آخر تحديث :الخميس 18 ابريل 2024 - الساعة:14:48:27
وسائل الإعلام اليمنية تتخلى عن مسؤوليتها في قضايا الأقليات
(الامناء/العرب: )

تتعامل وسائل الإعلام المحلية في اليمن مع قضايا الأقليات بحساسية شديدة نظرًا إلى طبيعة البنية المجتمعية في البلاد، وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على تغطية قضايا الأقليات ومنحها المساحة التي تستحقها في التغطية الإعلامية.

ومع انقسام وسائل الإعلام بين أطراف الصراع اليمني، غُيبّت قضايا الأقليات وبقي حضورها في الإعلام محصورًا على الانتهاكات التي ترتكبها مختلف الأطراف بحقها واستغلالها إعلاميًا لتبادل الاتهامات بين وسائل الإعلام التابعة لكل طرف.

ويقول متابعون إن السائد في وسائل الإعلام اليمنية هو تبادل رمي الاتهامات بخصوص ممارسة انتهاكات ضد الأقليات ومحاولة العزف على وتر الدفاع عن حقوقها، فقط لمهاجمة الطرف الآخر.

وعانت المجموعات المهمشة والأقليات من الاضطهاد في اليمن، غير أن الحرب الحالية أعادت محنتها إلى الواجهة بشدة، ففي حين يعاني جميع اليمنيين تقريبًا من النزاع، إلا أن معاناة المجموعات المهمشة والضعيفة أمست تهديدًا وجوديًّا عليها، ومن شأن التغطية الإعلامية لقضيتها أن تسلط الضوء عليها وتقدم صورة عن أوضاعها للأطراف الفاعلة اليمنية والإقليمية والدولية من أجل أن تأخذ خطوات حاسمة لحماية هذه الفئات الضعيفة.

وتستكشف المقاربة التي انتهجتها وسائل الإعلام تجاه هذه القضية ما إذا كانت موضوعية في رسالتها أم أنها تنتهج سبيل التعميم وتميل إلى نشر الصور النمطية عن الأقليات العرقية والدينية في المجتمع اليمني. وذكر مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أن الأقليات عانت من التهميش بشكل مستمر عبر مختلف الفترات، سواء في فترات التسامح أو التي طغى فيها الاضطهاد. لكن استهداف هذه المجموعات ازداد خلال الصراع الحالي إلى درجة أنه بات في الواقع يعيد تشكيل المجتمع، فيما تتجاهل وسائل الإعلام هذه القضية الهامة.

ولعب اليمنيون اليهود دورًا تأسيسيًّا في تطوير الثقافة والتجارة وأنشأوا أغلب الصناعات الحرفية التي يشتهر بها اليمن. وفي حين أن عددهم أخذ بالانخفاض خلال العقود الماضية، إلا أن الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد جماعة الحوثيين المسلحة عقب استيلائها على صنعاء عام 2014 دفع – تقريبًا – كل من تبقى من العائلات اليهودية إلى المنفى، وعلى نحو مماثل فإن أفراد الطائفة البهائية في اليمن يتعرضون للإلغاء وبوتيرة سريعة نتيجة حملة ممنهجة عليهم من قِبل جماعة الحوثيين، وهي حملة قائمة على تشويه السمعة والافتراء.

أما طبقة المهمشين، وهي طبقة عرقية دنيا يطلق عليها أيضًا اسم الأخدام، فقد تم استغلالها من جميع أطراف النزاع المتحاربة. وعمد الحوثيون وخصومهم إلى تجنيد شباب المهمشين للمشاركة في القتال على الجبهات. وفي الوقت نفسه، تمنع الأطراف المتحاربة بشكل منتظم وصول جميع المهمشين المصابين إلى الرعاية الصحية والحصول على التعويضات المالية، كما تزيل أسماء أسرهم من لوائح المستفيدين من المعونات الإنسانية الدولية. ويفترض بالإعلام أن يلعب دورًا محوريًا في جسر الهوة بين الثقافات والديانات والمذاهب والفئات الاجتماعية المختلفة داخل ‏المجتمع، لكن الصراع هو النمط السائد في وسائل الإعلام اليمنية. ورسمت وسائل الإعلام اليمنية صوراً نمطية عدة للأقليات، إذ أنها أسهمت بشكل مباشر في وضعها في قوالب معينة وحصرتها فيها.

