم؛ بسبب تباين الاجتهاد والتأويل لتلك النصوص.. فقد يعتبر البعض، أن السطو المسلح سرقة باكراه، والبعض يعتبرها انتهاك حرمة عقار، والبعض الاخر قد يعتبرها حرابه.. ومن هذا المنطلق، أسسنا وجهة نظرنا؛ بافراد نص تجريمي وعقابي، صريح وجازم، ومستقل، لجريمتي السطو المسلح. 
هذا تصورنا المتواضع، والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

✍️ صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض 
دكتوراه القانون الجنائي 
جامعة عين شمس







شارك برأيك