آخر تحديث :الجمعة 10 مايو 2024 - الساعة:00:08:06
تعدد الأقطاب في عالم اليوم .. هل انتصر الجيش الروسي  في المعركة؟
(الأمناء/ كتب/ د.عبدالغني العلياني:)

يلوح في الأفق أن هيمنة القطب الواحد على العالم أصبحت في المحك وغير مقبولة لدى كثير من دول العالم حتى في القارة العجوز نفسها.

  وهذا المؤشر، الذي بات في الأفق واقعاً، سوف يتشكل في السنوات القليلة القادمة وعلى معطياته سوف يشهد صعود دول عظمى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على حساب انحسار وتراجع الهيمنة التي تربعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه هي مؤشرات المرحلة القادمة، وهي نتائج ليست وليدة اللحظة، بل كانت هناك عوامل موضوعية وواقعية هي من ساعدت على تشكيل هذا الواقع وصارت تقول بهذا.

وعندما نعود لقراءة المتغيرات والأحداث العالمية منذ ثمانينيات القرن الماضي وسنوات الحرب الباردة بين دول الغرب والاتحاد السوفيتي سابقاً، برزت أهم تلك المحطات منذ دخول الجيش الروسي في أفغانستان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وحينها قامت أمريكا والدول الغربية  مجتمعة تحت ما يعرف اليوم (بحلف الناتو) باتخاذ قرار استراتيجي بدعم أفغانستان بكل الوسائل المادية والبشرية والاستخباراتية، وإمداد الأفغان بأحدث أنواع الأسلحة المتطورة، وكان أهم قرار اتخذته الاستخبارات الأمريكية هو (دعم الجهاد الإسلامي) حيث عملت الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على حلفائها من القادة العرب بإرسال المتطوعين المجاهدين من أغلب الدول العربية إلى أفغانستان عبر باكستان إلى قندهار، ونجحت هذه الاستراتيجية التي اتخذتها المخابرات الأمريكية.

حيث دارت حروب استنزافية للجيش الروسي، ودخل الجيش الروسي في مستنقع خطير، لم يقدر على الخروج منه غير من باب الهزيمة، وتشرذم الاتحاد السوفيتي من تماسكه وولاياته، وكانت هذه الحرب هي أول هزيمة مني بها الجيش الروسي منذ الحرب العالمية الثانية.

وعندما انسحب الجيش الروسي منكسراً كانت نشوة النصر الأمريكية في عصرها الذهبي، لم تقف على حدود أفغانستان بل تجاوزت تلك الحدود، وما كان على المخابرات الأمريكية إلا الإدارة والتخطيط.

أما المجاهدون والمال والسلاح والدعم اللوجستي فكان موجودًا على حساب دول أخرى، ولم يكلف الولايات المتحدة الأمريكية أي شيء من خزينتها.

وهذا هو ما مكَّن الأمريكان على حشد المجاهدين والزج بهم في حرب مفتوحة مع الجيش الروسي، ولم يكن في الأراضي الروسية الشيوعية فقط بل صارت الحرب شاملة إلى داخل الأراضي المسلمة منها، وذلك لوجود حاضنة في تلك الجمهوريات حتى وصلوا إلى الشيشان على مشارف روسيا.

ودارت معارك هناك ضارية وشرسة، راح ضحيتها كثير من الأبرياء الذين ليس لهم في تلك الحرب لا ناقة ولا جمل، حتى انهار الجيش الروسي وانهارت معه إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، مما أدى بعد ذلك إلى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى دويلات، كل هذا والولايات المتحدة تدير المعارك عن بُعد وتعيش في أمن وأمان وازدهار، وأصبحت أمريكا سيدة العالم والدولة العظمى عالمياً وبرزت مرحلة جديدة مرحلة وهي ما باتت تعرف (بالقطب الواحد)، ولكن بقدرة قادر دار الزمن، ودخلت أمريكا حربًا طاحنة في أفغانستان أحرقت الأخضر واليابس (البشر والشجر والحجر) ولكن الأفغان كعادتهم لم ولن يستسلموا ولكن في هذه الحرب يبدو أن الداعم للأفغان كانت الصين وروسيا، وكانت بداية هزيمة أمريكا في الميدان نفسه الذي صارت فيه بداية هزيمة الجيش الروسي.

التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الخصوم والداعمين والممولين، وما أشبه الليلة بالبارحة، ناهيك عن تدخل الجيش الأمريكي في عدة دول، وكذلك الحرب القذرة التي تدعمها أمريكا، مثل كورونا وإنفلونزا الطيور والخنازير وكثير من الأمراض الفيروسية، التي كانت تقف خلفها المخابرات الأمريكية ومختبراتها البيولوجية، وكل هذا وغيره جعل دولاً كثيرة تنصب العداء للولايات المتحدة الأمريكية حتى من بعض حلفائها.

علماً أن أطماع أمريكا كانت كثيرة، منها على سبيل الذكر، تقسيم الشرق الأوسط الجديد وبعض دول العالم، وجعل العالم سوقًا مفتوحًا للشركات الأمريكية من خلال الهيمنة على المنافذ البحرية المهمة والدول الغنية بالثروات.

لكن الأيام دُوَل، فاليوم كل المؤشرات تشير إلى أن الإمبراطورية الأمريكية باتت بالانحسار والانهيار الوشيك ولن تكون الدولة العظمى الوحيدة في العالم، بل إن هناك مؤشرات باتت حتمية من صعود دول عظمى مثل الصين وروسيا سوف تشكلان خارطة جديدة لعالم متعدد الأقطاب، تتم من خلاله تقليص هيمنة النفوذ الأمريكي وانحساره اقتصادها وسياسياً وعسكرياً وبالتالي كثير من الخطط والأهداف والأطماع والنفوذ الأمريكي يذهب في مهب الريح، وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي الحرب في أوكرانيا، وهذه الحرب ليست بين روسيا وأوكرانيا وإنما بين روسيا والدول الغربية المتحالفة تحت (حلف الناتو).

صحيح إنه لم يتدخل حلف الناتو تدخلاً مباشراً في الحرب (خوفاً من الرد الروسي) لكن أمريكا وحلف الناتو دخلوا الحرب بطريقة غير مباشرة، والعالم كله يعلم أنهم دعموا الجيش الأوكراني بكل ما لديهم من قوة من خلال الأسلحة الذكية والمتطورة والطيران المسيَّر، ولم يبق في هذه الحرب الدائرة اليوم بين الغرب وروسيا في الميدان الأوكراني إلا السلاح النووي لم يستخدم، وربما مؤشراته باتت محتملة.

 فالدعم المادي والبشري واللوجستي معروف في هذه الحرب من أن المقاتلين الأوكران ومن شارك معهم لم يدربهم إلا  الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وأما أوكرانيا فما هي إلا ميدان حرب لتلك القوى المتصارعة، وكما يلاحظ المتابع أن الدول الغربية رمت بكل ثقلها في هذه الحرب من خلال قرارات العقوبات وفرض أشد أنواع الحصار على روسيا وكذلك إطالة أمد الحرب، وعلى الرغم من هذا كله إلا أن الحرب ما زالت مستمرة ومستعرة.

ومن هنا يتبادر سؤال إلى الأذهان: هل انتصر الجيش الروسي  في هذه المعركة رغم أنه يواجه أقوى تحالف في العالم منذ الحرب العالمية الثانية؟!

فما نشاهده في الميدان بعيد عن إعلام الطرفين من أن روسيا ضمت جمهوريات ومقاطعات شاسعة إلى مساحتها مدعية من أنها ولايات كانت روسية من قبل لكنها أخذت من روسيا وتم ضمها إلى أوكرانيا في زمن الاتحاد السوفيتي - حسب علمي في سبعينيات القرن الماضي - ويمكن القول:  إن هدف بوتن من هذه الحرب هو استعادة هذه الجمهوريات لما لها من أهمية لدى الروس وهم يدركوها جيداً بوصفها أراضٍ روسية المنشأ والهوية لكي تثبت مداميك وجودها واستعادة مكانتها السابقة في خارطة العالم.

وهذا مؤشر أقرب إلى القراءة الواقعية والعميقة من أن الروس مكتفون بها، ولا يهدفون  إلى احتلال الأراضي الأوكرانية بالكامل لاعتبارات عديدة، منها: الحفاظ على قوتهم من الدخول في حرب استنزاف تريد الدول الغربية وأمريكا أن توقعهم بها من جهة، ومن جهة أخرى فهم يريدون أن يوصلوا رسالة لتلك الدول من أن روسيا قادرة على استعادة مكانتها ودورها الريادي السابق في التحكم بالقرار السياسي الدولي والمشاركة في صناعته على أقل تقدير.

 



شارك برأيك