ويحتاج تناول الأقليات في وسائل الإعلام المحلية في اليمن إلى عمل دؤوب لضمان حضورها بشكل إيجابي ومنصف، لذلك أطلقت مجموعة من الصحافيين والناشطين اليمنيين مؤخرا منصة “نسيج” المتخصصة في صحافة الأقليات والإعلام الاجتماعي، وذلك تزامنا مع الاحتفاء باليوم العالمي للشباب الذي يصادف الثاني عشر من أغسطس في كل عام.

وتعتبر “نسيج” أول منصة إعلامية مستقلة في اليمن تهدف إلى تقديم قصص صحافية معمقة تهتم بقضايا الأقليات العرقية والدينية وكذلك القضايا التي تتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة والهجرة والنوع الاجتماعي بهدف تعزيز المساواة.

وقال الصحافي محمد الحريبي إن إطلاق منصة “نسيج” ما هو إلا خطوة أولى من أجل إيصال أصوات الأقليات ومختلف الفئات الاجتماعية اليمنية التي غيبت في وسائل الإعلام المنقسمة أصلًا بسبب الصراع.

وأضاف بأن الأزمات التي رافقت الحرب القائمة منذ سبع سنوات بين القوات الحكومية وجماعة أنصار الله الحوثيين والمجلس الانتقالي أدت وبشكل مباشر إلى انقسام وسائل الإعلام اليمنية وتركيزها على كل ما يتعلق بالصراع، وهو ما أنتج غياب الكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية عن وسائل الإعلام.

وجاءت منصة “نسيج” لتسد فراغا في المشهد الإعلامي اليمني الذي أصبح في أمسّ الحاجة إلى منصات متخصصة لتغطية مختلف القضايا الاجتماعية المهمشة وفقا لمعايير وقيم مهنية.

ويرى الصحافي فؤاد العلوي أن “موضوع الأقليات حساس وأن الكثير من المسؤولين في الحكومة ينظرون له كمحاولة لإثارة النعرات وبالتالي فإن تناوله في الإعلام الرسمي فيه صعوبة نوعًا ما ويتناول فقط من جانب حقوقي”.

وأوضح العلوي “من المفترض أن تكون هناك إثارة وتغطية لهذا الموضوع، لأن الأقليات تواجه اضطهادً كبيرًا جدًا من قبل جماعة الحوثي”.

ونوه “لدينا مثلًا ديانتان حوربتا من قبل الحوثيين هما البهائية واليهودية والطوائف وأصحاب المذاهب المختلفة، من المفترض تغطيتها من قبل وسائل الإعلام الرسمية”.

وأشار إلى أن وسائل الإعلام المستقلة لديها إمكانية ومساحة، لكن هذا الموضوع لم يثر حتى الآن، وهذا ربما نتيجة عدم وجود اهتمام، وغياب دور المنظمات وتأثيرات الحرب القائمة على تغطية مثل هذه القضايا.

وحاول عدد من الصحافيين في عام 2012 أن يتبنوا موضوع الأقليات الدينية وعملوا على إنشاء منظمة للاهتمام بهم حسب ما طرحته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حينها، لكن الوزارة اعترضت على المشروع لأنه لا يوجد توصيف في التشريعات اليمنية يتحدث عن الأقليات.

وقالت مسك المقرمي وهي ناشطة حقوقية من أبناء الأقليات إن “الإعلام اليوم بعيد جداً عن قضايا المهمشين وأصبح يعطي كل اهتماماته للجانب السياسي، والقضايا الاجتماعية الأخرى”.



شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل