آخر تحديث :الاحد 20 اكتوبر 2024 - الساعة:20:02:38
ابو ذيله
(الأمناء نت / أحمد الجعشاني:)

 بدأت الشمس تحجب نفسها ..رويدا.. رويدا ، خلف  صهاريج عدن .. ذاب الفضاء اصفرار.. شاحب يصارع البقاء .. وطوت السماء دروب ألونها الباهرة .. مودعة نهار طويل .. تمناه الناس إلا ينتهي...

 غادر الصغار مكانهم حيث يلعبون .. قبل أن يلبس الليل الجاثم ظلامه الأسود .. فخلت الشوارع  وأزقتها ، وأغلقت المحلات أبوابها، وخيم السكون الباهم في المدينة .. بلباسه الأسود القاتم .. بين الدروب الضيقة .. والحواري العتيقة، حتى امتطى الليل سبيله في المدينة .. بعد ان نام الصغار .. مرهقين متعبين في حجورهم الصغيرة .. وبدأ الرجال يتسامرون الليل في الغرف المغلقة .. و صاغت الأفواه حديث كالهمس في الأذان ذبيب خافت، حتى لا يسمع الصغار حديثهم، فيثير الرعب والخوف في نفوسهم ،عن ابو ذيله وحش الجبل الكاسر .. حيوان شرس .. تغلغل .. وعاث في المدينة فسادا .. فأثار الرعب والخوف في حياتهم  .. واضجع معيشتهم ،وأصبحت الحياة في عدن في سكون تام .. يعانقها هدير الموج العالي.. تنحت في صخور في الجبال  الصلبة .. وحفيف أوراق  الشجر ...وصرير ديدان الارض.. تندب الاشجان ..وتوهج الاحزان في القلب.. والكل يرقب دوار القمر .. وطلوع الشمس .. وضوء النهار ..قبل ولوج الظلام ..

 وفي كل يوم جديد .. يخرج الناس .. عند كل مولد فجر.. وأشعة شمس تشرق، يتلمسون خبر هذا الوحش، واين كان في الليلة الماضية، لاحديث لهم ، ولا شاغل لهم .. غير الحديث عن ابو ديلة.. هذا الوحش الكاسر .. لم يكن احد  في المدينه لا يصدق ذلك .. بعد ان لاكتها الألسن .. وفاحت قصتها بين أفواه الناس .. حتى أصبحت مثل تحية الصباح ..  يرددها الناس عند كل اشراقة شمس ...   

وفي الصباح  .. مثل كل يوم، كعادته، يقف أبو عبدالله امام مخبزة  الصغير في الحاره .. قائلا إمام جموع من الناس .. حين كنت في المخبز فجرا .. وقبل طلوع الشمس بقليل .. سمعت وقع خطواته الثقيله .. وصوت أنفاسه .. كان يلهث كما  يلهث الكلب، و كان الظلام شديد وعاتم .. ولكني لمحت ظل ذيله .. كان كبير جدا..يالله.. فياترى كيف حجمه ..؟ تنحنح بجانبه الشيخ قاسم الوزان..ثم قال إذا كان لم ترى إلا ذيله واصابك الهلع والخوف..فكيف إذا رأيته .. ؟ ربما كنت نائم .. و هذا حلم راودك .. او  اظن انها تهيأت .. بل هيا تهيأت .. لأن لم يراه احد منا  .. أو ان أحد شاهده من قبل .. لا أحد راه ولا أعتقد ، أن هناك وحش  يسمى ابو ذيله .. ولا يوجد حيوان بهذا الحجم الكبير .. إلا في الأساطير القديمة .. وظنها إشاعة أطلقها الناس .. فقاطعه رجل من الحاضرين .. ولكن ياشيخ يقال انه التهم الاطفال والمواشى  .. حتى أني سمعت انه يشبه الديناصور .. و أن له اسنان كأ اسنان الذئب، وهناك من يقول انه حيوان من الجن .. ؟ ثم قاطعه رجل آخر ..أ صحيح هذا يا شيخ  .. ان عدن كانت موطئ الجن .. قبل أن يستوطنها الإنس ..؟ وأن من بنى هذه الصهاريج والقلاع.. ونحت في  الإنفاق ..في هذه الجبال.. هم الجن .. ؟ الشيخ قاسم الوزان لا أعرف!! ولكن عدن هي لغز  .. حير  الكثير من الباحثين والمؤرخين . ولازالت هذه الصهاريج .. والإنفاق الممتدة حول عدن .. تبعث الدهشة والاعجاز .. حتى الأثر الذي خلفوه من النقوش، والالواح المكتوبه .. في الأسفار في الثورات و الزبور .. لم يعرف من بناها ..؟ ومتى تم بنائه ..؟ وفي أي عصر كان .. !!!

فعدى النهار...  ومضت الشمس مخبئها .. 

..وعاد الصغار  مضاجعهم ..
وأرخى الليل سدوله ظلام اسود ..

 غاب الصغير  مكانه بين اقرانه .. و تحسست أمه غيابه بين أأخوانه.. سارعت تنادى بصوتها العالي من عتبة الدار ..    
  حتى انتصف جزء من الليل .. وغدا الليل طويل  كئيبا واجما ينشد الاحزان....  
وأهل الحي .. لا يزالون يبحثون  الصغير ، وامه تنشد الحزن.. ناظرة شاحبة..  تذرف الدموع وتبكيه.. و ترمق الطريق ..

من يحمل خبر  يسر فؤادها المكلوم ..هكذا  ظلت الدموع تستدرف خدها.. وأهاهأت.. قلبها الحاني  .. يئن لفقدان ولدها..حتى أصبح الكون شجونا .. و نساء الحي تندب حالها.. ومصير صغيرها المفقود ..  لكن الليل يمضي.. بسحابه الاسود الكليم .. حامل اهاهات .. وعويل النساء .. وعجز الرجال وقهرهم ونظرات العتاب تملئ وجوهم ..  
حتى بسق الصباح  متنفسا .. وحان موعد  الشمس بازقا ..في ثوبا  دافئ.. مشرق .. يعانق المدينة وأهلها ..
  والصغار عادوا .. يلعبون مكانهم

 



شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل