آخر تحديث :الثلاثاء 23 ابريل 2024 - الساعة:17:13:26
د. يحيى الريوي في حوار شفاف مع "الأمناء": رفضت التوقيع على صفقة فساد بـ(60) مليون دولار فعوقبت وهُددت وأُقلت
("الأمناء" حوار خاص:)

هناك بوادر تشير إلى انهيار بلادنا بسبب تغول الفساد

بلادنا تقبع في ذيل قائمة دول العالم الأكثر فسادًا

الفساد في المجتمع والدولة أخطر من عدوك بجبهات القتال

الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية ويعني استغلال الوظيفة العامة لأغراض شخصية

 

كشف رئيس المركز الوطني للمعلومات السابق التابع للرئاسة الدكتور يحيى الريوي في حوار مع "الأمناء"، والذي شغل منصبه بدرجة وزير، حقائق حول الفساد بشكل عام وواقعه وكذلك مستقبله بالبلاد من واقع تجربته ورفض تمريره لصفقة فساد لتنفيذ مشروع الشبكة الوطنية للمعلومات بكلفة تبلغ 60 مليون دولار أمريكي.. فإلى تفاصيل الحوار:

 

  • كيف يمكن تعريف الفساد؟
  • إن الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان، وهو يعني استخدام الوظيفة العامة للأغراض الشخصية.

وقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يومًا دوليًا لمكافحة الفساد عبر زيادة الوعي بالفساد وأيضا لتبادل الخبرات بشأن مكافحته ليصبح 9 ديسمبر هو اليوم الذي توافق عليه العالم أجمع ليكون اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وللتأكيد على رفض الفساد بكافة أشكاله وصوره وعلى كافة المستويات.

 

  • ما مخاطر الفساد؟
  • أود التأكيد بأن مخاطر الفساد الذي ينخر في المجتمع والدولة هي أعظم من خطورة مثلا من عدوك الذي يقاتلك في الجبهات العسكرية، وهي كذلك لا تقل خطرًا عن ظواهر الإرهاب والمخدرات في أثرها التدميري، حيث إن ظاهرة الفساد لها أثرها التدميري على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي دولة، بل ويؤدي تغول الفساد وازدياد مستوياته إلى انهيار الدول والمجتمعات وهناك بوادر تشير إلى ذلك الانهيار في بلادنا.

 

  • ما وضعية الفساد باليمن وتطوره مستقبلا؟
  • دعت اليمن عام 2022م بمستويات فساد غير مسبوقة وبفساد منتشر في مختلف مفاصل الدولة من رأسها حتى أخمص قدميها، حيث بين مؤشر الفساد العالمي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية ويقيس مستوى الفساد في دول العالم، تدهور ترتيب اليمن بشكل كبير ووصل إلى أنها تكاد تقبع في ذيل قائمة دول العالم الأكثر فسادًا، حيث احتلت المرتبة 174 من بين 180 دولة تناولها المؤشر في آخر نسخة له، ولم تأتِ بعد اليمن سوى فنزويلا والصومال وسوريا وجنوب السودان.

وبالنسبة لقيمة المؤشر من نقاط النزاهة فقد حصلت اليمن على 15 نقطة من الحد الأعلى لنقاط النزاهة وهو 100 نقطة، بينما كانت تحتل المرتبة 156 في العام 2012م أي قبل حوالي عشرة أعوام وحصلت على 23 نقطه من 100, وهنا يتضح بأن ترتيب اليمن قد هوى ثمانية عشر مرتبة خلال عشر سنوات وخسرت أيضا 8 نقاط من نقاط النزاهة المائة، وبالنظر إلى تزايد مستويات الفساد وإلى انعدام الإرادة السياسية وعدم جدية جهود الهيئات الوطنية المعنية لمحاربته فمن المتوقع أن تحتل البلد المرتبة الأولى وبدون منافس في مؤشر الفساد العالمي للعام الحالي 2023م.

 

  • ما أسوأ مظاهر الفساد الشائعة حاليا في بلادنا؟
  • أسوأ ممارسات ومظاهر الفساد الشائع حاليا هي الكيفية التي تتم بها توزيع الثروة الوطنية، حيث نلاحظ أن من ينعمون بثروات البلد هم تلك الطبقة المكونة من القيادة الحالية للدولة وقادة الأحزاب والمكونات السياسية وطواقمهم الإعلامية والدبلوماسية، والذين يكونون حاليا طبقة ثرية ومترفة تستلم مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة بينما الغالبية العظمى من أبناء البلد يعيشون على الفتات، لنا أن نتصور أن أساتذة الجامعات والعقول الوطنية الذين لا يدخلون ضمن تلك الطبقة المترفة قد تم تهميشهم وإلهائهم للركض وراء لقمة العيش بالنظر للرواتب الهزيلة التي يستلمونها بالريال اليمني ولا تكاد تمثل سوى 3% من راتب الوزير الذي كان يوما ما أحد طلابهم أو الباحثين لديهم، أما حالة الموظفين العاديين والمتقاعدين فقد وصلت حدا مزريا.

 

  • كيف حرم الفساد البلاد من أهم وأكبر مشروع معلوماتي؟
  • بعد مباشرتي لمهامي كرئيس للمركز الوطني للمعلومات التابع للرئاسة نهاية عام 2013م فقد كان أول ملف عاجل للبت فيه هو ملف التوقيع على تنفيذ أهم وأكبر مشروع معلوماتي باليمن، وهو مشروع الشبكة الوطنية للمعلومات، والذي يشرف عليه المركز ويعتبر أحد المشاريع التكنولوجية الهامة التي كانت ستنقل البلد إلى تطبيقات الحكومة الإلكترونية والذي تبلغ تكلفته 60 مليون دولار أمريكي، أي أكثر من 72  مليار ريال يمني بسعر صرف اليوم، وقد وجدت بعد دراستي للملف بأن إجراءات التوقيع على العقد تفتقد لأبسط الإجراءات القانونية السليمة وتسير بشكل متعارض تمامًا مع القوانين النافذة وكذا المنطق، حيث كانت تتجه تحديدًا نحو التوقيع على عقد تنفيذ ذلك المشروع بشكل سريع مع إحدى الشركات بالتكليف المباشر وبدون مناقصة عامة وبدون وجود دراسة جدوى اقتصادية محدثة للمشروع بل بالاستناد على دراسة جدوى قديمة جدا للمشروع تم إعدادها قبل عشر سنوات، أي عام 2003م.

وانطلاقا من مسؤولياتي كرئيس للمركز الوطني للمعلومات فقد رفضت التوقيع على عقد التنفيذ ووجهت بإيقاف كل الإجراءات وأصررت على القيام أولا بتحديث دراسة المشروع ثم تنفيذ المشروع عبر الهيئة العليا للمناقصات والمزايدات.

 

  • ما تقييمك للدور الفاعل للمنظومة القانونية الخاصة بالفساد؟
  • للأسف تعاني المنظومة الوطنية لمكافحة الفساد بشقيها القانوني والمؤسساتي من قصور كبير سواء بالنسبة للقوانين التي أعتقد بأنها محتاجة إلى تطوير وهما تحديدا قانوني الإقرار بالذمة المالية ومكافحة الفساد الصادران عام 2006م، بالإضافة إلى أن هناك نصوص في قوانين أخرى تتعارض مع روح محاربة الفساد وإحالة الفاسدين الى القضاء حيث تمنح الحصانة للوزراء ونواب الوزراء.

 

  • ما الوضعية القانونية الحالية للهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد؟
  • يجب أن يعرف الجميع بأن الدولة حاليا تفتقد لأهم كيان وطني تناط به مهمة مكافحة الفساد في البلد وهو الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والمعنية بحسب القانون بمكافحة وبمحاربة الفساد في مختلف مرافق الدولة وهذا خلل خطير جدا ويعتبر بمثابة تشجيع ضمني للفساد ولممارسته وتعطيلا لمكافحته حيث وقد انتهت الفترة القانونية لصلاحية أخر هيئة والمحددة بخمس سنوات وذلك عام 2018م نظرا لأن آخر تشكيل لقوام الهيئة والمكون من 11 عضوا وبدرجة وزير كان عام 2013م, وقد نص قانون مكافحة الفساد على أن قانونية نشاط الهيئة هي لفترة واحدة مدتها خمس سنوات فقط ولا يجوز التمديد لها أي أنه كان من المفروض أن تتشكل النسخة الثالثة من قوام الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عام 2018م وبعبارة أخرى فأن الهيئة الحالية لا يحق لها الاستمرار في نشاطها وبحسب القانون.

أعتقد أن أولى المهام لمجلس القيادة الرئاسي منذ الأيام الأولى لتشكيله كان إيجاد مخرج قانوني لإعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد من أنزه الكفاءات وأشجعها.

 

  • هل الوقوف ضد الفساد مسألة سهلة على الصعيد الفردي؟ وهل هنالك صعوبات أو عقوبات تواجه الشخص الذي يقف ضد الفساد؟
  • من تجربتي الشخصية وفي ظل ظروف البلد الحالية التي بينت ووضحت بعضها في سياق اللقاء فإن الوقوف ضد الفساد ومكافحته على المستوى الفردي أو الشخصي ليست عملية سهله بالمطلق، بل عملية مصحوبة بمستويات عالية من الخطورة، وقد تصل إلى فقدان الشخص لوظيفته، كما قد يتم تلبيسه تهمة الفساد، بل وقد يصل الأمر إلى أن يدفع ذلك الشخص حياته بأن يتم التخلص منه وخاصة عندما تكون صفقة الفساد التي وقف ضدها أو كشفها من التي يسيل لها لعاب هوامير الفساد. أود أن أوضح بأنه وعلى سبيل المثال وبسبب رفضي التوقيع على صفقة فساد يبلغ مقدارها 60 مليون دولار أمريكي فقد كان جزائي التهديدات والعقوبات والإقالة السرية لي من منصبي وتصعيد الفاسدين محلي، هل لك أن تتصور بأنني علمت بإقالتي بعد أربعة أشهر من قرار الإقالة السري وأنا أمثل البلد في أكبر محفل دولي للمعلومات وهو القمة العالمية لمجتمع المعلومات والتي كانت منعقدة في مدينة جنيف السويسرية في مارس 2018م, ولم يكتف الأمر بذلك بل تمت ملاحقتي وتعرضت للاعتداءات مما اضطرني الأمر للتوجه إلى سويسرا لطلب اللجوء السياسي وبعد ذلك الإقدام على المخاطرة في عبور القنال الإنجليزي، أي بحر المانش، الذي يفصل فرنسا عن بريطانيا ونجحت في ذلك بعد سبع ساعات من الإبحار في قارب مطاطي كاد يغرق بنا عدة مرات وليستقر بي الحال  حاليا كلاجئ في بريطانيا.

 

  • برأيكم ما المقترحات والتوجهات المستقبلية لتفعيل عملية مكافحة الفساد؟
  • أولا: إعداد استراتيجية وسياسة وطنية واضحه لمكافحة الفساد.
  • ثانيا: إيجاد مخرج قانوني لإعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في نسختها الثالثة.
  • ثالثا: إجراء تعديلات وتطوير للقوانين والتشريعات الوطنية المرتبطة بمكافحة الفساد ومنها تلك المتصلة بإلغاء الحصانة للوزراء ونوابهم للتمكن من محاسبتهم.
  • رابعا: استحداث جائزة وطنية رفيعة للذين يسجلون موقفا مشهودا في مكافحة الفساد على المستوى الوطني.
  • خامسا: استحداث القائمة الوطنية للنزاهة ونظافة اليد لتشمل كل الشخصيات التي لها بصمات في محاربة الفساد على المستوى الوطني.
  • سادسا: تعزيز دور الصحافة كسلطة رابعة في كشف وتعرية الفساد.
  • سابعا: تعزيز الجهود الفردية والمجتمعية لمحاربة الفساد.







شارك برأيك