آخر تحديث :الاربعاء 24 ابريل 2024 - الساعة:10:28:26
تحقيق أميركي يكشف تجنيد قطر لجاسوس ساعدها في استضافة المونديال
(الامناء/وكالات:)

استمر تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي وعلى مدى أشهر بالتركيز على ما إذا كان عمل كيفن تشالكر لحساب قطر قد خرق القوانين المتعلقة بالضغط الأجنبي والمراقبة وتصدير التقنيات الحساسة والتجارية، حسبما قال شخصان مطلعان على التحقيق طلبا عدم الكشف عن هويتهما لأنهما غير مصرح لهما بمناقشته.

وكان عمل تشالكر يهدف إلى تلميع صورة قطر بين صانعي القرار الأميركيين، بينما كان المنتقدون يتهمون نظامها الأميري بتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى عدد من المخالفات الأخرى.

أما المحققون الفيدراليون فقد دققوا في السنوات الأخيرة في جهود التأثير القطري، بما في ذلك مزاعم تورط ​​مسؤولين سابقين في ما يمسّ الأمن القومي الأميركي.

أفخاح ناعمة

سعى تشالكر وشركته “غلوبال ريسك أدفايزرز” لمساعدة قطر في استضافة كأس العالم 2022 من خلال التجسس على مسؤولي كرة القدم في الدول المنافسة. وشمل ذلك نشر “مصائد” على فيسبوك تُستخدم فيها امرأة جذابة لاصطياد هدف ما، وتظاهر شخص بأنه مصور صحافي لمراقبة تحركات دولة مرشحة، وبعد الإعلان عن القرار في عام 2010، شن حملة فاشلة لمدة عامين لحمل مسؤول كرة قدم ألماني كبير على تخفيف انتقاداته لقطر.

وتظهر المعلومات الجديدة التي تستند إلى سجلات مستشاري المخاطر العالمية الداخلية والمقابلات مع شركاء تشالكر، أن الكثير من عمله في السنوات التي تلت ذلك ركز على السعي لتعزيز نفوذ قطر في الولايات المتحدة، بما في ذلك محاولة عقد اجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين القطريين وكبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية والترويج لعملية نفوذ سرية مترامية الأطراف للإضرار بسمعة المسؤولين الأميركيين الذين يُنظر إليهم على أنهم أعداء قطر. حتى أن الشركة تفاخرت في السجلات الداخلية باستخدام التجسس لمحاولة جمع معلومات عن عضو في الكونغرس رعى التشريع الذي عارضته قطر.

وقالت إحدى الوثائق الداخلية إن شركة “غلوبال ريسك أدفايزرز” دأبت على “حماية قطر من خلال مهاجمة منتقديها”، بينما قال محامي تشالكر كيفين كارول إن “غلوبال ريسك أدفايزرز” لم تشارك مطلقا في أي نشاط غير قانوني ولم تكن على علم بأي تحقيق فيدرالي. وأوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه لا يمكنه تأكيد وجود تحقيق أو نفي ذلك. ولم ترد قطر على طلبات التعليق.

حملات بالمليارات
وأنفقت قطر الغنية بالطاقة والتي تضم قاعدة عسكرية أميركية ضخمة، المليارات في السنوات الأخيرة لدرء محاولات منافسيْها المجاورين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تطويق دورها الذي اعتبراه تخريبياً ويزعزع استقرار المنطقة بالتدخل في شؤون بلدانها الداخلية ودعم الإسلاميين.

وبدأ تشالكر علاقة طويلة ومربحة مع قطر بعد أن عمل ضابط عمليات سرّيا لوكالة المخابرات المركزية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وجعل عمله في كأس العالم قطر العميل الرئيسي لـ”غلوبال ريسك أدفايزرز”، مما سمح للشركة بفتح مكاتب في نيويورك وواشنطن ولندن والدوحة.

وجاء في مذكرة عام 2014 للموظفين أن “غلوبال ريسك أدفايزرز” على وشك التوسع السريع، مضيفة أن الشركة “تتابع عددا من المشاريع غير العادية”.

وتضمن عمل الشركة حملة إعلامية سرية ضد خصوم قطر، وشملت المساعدة في إنتاج فيلم عام 2018 بعنوان “أعداء السلام” والذي كان ينتقد بشدة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفقا لاثنين من مساعدي تشالكر السابقين. بينما قال مخرج الفيلم إنه لم يكن يعلم أن مستشارا في الفيلم يعمل لصالح “غلوبال ريسك أدفايزرز”.

كما قدمت الشركة والمؤسسات التابعة لها تدريبات عسكرية واستخباراتية لعدة سنوات للمسؤولين القطريين، بما في ذلك أفرادا من العائلة الحاكمة، كما تظهر المقابلات والسجلات. وتراوحت الدورات من إنقاذ الرهائن إلى كيفية العمل في السر.

وقالت وثيقة داخلية لمستشاري المخاطر العالمية تصف طلب مسؤول قطري للتدريب “بشكل أساسي، يريد منا إجراء دورات تدريبية في المزارع الصغيرة لكل من العمليات العادية والعمليات التقنية”. و”المزرعة” هو الاسم المستعار الذي يطلق على مرافق التدريب السرية لوكالة المخابرات المركزية في ولاية فرجينيا.

وحصل أحد أفراد العائلة الحاكمة القطرية على 100 درجة كاملة في دورة “إجراءات المراقبة التقنية المضادة” على الرغم من عدم اتباعه للكثير من التعليمات وعدم إظهار “رغبة حقيقية في تعلم المادة”، وفقا لوثيقة الشركة.

ويحظر القانون الفيدرالي مشاركة بعض التكتيكات التي تعلمها الحكومة الأميركية لجنودها وجواسيسها، وقال بعض موظفي تشالكر السابقين إنهم قلقون من أن بعض التدريبات القطرية تجاوزت الحدود.

وأضاف محامي تشالكر أن شركة “غلوبال ريسك أدفايزرز” حصلت على التفويض المناسب من الحكومة الأميركية كلما تطلّب عملها ذلك.

واستند التحقيق إلى مئات الصفحات من الوثائق التي قدمها زملاء تشالكر السابقون الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأنهم يخشون الانتقام. ووصفت العديد من هذه المصادر تشالكر بأنه رئيس فوضوي تتغير أولوياته باستمرار، مع عدم وصول العديد من مشاريعه في النهاية إلى أي نتيجة. وقالوا إن تشالكر يتوخى السرية، ويستخدم بانتظام أسماء مستعارة، على سبيل المثال كان اسمه في إحدى المرات “هرقل”، وغالبا ما كان يُبقي الموظفين غير مطلعين على العمل الذي أجراه مستشارو المخاطر العالمية لقطر أو التقارير البحثية التي أنتجوها.

ويقول أحد الموظفين السابقين “لا أحد يعرف حقا وجهتها، ولماذا صدرت، ومن هو الموجّه الحقيقي. لا نعرف سوى ما يريد كيفن أن نعمل عليه”.

وتُظهر سجلات الشركة والمقابلات أن تشالكر تلقى المشورة بشأن بعض مقترحاته من دينيس مانديتش موظف وكالة المخابرات المركزية آنذاك، الذي عمل مسؤول اتصال بوادي السيليكون. وتضمنت تلك المشاريع اقتراحا بمليارات من الدولارات في 2014 لجعل مستشاري المخاطر العالمية يستثمرون في الشركات التكنولوجية الناشئة نيابة عن قطر كطريقة لمنع بيع التكنولوجيا التي يحتمل أن تكون حساسة إلى منافسيها في الخليج العربي.

وليس من الواضح من مستندات الشركة ما إذا كان هذا المشروع قد تقدم، فقد غادر مانديتش الوكالة لاحقا وانضم إلى “غلوبال ريسك أدفايزرز” ليصبح أحد كبار مساعدي تشالكر، بينما لم يُجب محامو مانديتش على أسئلة حول عمله لصالح الشركة المذكورة.

تطويق كأس العالم
وضعت “غلوبال ريسك أدفايزرز” خطة أمنية مفصلة في عام 2014 لتثبيت نظام مراقبة في قطر يمكنه تتبع الهواتف المحمولة في الدولة “بدقة بالغة” والسماح للمحللين “بعزل المحادثات الفردية والاستماع في الوقت الفعلي”، وفقا لسجلات الشركة الداخلية التي تتضمن مسودة عقد.

كما اقترحت هذه الخطة، التي أطلق عليها اسم “مشروع برلين”، إنشاء تطبيق للهاتف المحمول لكأس العالم 2022 يمكنه تسجيل مواقع المستخدمين وتحركاتهم. وأشار تشالكر في وثائق الشركة الداخلية إلى أن قطر أعطت موافقة مبدئية على المشروع، ولكن من غير المعروف ما إذا كان قد نُفّذ فعلا.

وتضمنت جهود تشالكر في تعزيز علاقات قطر مع الولايات المتحدة محاولة لإعداد لقاء وجها لوجه بين كبار المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية ورئيس وزراء قطر. وقال مسؤول قطري لتشالكر إن مثل هذا الاجتماع سيوفر “ختما ذهبيا للموافقة” على مشاريع تشالكر المختلفة، كما تظهر سجلات الشركة.

لكن هذه السجلات تظهر أن جهود تشالكر الأولية للتوسط في مثل هذا الاجتماع فشلت على الرغم من تفاخره بوصول لا مثيل له إلى أعلى المستويات في الحكومة القطرية، فيما امتنعت وكالة المخابرات المركزية عن التعليق.

وأظهرت سجلات الشركة الأخرى أن “غلوبال ريسك أدفايزرز” دفعت للإشراف والسيطرة على جهود الضغط القطرية في الولايات المتحدة، قائلة إنها يمكن أن تديرها بشكل أكثر إنتاجية.

شراء المعلومات الاستخباراتية
في مارس 2017 تم طرح مقترح حمل عنوان “بروجكت إندغايم” قال إن خصوم قطر يسعون لإدخال البلاد في معارك بالوكالة تشمل “حلفاءها” مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تدعمها الدوحة.

وردّا على هذا التهديد، تفاخرت الشركة في السجلات الداخلية بأنها “طورت نهجا للتواصل الوثيق مع عضو الكونغرس” الذي رعى تشريعا في ذلك العام لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. و”تطوير النهج” هو مصطلح استخباراتي للسعي لتوظيف الأصول المحتملة.

وقال عضو الكونغرس النائب الجمهوري عن فلوريدا ماريو دياز بالارت إنه لم يكن على دراية بمثل هذه الجهود وأنه استمر في رعاية تشريع مماثل في السنوات التي تلت ذلك، مضيفاً أن “المزاعم بأن ضابطا سابقا في وكالة المخابرات المركزية يحاول بنشاط التأثير على مشروع قانون هام للأمن القومي نيابة عن دولة أجنبية مقلقة للغاية”.

كما حذر مقترح “بروجكت إندغايم” من أن الرئيس السابق دونالد ترامب “لا يمكن التنبؤ به” وأن دائرته المقربة قد اختارها سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة.

ويطرح المقترح أن تكون قطر على “اطلاع كامل على أخبار” العتيبة وحلفائه الأميركيين ثم تنشر أخبار مسيئة له عبر وسائل إعلام صديقة، ويحذّر المقترح من أن الوقت حان الآن “للاستيلاء مرة أخرى على زمام المبادرة للسيطرة على ساحة معركة المعلومات”.

ووقّع تشالكر ومسؤول حكومي قطري خطاب نوايا في أبريل 2017 قال فيه إن شركة “غلوبال ريسك أدفايزرز” ستزود قطر بـ”أنظمة التتبع والمراقبة المطوّرة، وتقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية، وتلك التنبؤية” وخدمات التجسس الأخرى مقابل 60 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات. وتظهر سجلات أخرى أن شركة مقرها جبل طارق يملكها تشالكر بدأت في تلقي مدفوعات من سبعة وثمانية أرقام من قطر بعد ذلك بوقت قصير.

وبدأ قراصنة مجهولون في تسريب نسخ منظمة بشكل انتقائي من رسائل العتيبة على البريد الإلكتروني في يونيو 2017. وشملت رسائل يحتمل أن تكون محرجة تظهر علاقات العتيبة الوثيقة مع كبار المسؤولين الأميركيين وتأثيره الكبير في بعض مراكز الأبحاث.

ولا يوجد دليل مباشر يربط شركة “غلوبال ريسك أدفايزرز” بإصدار رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعتيبة. ونفى تشالكر بشكل قاطع لعب أي دور في عملية الاختراق والتسريب، ولم يؤكد أي من شركائه السابقين أنهم رأوا الشركة تشارك في مثل هذه الأنشطة.

وتضمنت أهداف المتسللين في تسريبات العتيبة وزير الدفاع السابق، ودبلوماسيين سابقين رفيعي المستوى ومسؤولين استخباراتيين، واثنين من مراكز الفكر التي كانت تنتقد قطر وتمت تسميتها على وجه التحديد في وثيقة “بروجكت إندغايم”.

وبعد هدوء لعدة أشهر، أطلق المتسللون جولة جديدة من رسائل العتيبة على البريد الإلكتروني في 2018 ركزت على توم باراك، وهو مستشار مقرب من ترامب متّهمة إياه بدعم الإمارات.

واتّهم إليوت برويدي، جامع التبرعات السابق لترامب، تشالكر و”غلوبال ريسك أدفايزرز” في دعوى قضائية جارية بالإشراف على عملية الاختراق والتسريب نيابة عن قطر بالإضافة إلى عملية مماثلة تستهدفه شخصيا بدأت في مطلع 2018. ووصف محامو تشالكر الدعوى بأنها “لا أساس لها من الصحة”.

ويقول زملاء تشالكر إنه حوّل تركيزه بعيدا عن “غلوبال ريسك أدفايزرز” في السنوات الأخيرة إلى شركة للأمن السيبراني للحوسبة الكمية أنشأها مع مانديتش ووقعت اتفاقية ترخيص تقنية مع مختبر “أوك ريدج” الوطني التابع لوزارة الطاقة.







شارك برأيك